من العزلة إلى الاندماج.. كيف يحاول ترامب احتواء تهديدات الخصوم عبر دمجهم بالمجتمع الدولى؟.. الرئيس الأمريكى انقلب على سياسات أسلافه تجاه الدول المارقة.. وأجبر أوروبا على التقارب مع موسكو عبر سياسة السلام الساخن

الأحد، 08 سبتمبر 2019 06:00 م
من العزلة إلى الاندماج.. كيف يحاول ترامب احتواء تهديدات الخصوم عبر دمجهم بالمجتمع الدولى؟.. الرئيس الأمريكى انقلب على سياسات أسلافه تجاه الدول المارقة.. وأجبر أوروبا على التقارب مع موسكو عبر سياسة السلام الساخن
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"خطوة أولى نحو السلام"، هكذا وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على حسابة بموقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، قرار تبادل السجناء بين روسيا وأوكرانيا، معتبرا إياه خبرا جيدا للغاية، لإنهاء النزاع الذى دام لحوالى 5 سنوات بين البلدين، على خلفية قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم، إلى أراضيها، ردا على حالة الفوضى المدعومة من قبل الإدارة الأمريكية السابقة، لإقالة الرئيس الأوكرانى الأسبق فيكتور يانكوفيتش، والمعروف بموالاته لروسيا، ليتولى دفة القيادة بعده رئيسا مواليا لواشنطن، وهو بيترو بورشينكو، لتستمر حالة التوتر قائمة بين البلدين طيلة السنوات الماضية، فى ظل عقوبات أمريكية وأوروبية تم فرضها على الحكومة الروسية، ساهمت فى تأجيج التوتر فى المنطقة.

ولعل الإشادة الأمريكية بالقرار الروسى الأوكرانى المشترك، تمثل تجسيدا صريحا لرؤية ترامب القائمة على ضرورة دمج موسكو فى المجتمع الدولى، والتوقف عن سياسة عزلها عن محيطها الإقليمى، عبر تطويقها بضم الجمهوريات السوفيتية السابقة إلى حلف الناتو تارة، والاتحاد الأوروبى تارة أخرى، فى خطوات طالما أثارت التحفظ الروسى فى السنوات الماضية، وساهمت فى تأجيج التوتر الدولى، فى الوقت الذى استطاعت فيه الحكومة الروسية تحقيق انتصارات مرحلية على المعسكر الغربى، عبر زيادة نفوذها فى العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اختراق حلف شمال الأطلسى، عبر استقطاب تركيا، وهو ما بدا فى نجاح الرئيس الروسى فى تسويق منظومة الصواريخ الروسية "إس 400" لنظيره التركى رجب طيب أردوغان، ليضرب "إسفين" غير مسبوق فى التحالف الذى يعد الرمز الباقى للكتلة الغربية إبان الحرب الباردة.

من الحصار إلى الاندماج.. ترامب انقلب على نهج أسلافه

إعادة دمج الخصوم فى المجتمع الدولى هى أحد أهم الأركان التى تبناها الرئيس الأمريكى فى دبلوماسيته، منذ بداية حقبته، حيث تمركزت رؤيته حول احتواء مخاطر الدول "المارقة"، يقوم فى الأساس على إعادة هيكلة علاقتها بمحيطها الإقليمى والجغرافى، من خلال الانفتاح عليهم، وبالتالى تحويل التهديد الذى تمثله تلك الدول فى مناطقهم، إلى تعاون بناء، يؤدى فى النهاية إلى تحقيق الاستقرار، وتخفيف الأعباء المالية والعسكرية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة فى العديد من مناطق العالم، لتقديم الدعم الأمنى والاقتصادى للدول الحليفة لحمايتهم، وهو ما أدى إلى استنزاف الإمكانات العسكرية والاقتصادية لواشنطن عبر عقود طويلة من الزمن.

ترامب وزعيم كوريا الشمالية
ترامب وزعيم كوريا الشمالية

فلو نظرنا إلى الكيفية التى تعاملت بها واشنطن مع كوريا الشمالية، نجد أنها تقدم نموذجا للدبلوماسية الأمريكية الجديدة تجاه الخصوم التاريخيين للغرب بشكل عام، وللولايات المتحدة بصورة خاصة، حيث نجد أن العلاقة تدرجت من تبادل التصريحات العدائية بين الرئيس الأمريكى ونظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون إلى حد التهديد بحرب نووية، فى بداية الأمر، إلى تواتر اللقاءات، والتى كان أخرها على الحدود بين الكوريتين، والتى عبر فيها ترامب إلى الأراضى الكورية الشمالية، فى مشهد يحمل فى طياته جانبا رمزيا، يعد بمثابة الإعلان عن إنهاء الخصومة التاريخية بين البلدين.

إلا أن التطور السريع فى العلاقات الأمريكية مع كوريا الشمالية لم يأتى جزافا، وإنما جاء بعد خطوات اتخذتها بيونج يانج، تحت ضغط أمريكى، بهدف التقارب مع دول الجوار، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية، لتفتح الأخيرة الباب أمام انفتاح كيم ليس فقط على واشنطن، ولكن على دول أخرى، من بينها حلفاء أمريكا فى آسيا، كسنغافورة وفيتنام، واللتين إلتقى فيهما ترامب بكيم فى قمتيهما الأولتين، بالإضافة إلى روسيا والصين، والتى تعد الحليف الرئيسى لبيونج يانج منذ سنوات.

ليس جديدا.. مبادرة واشنطن لعودة روسيا لمجموعة السبع بداية الطريق

وهنا يمكننا القول بأن دبلوماسية ترامب تجاه الخصوم تختلف تماما عن رؤية أسلافه، والذين ركزوا على سياسة العزلة والحصار، فى سبيل الضغط عليهم، وهى السياسة التى لم تؤتى بثمارها فى كثير من الأحيان، بل ودفعت واشنطن أحيانا إلى الرضوخ لرغبات خصومها، فى نهاية المطاف، دون الحصول على أية ضمانات منهم لتحقيق الاستقرار، وهو ما بدا بوضوح فى الاتفاق النووى الإيرانى، والذى يراه الرئيس الأمريكى خضوعا أمريكيا لطهران، فى الوقت الذى لم تحصل فيه إدارة أوباما على تنازلات كبيرة، حيث استمرت الحكومة الإيرانية فى تجاربها بإطلاق صواريخ باليستية، باعتبارها خارج نطاق الاتفاقية التى وقعتها مع القوى الدولية الكبرى فى يوليو 2015، برعاية إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

ترامب وبوتين
ترامب وبوتين

ويعد الحديث عن الانفتاح الغربى على موسكو، ليس بالأمر الجديد تماما، حيث سبق للرئيس ترامب، وأن اقترح عودة موسكو إلى عضوية مجموعة السبع الكبرى، خلال قمتهم فى العام الماضى، والتى عقدت فى مقاطعة كيبك الكندية فى العام الماضى، وهو الأمر الذى أثار امتعاضا كبيرا بين حلفائه، والذين اعتبروا أن المقترح الأمريكى بمثابة انقلاب على الأعراف الغربية، خاصة وأن موسكو لم تقدم أى تنازل فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وبالتالى كانوا يرون أن هناك ضرورة لاستمرار الضغط الغربى على موسكو عبر عزلها دوليا.

وهنا كان التحرك الأمريكى فى الحالة الروسية مختلفا عن نظيرتها الكورية الشمالية، فالضغط الأمريكى لم يكن على الخصم الروسى، والذى يبدو مستعدا للحوار، ولكن على الحليف، الذى بدا رافضا للانفتاح على موسكو، وبالتالى كانت الوسيلة هى وضع الحلفاء مباشرة فى مواجهة التهديد الروسى، دون حماية أمريكية، عبر إثارة التوتر مع الحكومة الروسية، ودفعها نحو اتخاذ خطوات من شأنها إثارة قلق أوروبا الغربية، بالإضافة إلى دول الجوار الروسى، الذين قضوا عقود تحت الحماية الأمريكية بفضل انتشار القوات الأمريكية على أراضيهم تحت غطاء الناتو.

السلام الساخن.. أزمات أمريكية مفتعلة مع موسكو لإثارة مخاوف الحلفاء

ويبدو أن التحرك الأمريكى تجاه روسيا سار على مسارين مزدوجين، يقوم الأول على إثارة التوترات مع الحكومة الروسية بين الحين والأخر، ربما بشكل مفتعل، فيما يمكننا تسميته بسياسة "السلام الساخن"، بهدف إثارة مخاوف الحلفاء فى أوروبا الغربية، وهو ما يبدو واضحا فى القرار الأمريكى بالانسحاب من اتفاق الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، والذى يمثل تهديدا صريحا لهم، فى ظل تنامى الاحتمالات باتجاه موسكو نحو نشر صواريخها فى أوروبا، وبالتالى لا تجد دول القارة العجوز بديلا عن التعاون مع الخصم التاريخى، والاندماج معه، وهو ما تجلى فى التغيير الكبير فى الموقف الفرنسى والألمانى تجاه موسكو، حيث حرص الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على لقاء بوتين قبيل انطلاق قمة السبع التى عقدت فى بلاده، بينما حرصت برلين على توسيع التعاون مع موسكو فيما يتعلق بمجال الطاقة.

بعد تبادل السجناء.. هل تعود أوكرانيا وروسيا لمائدة التفاوض؟
بعد تبادل السجناء.. هل تعود أوكرانيا وروسيا لمائدة التفاوض؟

فى حين قام المسار الآخر بالضغط على دول الجوار الروسى، وعلى رأسها أوكرانيا، حيث ثار الحديث داخل أروقة الإدارة الأمريكية فى الأيام الماضية، حول إمكانية حظر برنامج مساعدات عسكرية بقيمة 250 مليون دولار لأوكرانيا، فى خطوة تعد بمثابة تلويحا أمريكيا بنزع الحماية الأمنية عن كييف، وبالتالى إجبارها على الانفتاح على موسكو، وهو الأمر الذى ربما أتى بثماره فى اتفاقية تبادل السجناء، والتى ربما تفتح الباب أمام مفاوضات مستقبلية، لإنهاء القضايا الخلافية بين البلدين.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة