مطران الكاثوليك بالمنيا: قانون بناء الكنائس الجديد يسير بشكل جيد.. الأنبا بطرس فهيم لـ«اليوم السابع»: مظاهر التدين السطحى منتشرة فى المنيا.. والكنيسة تظل دائماً فى احتياج لمراجعة ذاتها

السبت، 17 أغسطس 2019 11:13 ص
مطران الكاثوليك بالمنيا: قانون بناء الكنائس الجديد يسير بشكل جيد..  الأنبا بطرس فهيم لـ«اليوم السابع»: مظاهر التدين السطحى منتشرة فى المنيا.. والكنيسة تظل دائماً فى احتياج لمراجعة ذاتها الأنبا بطرس فهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- تجديد الخطاب الدينى المسيحى يحتاج إلى معرفة حقيقية الدين فى أصوله وفروعه وعدم الخلط بين النص المقدس وتفسيراته المتنوعة والمتعددة

 
يمتلك الأنبا بطرس فهيم مطران المنيا للكاثوليك رحلة روحية فريدة، فقد ولد أرثوذكسيا ثم انتقل للكنيسة الإنجيلية واستقر به المقام مطرانا بكنيسة الكاثوليك، عن تلك الرحلة بين الطوائف وعن تحديات الخطاب الدينى المعاصر كان لـ«اليوم السابع» معه هذا الحوار، الذى روى تفاصيل انتقاله بين الطوائف المختلفة.
كما تحدث الأنبا بطرس عن قانون بناء الكنائس الجديدة، مؤكدًا أنه يسير بشكل جيد، وحل كثيرا من المشاكل التى كانت تحدث فى الماضى، وإلى نص الحوار.. 
 

ارتحلت من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الإنجيلية واستقريت فى الكاثوليكية، احك لنا عن رحلتك تلك؟

فى الحقيقة كان انتقالى بين الكنائس الثلاث ترتيبا إلهيا، حدث من خلال أحداث بشرية، كما هى عادة الله سبحانه وتعالى غالبًا ما يستخدم ظروف وحياة البشر ليعلن عن حضوره وعمله ومشيئته. فنشأتى الأولى فى الكنيسة الأرثوذكسية جعلتنى أتشرب ما فيها من جمال الطقوس والألحان وحب الروحانية التقليدية المتجذرة فى الثقافة والحضارة المصرية وأعرف الكثير عما فيها من غنى روحى وآبائى، للعبادة فى الكنيسة القبطية نكهة خاصة ومذاق متميز يعلن عن حضور الله بشكل روحانى خاص يتصف بمسحة من المسكنة والتواضع والانسحاق وهى تميل إلى الإفراط فى مظاهر التعبد التقليدية من خلال أصوام وصلوات من مزامير وتسبيحات طويلة وعبادات يغلب عليها طابع الهدوء وأحيانًا فيها مسحة من الحزن الناتج عن مشاعر التوبة، والإحساس المفرط بوطئة الخطيئة الشخصية وميل إلى العزلة.
 
فى الكنيسة الإنجيلية تعرفت بعمق أكثر على الكتاب المقدس وما فيه من خبرات روحية عميقة وتعاملات الله مع شعبه ومع الناس كنموذج لتعامل الله سبحانه وتعالى مع كل المؤمنين. وتعرفت على الترانيم بما فيها من تنوع وحيوية وغنى. وتتسم الروحانية الإنجيلية بالانفتاح على الآخر والترحيب به، فهى روحانية كتابية اجتماعية عملية بالدرجة الأولى، وإن شابها فى بعض الأحيان التكرار والسطحية.
 
فى الكنيسة الكاثوليكية وجدت نفسى تمامًا، ووجدت الله كما تمنيت أن آراه، فمن ناحية وجدت كل روحانية وتقاليد وطقوس وعبادات الكنيسة الأرثوذكسية بما لنا من طقس وتراث مشترك بحكم إننا أقباط. ومن ناحية أخرى فتحت الكنيسة الكاثوليكية آفاقى على ما لها من اتساع وتنوع فى الفكر وفى مدارس اللاهوت والروحانية والرهبانيات المختلفة وبما لها من تنوع فى منظومات التعليم اللاهوتى والأخلاقى والإنسانى والاجتماعى.
 
عرفت من خلال هذه الخبرة المتنوعة أن الكنائس كلها تحوى فى داخلها أكثر بكثير مما تعبر عنه، فهى فى داخلها أكبروأجمل بكثير مما يظهر عليها فى خارجها، وفى تصرفات بعض أعضائها.
 

فى هذه الرحلة بين الكنائس كيف رأيت الله؟

عرفت ان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شىء، فهو أكبر من كل الطقوس وأعظم من كل الكنائس، وأروع من كل العقائد، وأعجب من كل الأديان، وأرهب من كل التشريعات والتحديدات. فما هذه التحديدات إلا تعبيرات بشرية، تخضع لحدود ما يمكن للإنسان أن يفهمه أو يعبر عنه. فالله هو هذا السر العظيم العجيب الذى لا يمكن وصفه أو تحديده، بأى شكل ولا صورة فكل تصورات، وكل اختبارات، وكل تعبيرات البشر تظل عاجزة وناقصة أمام سره الرهيب.
 

فى تقديرك، لماذا تظن كل طائفة أن أصحابها يملكون باب الفردوس؟

أعتقد أن هذا أمر طبيعى، لأن كل طائفة تظن أن ما تعرفه وتؤمن وتعلم به هو الحق الكامل غير المنقوص، وإلا لما تمسكت به ولتركته إلى غيره مما تعتقد به الطوائف الأخرى، إن كانت صادقة مع نفسها، وإلا فهى تخدع نفسها ومن يتبعونها؛ فكيف لطائفة أن تتمسك بما لا تظنه أقل مما عند غيرها وتدعى الحق فى التمسك به طول الحياة وبمثل هذه القوة، وبما أن باب الفردوس لا يفتح إلا لمن اتبع الحق وآمن به وأطاعه، فكل طائفة مؤمنة بما تؤمن تظن أنها تملك باب الفردوس.
 

لماذا تتبادل الطوائف المسيحية الاتهامات فيما بينها بخطف الرعايا؟

أعتقد أن الاتهامات المتبادلة بخطف رعايا الطوائف الأخرى هى قائمة فعلا ومبنية على وقائع فعلية وحقيقية، فكل طائفة مؤمنة أن معها كل الحق تريد أن تهدى كل الناس إلى هذا الحق الذى تعتقده؛ وإلا فهى مقصرة فيما تظنه التبشير أو الدعوة، وهو واجب مقدس. ولكن المشكلة تتفاقم حين يكون الخطف مبنى على تشويه لسمعة واعتقاد الآخر وتشكيك فيما يؤمن به، بينما هناك طريقة أخرى من الخطف تتم عن طريق إغراء الفقراء بالمال وبالمساعدات العينية، وهذا أيضا أمر بغيض فلا يجب أن نختزل الأمور الدينية فى أمور مادية فانية مستغلين ومتاجرين باحتياجات الناس، فليس هذا من النبل فى شىء، وما يشترى بالرخيص سيذهب رخيصا بخيسا.
 

ما رأيك فيما قيل: «كاثوليك مصر وافدين من زمن الاحتلال»؟

يدعى ذلك من لم يدرس جيدا التاريخ، فلم تخل مصر أبدًا من وجود الكاثوليك منذ أن بشرها بحسب التقليد القديس مرقس، وحتى اليوم، وقد كان بعد مجمع خلقيدونيا وبعد الفتح العربى يوجد أحيانا بطريركين واحد أرثوذكسى والآخر كاثوليكى وفى فترات لاحقة قل عدد الكاثوليك فلم يكن لديهم بطريركية أو رئاسة كنسية فكان ينتدب من يقوم بخدمتهم من خارج مصر. ولم تتخل روما أبدا بحسب الوثائق الكاثوليكية عن شعبها القبطى فى مصر، وحدثت محاولات كثيرة للاتحاد بين الكاثوليك والأرثوذكس المصريين منها على سبيل المثال لا الحصر محاولة الوحدة التى تمت فى مجمع فلورنسا عام 1443 حيث وقعت وثيقة للوحدة بتاريخ 4 فبراير من نفس العام، ولكنها لم تنفذ. وكانت هناك محاولة ثانية فى سنة 1582 فى مجمع ممفيس فى مصر، ومحاولة أخرى سنة 1814، ولكن للأسف كلها باءت بالفشل. وكان قد عين البابا بندكتوس الرابع عشر 1741 الأنبا اثناسيوس مطرانا ونائبا رسوليا للأقباط الكاثوليك بمصر، وتتابع النواب الرسوليون على مصر منذ ذلك الحين. وحين جاءت الإرساليات اليسوعية والفرنسيسكانية، فى القرن الثامن عشر، كانت تستقبلها العائلات الكاثوليكية فتقيم عندها وكانت هذه العائلات من العائلات المشهورة بالإيمان القوى الراسخ وبالعلم والغنى والجاه فاستطاعت أن تصمد أمام كل التيارات المعارضة للإيمان المسيحى على مر العصور. وهكذا شجعت الإرساليات هذه المجموعات الكاثوليكية المتفرقة فى كل ربوع مصر وجمعت شملها وعملت منها رعايا وكنائس وأسقفيات إلى أن أعاد قداسة البابالاون الثالث عشر بطريركية الأقباط الكاثوليك بقراره الرسولى «المسيح الرب» الصادر فى 26 نوفمبر 1895. من هذا العرض السريع يظهر أن الأقباط الكاثوليك لم يغيبوا ولم يختفوا أبدا من مصر، وهذه شهادة للتاريخ وهناك الكثير من الوثائق وكتب التاريخ لمن يريد أن يقرأ ويعرف.
 

ما هى حكاية الأب مينا توفيق الذى كان يخدم تحت سلطتك فى المنيا؟ وهل تعترف الكنيسة بأسقفيته؟

فى الحقيقة حين بدأت خدمتى فى إيبارشية المنيا فى أبريل 2013 كان الأب مينا توفيق يخدم فيها فى الكثير من الأنشطة الاجتماعية والإنسانية والكنسية. ولما لاحظت أن الأمور يجب أن تكون فى سياق وبحسب النظم الكنيسة المتبعة، وطلبت منه الالتزام بذلك، ولكنه وجد صعوبة فى الخضوع لنظم وقوانين الكنيسة، ففضل أن يتركها ليخدم بحرية أكبر. وقدم استقالته للسينودس البطريركى الذى أعطاه مهلة لكى يراجع نفسه ويعود، ولكنه قرر أن يترك الكنيسة الكاثوليكية، فترك الكنيسة الكاثوليكية نهائيا وتزوج، وبذلك يكون فصل نفسه عن الشركة الكنيسة، وبعد ذلك سمعنا أنه انضم إلى طائفة لا نعرفها وصار فيها أسقفا. والكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بهذه الدرجة الأسقفية من قريب أو من بعيد. 
 

فى المنيا أكبر تجمع للمسيحيين فى الشرق الأوسط، لماذا ارتبطت المحافظة بالمشاحنات بين مسلمين ومسيحيين؟

أظن أن السبب هو كثرة عدد المسيحيين وقوة نشاطاتهم الدينية كما أن الفكر المتطرف الذى ارتوى لفترة طويلة من الجماعات الإسلامية قد انتشر وتأصل فى عقليات كثيرة من الشباب المغرر به والذى تبنّى بعض مظاهر العنف ضد أى مظاهر دينية،  فكثرة العدد وشدة التمسك بالدين، أو بالأحرى ببعض مظاهر الدين السطحية، لدى المسيحيين والمسلمين على السواء، تساهم فى تنامى المنازعات والمشاحنات. وأعتقد أن جوهر الإنسان المصرى والمواطن المنياوى هو أساس طيب وأصيل ولكنه يحتاج إلى عمل جاد ومتواصل فى مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل استرجاع وتأصيل هذه الروح السمحة.
 

بعد عامين من قانون بناء الكنائس كيف تقيمه على الأرض؟

أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد، وإن كان بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية لم يصدر الكثير من قرارات التقنين للكنائس القائمة بالفعل. ولم نجد حتى الآن الكثير من المشكلات فى تنفيذ القانون الجديد لبناء الكنائس الجديدة. فقط المشكلات تأتى من تقاعس الموظفين الصغار فى المحليات وفى دواوين الحكومة المختلفة بسبب الجهل أو الخوف،  أو البيروقراطية المعقدة القاتلة، ولكن العلاقات مع كبار المسؤولين فى الجهات المختلفة لا نجد فيها مشكلات.
 

كمطران كاثوليكى فى رأيك هل توقفت عجلة الإصلاح بقرارات المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى أم الكنيسة بحاجة للمزيد؟

أظن أن الكنيسة تظل دائما وأبدا فى احتياج إلى مراجعة لذاتها، وإلى تجديد مستمر، فيجب أن تكون دائما فى حالة إصغاء لما يقوله لها روح الله، لتتوافق مع ذاتها ودعوتها ورسالتها التى من أجلها وجدت
فهذا يتطلب، أولا أمانة شخصية، ووعيا حقيقيا، والتزاما كاملا، وتوبة مستمرة، وإصغاء وانفتاحا يوميا من كل شخص من الأفراد المنتمين إلى الكنيسة، بغض النظر عن مكانه فيها. فمن يصلح الكنيسة ليس فقط قياداتها، بل كل أفرادها، بطاعتهم المخلصة لما يطلبه منهم الله، وبأمانة وشفافية حياتهم.
 

ما هى مواصفات الواعظ المعاصر فى تقديرك فى عصر العلم والتكنولوجيا؟

أظن أن مواصفات الواعظ المعاصر الإلمام بكل معطيات إيمانه الحقيقى، وأن يمتلك الأدوات اللازمة لإعلانه لعالم اليوم، بالشكل والأسلوب المناسب، مستفيدا من كل وسائل التطور العلمى، والإنسانى والتكنولوجى. فلا تعارض أبدا بين الإيمان الحقيقى والعلم الحقيقى. فليس أسوأ من عقل بلا إيمان إلا إيمان بلا عقل.
ومن أساسيات هذه المواصفات هى المصداقية، أى أن يكون الواعظ حقيقيا وليس مزيفا. أى أن يقول ما يعمل ويعمل بما يقول. 
 

ضع لنا روشتة لتجديد الخطاب الدينى المسيحى؟

لتجديد الخطاب الدينى نحتاج إلى عدة عناصر: وهى تجديد الفكر الدينى والخبرة الدينية، ومعرفة حقيقة الدين فى أصوله وفروعه، علاوة على معرفة عميقة بكل الموروث الدينى الأصيل، وعدم الخلط بين النص المقدس، وتفسيراته المتنوعة والمتعددة، بحسب كل مكان وزمان، واتجاه فكرى أو مدرسة روحية أو لاهوتية، وامتلاك الأدوات اللازمة للتعبير عن صحيح الدين، القديم منها والحديث، والأمانة لهذا التعليم، مع قدرة على التفاعل مع متغيرات العصر واحتياجات إنسان اليوم، معرفة وافية لظروف واحتياج المجتمع الذى يُعاش ويُمارس فيه الدين، والقدرة على الإبداع والتطوير فى الوسائل والأدوات مع الأمانة لثوابت الدين الحقيقية، ومعرفة ما هو جوهرى وما هو عرضى فى حياة الإنسان واحتياجاته، والبعد عن الدعاية الرخيصة فى مجال الدين، فلا يخلط المقدس بالدنىء من الدنيوى، وشجاعة قول وإعلان الحق بالأسلوب وفى الوقت المناسب، وعدم الفصل بين الدين والحياة، فالدين فى خدمة الحياة، والحفاظ على القيمة العظمى والكرامة السامية التى منحها الخالق سبحانه وتعالى للإنسان، ومعرفة أن الدين هو من أجل رفعة الإنسان وإعلاء شأنه وحفظ كرامته، وبث روح الفرح والرجاء والسلام والفضيلة فى حياة الناس، وليس لتأنيبهم وهدمهم والحط من كرامتهم الأديان هى أساس منظومة القيم التى يرتقى بها الإنسان، وتُعمّر بها الأوطان، وتبنى الأسلوب المهذب حتى فى التعبير عن الاختلاف، ومراعاة الأخلاق الحميدة حتى مع الخصوم إن وجدوا، ونقيِّم بموضوعية وندع الحكم لمن بيده الحكم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة