على الرغم من حدة الأزمة التى تشهدها أستراليا فى الأسابيع الأخيرة، جراء الحرائق التى اندلعت فى العديد من القرى، تبدو حالة من التضامن المجتمعى، خلقت بعدا إيجابيا للكارثة، والتى يراها قطاع كبير من المحللين والمتابعين أنها الأكثر حدة، فى تاريخ البلاد، منذ عقود طويلة من الزمن، سواء من حيت تداعياتها الاقتصادية، بسبب التهام العديد من المزارع والحقول جراء النيران، أو حتى المأساة الإنسانية، والتى أدت إلى مصرع العديد من السكان، فى محاولاتهم التدخل لإنقاذ ممتلكاتهم أو جيرانهم، من ألسنة النيران التى أكلت الأخضر واليابس.

أحذية أطفال تبرع بها جانب من سكان المناطق المجاورة لكوبارجو
ولعل الملفت للانتباه أن ثمة أعداد كبيرة من الأستراليين المنكوبين جراء الحرائق، لم ينكفئوا على ذواتهم بكاءً على اللبن المسكوب، وإنما آثروا التدخل لإنقاذ الآخرين، فى ظاهرة ربما تستحق الكثير من الدراسة، فى العديد من المجنمعات الأخرى، لتكون بمثابة درس ملهم، حول كيفية التعامل مع الأزمات.

أطفال على متن إحدى الحافلات فى كوبارجو
ويمثل رود دان، وهو عامل بسيط يعمل فى مجال البناء، مثالا صارخا فى هذا الإطار، حيث التهمت النيران منزله وسيارته وممتلكاته فى مدينة كوبارجو التى تأثرت بشدة جراء حرائق الغابات، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص من سكانها، بالإضافة إلى تدمير مئات المنازل والمزارع، بينما لم يجد فى النهاية سوى معطف قديم أقرضه له صديق.

الحرائق تعد أكبر كارثة إنسانية تضرب أستراليا منذ عقود
ولكن بالرغم من أنه خسر كل شئ، إلا أنه يرى نفسه محظوظا.

المواطنون الأستراليون المنكوبون إثر أزمة الحرائق
يقول دان، فى تصريحات أبرزتها وكالة "رويترز" الناطقة بالإنجليزية، "إننا نعيش فى أفضل مكان بالعالم"، موضحا أن هذه هى الحقيقة التى لا غبار عليها، فقد كانت الأزمة سببا فى توحيد المواطنين بشكل غير مسبوق.

رود دان فقد كل ممتلكاته بينما أنقذه دعم أقرانه من المواطنين
شريط من المآسى دار بعقل دان بينما كان يتحدث عما حدث له، جراء أزمة الحرائق، إلا أنه لم يتجاهل جانبا إيجابيا ظهر من رحم الأزمة، وهو حالة التضامن المجتمعى غير المتوقعة، والتى تعكس حالة التماسك، التى تنبئ بقدرة البلاد على تجاوز الأزمة فى المرحلة المقبلة.

جانب من المشهد المأساوى فى كوبارجو
وكان أول ما تذكره دان، عند الحديث عن الأزمة، هو أن صديقا له خاطر بحياته لإنقاذه من الحرائق، فى حين اتسم الغرباء، الذين يعيشون فى بلدة تبعد عنه بـ70 كيلومتر، بالكرم، عندما منحوه خيمة لينام بها، بعدما أكلت النيران منزله، حيث وصف المشهد بقوله "إنها خيمة الإنقاذ.. لقد غمرنا الناس بكرمهم."

حالة من التضامن المجتمعى بين سكان أستراليا
وفى الوقت الذى استجاب فيه غالبية سكان كوبارجو إلى نداء الحكومة بإخلاء منازلهم، أصر البعض على البقاء، وعدم التخلى عن بلدتهم، لينصبوا الخيام فى منطقة قريبة منها، مما دفع ألاف الأستراليين فى البلدات الأخرى، إلى الذهاب إليهم، وإمدادهم بالمواد اللازمة لبناء كارفانات يمكنهم الإقامة بها، كما جلبوا لهم كميات كبيرة من الأطعمة والملابس، فى حين انضم عددا من المسعفين للإقامة معهم للتعامل مع حالات الطوارئ.

سلع وفرها مواطنون لأقرانهم المتضررين
يقول عمدة كوبارجو السابق تونى ألين، فى تصريحات نشرتها "رويترز"، "إنها ربما كانت مخاطرة كبيرة بالتحرك نحو هؤلاء الذين أصروا على البقاء، ولكن قررنا خرق بعض القواعد العقلية حتى نكون مجتمعا سويا يقوم فى الأساس على الدعم والمساندة."

سيدة أسترالية تحمل طفلتها
وتشتهر بلدة كوبارجو بأنها بلدة التراث الثقافى، حيث تتواجد بها محال لبيع الكتب التاريخية، التى يعود تاريخها لأكثر من قرن من الزمان، كما أنها تطلق مهرجانا ثقافيا سنويا يجتذب قطاع كبير من السائحين، سواء من الأستراليين فى المدن الأخرى، أو حتى من الخارج.

سيدة تقدم لافتة مكتوب عليها شكرا لأحد رجال الإنقاذ
السكان الأستراليون أشادوا بالجهود التى بذلها المتطوعون، حيث علق بعضهم ملابس لرجال الإطفاء خارج منازلهم وخيامهم، وكتبوا عليها "شكرا"، فى الوقت الذى قام فيه متطوعون أخرون بتنظيف الألواح الشمسية وإصلاح أسوار المزارعين، وإزالة الحطام من الطرق الريفية.

عدد من الأستراليين الذين جاءوا إلى كوبارجو لدعم المتضررين

كارافان فى كوبارجو لتقديم الخدمات للمتضررين

لافتة شبه محترقة تحمل إسم المدينة

محاولات لإصلاح جزء مما أفسدته النيران فى كوبارجو

محل للكتب التراثية

ملابس وبطاطين بالمجان للمنكوبين

منطقة لتوفير الطعام والشراب للمتضررين

مواطنون قدموا كميات كبيرة من الملابس لدعم المنكوبين