في تلاوة نادرة للقارئ الشيخ محمود على البنا، بإحدى الجلسات الخاصة، كان يتلو فيها من سورة الأحزاب وشعر أحد المستمعين أن الشيخ ليس فى "الفورمة" فما كان منه إلا أن مازح الشيخ بأدب وصوت منخفض قائلاً: "جبر خاطر قراءتك دى ولا إيه .. انت يا عم انت" فرد البنا: "عايز إيه يا ولا؟" .. فيرد المستمع: "قول يا أيها النبى إنا أرسلناك... قول اللى احنا عايزينه مش اللى انت عايزه".. فيرد الشيخ:"حاضر ويكمل تلاوته".
هذا المشهد "المسموع فقط"، يؤكد كيف كان "سميعة" القرآن الكريم في مصر على علم ودراية بأحكام التلاوة وكيف كانوا على درجة عالية من التأدب مع قارئ القرآن الكريم، عكس ما نراه اليوم من الكثير من "السميعة" الذين تحولوا إلى "هتيفة" وحولوا مقام تلاوة القرآن الكريم إلى مسرح أو دور عرض سينمائى يتم فيه تشجيع الممثلين بأى شكل كان.
في هذا الإطار يؤكد الشيخ محمد صالح حشاد، نائب نقيب القراء، شيخ عموم المقارئ المصرية، أن جمهور المستمعين للقرآن الكريم قديما كانوا يفهمون جديدًا الشيخ وربما كانوا على دراية بالأحكام والقراءات، فكنا نرى مثلا البعض يطلبون من الشيخ إعادة تلاوة الآية بمقام السيكا وهكذا، ولكن في زماننا هذا هناك قراء لا يحفظون القرآن كاملا، ومع ذلك يزعمون أنهم على علم ودراية كاملة بالمقامات رغم أنهم لو حفظوا القرآن الكريم وتلوه تلاوة صحيحة بالتجويد هيعمل موسيقى لوحده، فما بالنا بالمستمعين، ورأينا مثلا أحد القراء وكان يتلو في عزاء وشهر أحد المستمعين فى وجه مطواه ليطالبه بإعادة تلاوة آية مرة أخرى.
الشيخ محمد حشاد شيخ عموم المقارئ المصرية
وتابع حشاد في تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع"،:"للأسف هناك بعض القراء يصطحبون معهم ميكروباصات من الجماهير، وأنا أطلق عليهم مرتزقة وليسوا سميعة لأنهم يذهبون مع الشيخ لمجرد الأكل لدى صاحب الليلة، وفى النهاية يحصلون على بعض النقود من الشيخ، وهناك من يطلق عليهم ألتراس، كما أن بعض القراء الآن يبتكرون فيى أساليب الدعاية فيطبعون صورهم على تي شيرت ليرتديه هؤلاء الألتراس أثناء الحضور فى المناسبات التى يتلون فيها القرآن الكريم ورأينا آخر يطبع صورته على فناجين قهوة".
وأكد شيخ عموم المقارئ المصرية، ضرورة أن يذكر قراء القرآن الكريم الجمهور الذى يستمع إليهم بقول الله تعالى :" وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، وذلك إن لم يكن القارئ هو من أحضر هذا الجمهور، قائلاً:"لا مانع طبعا من الثناء على القارئ بكلمات بسيطة من عينة الله يفتح عليك أو الاكتفاء بكلمة الله ولكن أن تكون الليلة ربعها تلاوة والبقية زعيق فهذا مرفوض"
فيما يؤكد القارئ الشيخ أحمد نعينع، أنه يعلم أن بعض القراء يؤجر "هتيفة" للهتاف له أثناء التلاوة مقابل مبالغ مالية تصل إلى 100 جنيه للفرد، ومن يفعل ذلك من القراء إنما هو ضعيف ويعتقد أنه بطريقته هذه سيلحق بالقراء العمالقة غير أنهم يزداد ضعفًا.
وأضاف نعينع لـ "اليوم السابع"، أن جمهور "السميعة"، كانوا على علم ودراية بالقرآن الكريم من حيث أحكام التلاوة والتجويد وحفظ القرآن الكريم، فكنا نرى مثلا من يصحح للقارئ ليس فقط فى النص القرآنى وإنما فى الأحكام، قائلاً:"أتمنى من مستمعى القرآن الكريم فى زماننا هذا أن يفعلوا ذلك".
القارئ الشيخ أحمد نعينع
ووجه الدكتور أحمد نعينع رسالة إلى القراء قائلاً: "اتقوا الله سبحانه وتعالى فى كلامكم وفى تلاواتكم للقرآن الكريم وإن لم تكونوا على علم بأحكام القرآن وعلومه فتعلموه ولا داع لتأجير مثل هؤلاء الهتيفة فالأجر والثواب والشهرة على الله سبحانه وتعالى".
حسن البنا، أحد المهتمين بجمع تسجيلات قراء القرآن الكريم والمبتهلين، يؤكد أنه كثيرًا ما يشاهد أمثال هؤلاء "الهتيفة" أثناء حضوره بعض الأمسيات والاحتفالات الدينية، خاصة التى تشارك فيها الإذاعة المصرية بالمساجد الكبرى، لاسيما نقل صلوات الفجر والجمع، بسبب كثرة ما يطلق عليهم "الهتيفة".
حسن البنا أحد المهتمين بجمع التسجيلات التراثية
ويضيف حسن البنا الشاب العشرينى لـ "اليوم السابع": "هؤلاء الهتيفة يعلمون بطريقة أو بأخرى جدول القراء ويأتون خصيصًا لتشجيعهم أثناء التلاوة أملا منهم في الحصول على بعض النقود من هؤلاء القراء، كما أن بعض القراء يتعمدون اصطحاب هؤلاء "الهتيفة" معهم أو إبلاغهم بطريقة غير مباشرة، حتى أن الإذاعة المصرية تُنبه على القارئ والمبتهل فى الإذاعات الخارجية وخاصة صلاة الفجر بعدم اصطحاب جمهور مشجعين احترامًا لقدسية ووقار وقت الفجر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة