سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 18 يناير 1863.. «إسماعيل باشا» يتلقى خبر وفاة عمه الوالى سعيد فى الإسكندرية ويأمرالحاشية بترك الجثمان والعودة إلى القاهرة

السبت، 18 يناير 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 18 يناير 1863.. «إسماعيل باشا» يتلقى خبر وفاة عمه الوالى سعيد فى الإسكندرية ويأمرالحاشية بترك الجثمان والعودة إلى القاهرة سعيد باشا
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الوالى سعيد باشا، مستلقيًا على سريره، ويقول لوزيره «ذوالفقار»: «من يقول إنكم منذ عدة أشهر فقط كنتم تتحركون مثل النمل؟ ثم انتابته نوبة من الزغطة، قال بعدها أيضًا «إن هذه علامة سيئة».. يعلق نوبار: «ذوالفقار من كثرة ماتعود على موافقته فى أى شىء يرد بلا وعى: «نعم سيدى».
هكذا يصف «نوبار باشا» وزير الوالى سعيد فى مذكراته لحظات نهايات سعيد بن محمد على، البالغ من العمر 42 عامًا، وحاكم مصر ثمانى سنوات وتسعة أشهر وتسعة أيام خلفًا لعباس باشا ابن شقيقه طوسون، ويراه الدكتور «زين العابدين شمس الدين نجم» فى كتابه «مصر فى عهدى عباس وسعيد»: «يحسب له محاولته ترقية أحوال المصريين ونشر العدل فيما بينهم، وعدم ميله إلى الأتراك، وقوله إنه يتمنى التخلص من آخر نقطة دم فاسدة فى عروقه التركية الشركسية»، لكن «زين العابدين» يراه أيضًا: «ضعيف الإرادة أمام الأجانب الذين استغلوا ذلك مما أدى الى عدم المحافظة على مصالح الدولة، وكان سريع الغضب، سريع العفو»، ويتذكره نوبار فى الليلة السابقة لسفره الى باريس: «رأيت الدموع فى عينيه، رأيت سعيد المرح غير المكترث أبدًا بأى شىء يبكى، تأثرت وسألته عن سبب آلامه فقال: «لقد خربت مصر، خربتها تمامًا، ماذا سيقولون عنى؟».
يروى «نوبار» دراما موت سعيد بالسرطان، قائلًا «إنه فى أيامه الأخيرة لم يستطع البقاء فى مكان واحد، وذهب إلى الإسكندرية للإقامة، لكن ليس فى القصر الذى تقيم فيه زوجته، وإنما فى كوخ ملحق يبلغ مساحة منزل ومكون من طابق واحد، ويقع فى ركن بالحديقة، ولما ازداد ضعفه لازم الفراش، وكانت أبواب حجرته مفتوحة على مصراعيها، والناس يدخلون إليها ويخرجون وسط ضوضاء وصخب».أجريت جراحة لاستئصال ورم جديد بعد جراحة أخرى، وفحصه ثلاثة من أشهر أطباء الإسكندرية، فاكتشفوا من التحاليل وجود «كوليسترول»و«سكر»، والأمل فى الشفاء ضعيف جدًا،  وحين أصيب بالزغطة حاول نوبار التخفيف عنه، فقال له: «كم مرة سيدى أصيبت أنا نفسى بالزغطة» فرد: «نعم، لكن دون أن تصاب بالمرض، وأشار إلى نفسه قائلًا: «بالنسبة لى هذه هى النهاية».
يؤكد نوبار: «كان الكوخ ممتلئا بالناس، والضوضاء تعم، بشكل كان يمكن سماعه بالخارج، وصعد أحد الأطباء إلى «الوالى» ثم نزل ليخبر زملاءه بحالة المريض التى تنتابه سكرات الموت، وبعد قليل أخبرونا أن سعيد لفظ أنفاسه الأخيرة» فى صبيحة 18 يناير، مثل هذا اليوم 1863.
يتذكر نوبار «تجمع كل الموظفين وكتبوا لإسماعيل باشا، الموجود فى القاهرة يسألونه التعليمات، فدعاهم جميعًا للحضور، ليتهافت الجميع إلى أول قطار دون ترك أى أوامر وإجراءات بخصوص الدفن، وكان محافظ الإسكندرية وحده على رأس الجنازة التى لم يشترك فيها أحد من الموظفين»، يقول نوبار «صاحب النسيان واللامبالاة الكاملة سعيد إلى القبر».كان هناك من يترقب لحظة الموت لحصد المكاسب، وحسب إلياس الأيوبى فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا»، فإن العادة جرت على أن ينعم الوالى الجديد بلقب «بك» إلى من يأتى إليه بخبر اعتلائه العرش، وإذا كان حامل هذا الخبر من «البكوات» فينعم عليه الوالى بلقب «باشا»، ولهذا كان هناك من يترقب موت سعيد باشا، لإبلاغ إسماعيل الذى سيخلف عمه.
يذكر «الأيوبى» أن «بسى بك» مدير المخابرات التلغرافية لم يغادر عمله 48 ساعة ليحمل خبر الوفاة إلى الأمير إسماعيل، غير أن النوم غلبه بعد يقظته 48 ساعة، فاستدعى أحد صغار موظفى مصلحته، وأمره بالجلوس إلى جانب عدة التلغراف حتى ينام قليلًا، وشدد عليه أن يقوم بإيقاظه فور تلقيه إشارة من الإسكندرية تفيد بانتقال محمد سعيد باشا إلى «دار البقاء»، ووعده بجائزة خمسمائة فرنك مقابل ذلك، فأظهر الموظف الصغير انصياعه.
كان الموظف يعلم تمامًا مقدار الجائزة، فعقد عزمه على الفوز بها، وفى منتصف الليل بين اليوم السابع عشر والثامن عشر يناير 1863، وردت البرقية، فحملها مسرعًا إلى سراى الأمير إسماعيل، وطلب المثول بين يديه، وكان إسماعيل جالسًا فى قاعة استقباله، سهران يحيط به رجاله، فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف أمرًا بإدخاله حالًا.
يصف «الأيوبى» المشهد فى السراى فور دخول الموظف، قائلًا «جثا الرجل أمام إسماعيل باشا، وسلمه البرقية، فقرأها إسماعيل، ونهض والفرح على محياه، فوقعت الإشارة من يده، وشكر الله بصوت عال على ما أنعم به عليه من رفعه إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه ترحمًا طويلًا، فشاركه رجاله المحيطون به فى فرحة، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز، ونظر إسماعيل إلى الموظف الجاثى أمامه، وتبسم وقال: «انهض يابك»، وحباه نفحة من المال وأذن له بالانصراف».
عاد الموظف إلى مصلحة التلغرافات، وأيقظ «بسى بك»وسلمه البرقية، فتناولها وقرأها ثم فتح كيسه بسرعة وأعطاه المبلغ الذى وعده به، وأسرع إلى سراى إسماعيل، ولما دخل عليه، وعرض عليه الإشارة قابله إسماعيل بفتور، وقال «أصبح لدينا خبرًا قديمًا»، فأدرك الرجل أن الموظف خانه وسبقه ثم ضحك عليه واستخلص منه خمسمائة فرنك، فاستشاط غضبًا، وعاد إلى مصلحته، واستدعى ذلك المكير الخائن، واندلث عليه، فأوقفه الموظف عند حده قائلًا: «صه، فإنى أصبحت «بيك» مثلك».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة