وصل مستشار الأمن القومى الأمريكى برجنيسكى إلى السعودية قادما من مصر يوم 5 يناير، مثل هذا اليوم، 1980، بعد اجتماعه مع الرئيس السادات، وحصوله على موافقته لتكوين حلف «جهاد إسلامى» ضد «الإلحاد السوفيتى»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الزمن الأمريكى - من نيويورك إلى كابول».
تمت الزيارة بعد الغزو السوفيتى لأفغانستان يوم 27 ديسمبر 1979، وهندست لصناعة الإرهاب وتفريخ الإرهابيين لتدمير المنطقة العربية، واكتوت أمريكا نفسها بنيرانهم فى تدمير برج التجارة العالمى بنيويورك يوم 11 سبتمبر 2001.. يذكر هيكل: «فى يوم قادم مع المستقبل سوف تقف الأمة العربية محاسبة، تطلب التحقيق فى شأن السياسات التى ساقتها إلى تلك المغامرة على جبال أفغانستان وفى أعماق كهوفها».
جاء بريجنيسكى إلى المنطقة موفدا من رئيسه جيمى كارتر، فى زيارة تشمل، مصر والسعودية وباكستان، وعرض خطة الحلف على الرئيس السادات فى اجتماعهما يوم 3 يناير 1980، وبعد أن استمع السادات إليه خوله له إبلاغ العاهل السعودى الملك خالد، وولى العهد الأمير فهد، ووزير الدفاع الأمير سلطان أن ينقل إليهم رسالة إضافية منه، مؤداها أنه جاهز ومستعد للعمل وللتعاون معهم اليوم قبل غد فى عمل جهادى ضد الإلحاد.. يعتمد هيكل فى سرده لهذه المعلومات على ثلاثة مراجع مهمة، وهى «طالبان: الإسلام والنفط والصراع الكبير فى وسط آسيا» تأليف عميد الصحفيين الباكستانيين أحمد رشيد، وكتاب «الحروب غير المقدسة، أفغانستان، أمريكا والإرهاب الدولى» تأليف الصحفى الأمريكى المخضرم «جون كولى» وكتاب «غسيل الواقع - وكالة المخابرات الأمريكية والمخدرات والصحافة» تأليف «ألكسندر كوكبيرن» و«جيفرى سان كلير».. يؤكد هيكل أن هذه المراجع «لها مصداقية تقنع باحثا عن الحقيقة بأنه وجد جوابا لسؤاله».
يشير «هيكل» إلى أن الملك خالد كان لا يزال رسميا على العرش، إلا أن السلطة انتقلت منه إلى ولى العهد الأمير فهد».. يضيف، أن الذى حدث «وهو المتوقع» أن الملك خالد أحال ضيفه إلى أخيه الأمير فهد، وأبدى الملك لبرجنيسكى قبوله للمبدأ، من منطق أن العمل الإسلامى ضد الاتحاد السوفيتى ومن أفغانستان كان موضع اتفاق سابق معتمد من الملك فيصل الذى حكم السعودية من 2 نوفمبر 1964 - حتى اغتياله يوم 25 مارس 1975، والآن وقد تحول الأمر إلى جهاد مقدس فى أفغانستان ذاتها فإن تعاون المملكة طبيعى ومؤكد، وأما التفاصيل المستجدة فهى «عند ولى العهد».
أبدى الأمير «فهد» رضاه عندما سمع من بريجنسكى «أن الرئيس السادات تعهد بوضع الثقل المصرى بكامله وراء السعودية فى «ساحة الجهاد»، على أن «فهد» لم يكن يريد قصر دور المملكة على تقديم المال فقط، وإنما كان يريد لها دورا فى الجهاد، وكان رأيه وأيده فيه بعض إخوته وبالذات الأمير «سلطان» أن إدارة الجهاد ينبغى أن تكون للمملكة، وقيادته من فوق أرضها، وبعد ذلك تكون ترتيبات التنفيذ كما هو مناسب، وفى الترتيب العملى فإن ذلك اقتضى الاتفاق على خطوط سياسية عريضة وهى:
أن يكون التمويل مشتركا وبالتساوى بين أمريكا والسعودية عن طريق صندوق دوار، يتأسس فى جنيف بمبلغ قدره ألف مليون دولار تتجدد تلقائيا بمقدار ما يصرف منه، والجهات المكلفة بالإشراف على التنفيذ وكالة المخابرات الأمريكية، ومن الجانب السعودى هيئة المخابرات العامة، وتكون التوجيهات والاتصالات السياسية مع قيادات الجهاد الإسلامى من اختصاص المملكة تجنبا للحرج، مع العلم بأن وكالة المخابرات الأمريكية لها مكتب معروف فى بيشاور الباكستانية، ومع أن الجيل الأول من الزعماء الأفغان الكبار مثل ربانى، حكمتيار، مسعود «على اختلاف ما بينهم» تعاملوا من البداية مع وكالة المخابرات الأمريكية حينما كان نشاطهم داخل الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفياتى فإنهم الآن، والميدان على أرض بلادهم يفضلون أن يكون التعامل مع السعودية لتكون الوسائط إسلامية.
ومن غرائب ما حدث باسم الإسلام، ووفقا لرواية عميد الصحفيين الباكستانيين، أن زعماء القبائل والمليشيات الأفغانية الذين جرى اعتمادهم قادة للجهاد، وقع تنصيبهم للحرب المقدسة بإجراءات اقترحها أحد الخبراء «من مستشرقى المخابرات المركزية على الأرجح»، تقضى بأن يفتح باب الكعبة للقائد المرشح، ثم يدخل منه إلى قدس الأقداس، فيؤدى الصلاة أمام كل جدار من جدران الكعبة باعتبار أن كل ناحية من داخلها قبلة، ثم يخرج الرجل وقد وقع ترسيمه أميرا للجهاد ضد الإلحاد.
كانت آخر الترتيبات العملية التى ناقشها «بريجنسكى» فى السعودية هى: أن تختص مصر بتوريد الأسلحة والمعدات والذخائر مما لديها من أسلحة سوفياتية الصنع، وعليها أيضا أن توفر للجهاد الإسلامى دعما دينيا وسياسيا وإعلاميا، وفى إطار ذلك فإن بعضا من أهم المؤسسات الدينية فى مصر صدرت لها التعليمات، بأن تتقدم باجتهادات وفتاوى تؤيد وتزكى أسبقية الجهاد ضد الإلحاد، كما أن بعض وسائل الإعلام الشهيرة فتحت أبوابا ثابتة تدعو للجهاد فى أفغانستان وتجمع له الأموال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة