- الكتاب يرصد ما حدث فى «إيران» وكيف تحولت إلى «التشيع».. ويتابع تأثير الصراع السنى - الشيعى على الأحداث الجارية فى القرن الـ21
ظل الدين الإسلامى واحدًا فى الجوهر والمخبر طوال حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، يسيرون على طريق واحد من الهداية، لكن بعد رحيل محمد عليه السلام، اختلفت الأمور، وظهر ما يسمى بطائفتى السنة والشيعة، وعلى الرغم من أن الطائفتين يتفقان على معظم المعتقدات والممارسات الأساسية للإسلام، إلا أن هناك اختلافات بدأت منذ اندلع سؤال: من سيخلف النبى فى قيادة الأمة الإسلامية؟
هذا الموضوع شغل الغرب حتى أن موقع «هيستورى» ألقى الضوء على هذا الإشكالية الكبرى فى التاريخ الإسلامى، منطلقا من فكرة أن هناك 85 % من حوالى 1.6 مليار مسلم فى جميع أنحاء العالم من أهل السنة، فى حين أن 15% من الشيعة، يمثلون أغلبية السكان فى إيران والعراق والبحرين وأذربيجان وتعددية فى لبنان، حيث يمثل السنة الأغلبية فى أكثر من 40 دولة أخرى من المغرب إلى إندونيسيا.
وعلى الرغم من الخلافات بينهما، فقد عاش السنة والشيعة جنبا إلى جنب فى سلام نسبى على مدار التاريخ، ولكن ابتداءً من أواخر القرن العشرين، تعمّق الانقسام وانفجر فى أعمال عنف فى أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط باعتبارها علامات تجارية متطرفة من الإسلام السنى والشيعى تتصارع من أجل التفوق الدينى والسياسى.
ومن الكتب المهمة فى هذا الشأن كتاب «ليزلى هازلتون» مؤلفة كتاب «ما بعد النبى.. القصة الملحمية للانقسام السنى - الشيعى» فرغم صدور الكتاب منذ سنوات قليلة ماضية إلا أنه لا يزال يقدم صورة واضحة للصراع، من وجهة نظر المؤلفة التى رأت أن جوهر المشكلة هو أن النبى محمد، عليه السلام، توفى دون إنجاب ولد ذكر يرثه، كما أنه لم يوضح أبداً من يريده خليفة من بعده، رغم أن الدين الإسلامى فى تلك الفترة المبكرة من الرسالة كان قد بدأ يصبح مؤثرًا فى شبه الجزيرة العربية التى شكلت الأمة الإسلامية.
وتوضح «هازلتون» أن ما حدث فى نهاية المطاف هو أن الأغلبية السنية التى «التى سميت باسم السنة» هى التى فازت فى «سقيفة بنة ساعدة»، واختاروا صديق النبى محمد الصحابى الكبير أبو بكر الصديق ليصبح أو خليفة أو زعيما فى المجتمع الإسلامى، كما أصبح «على بن أبى طالب» فى النهاية الخليفة الرابع أو الإمام، كما يسميه الشيعة وقادتهم.
بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان فى سنة 35 هجرية، اندلع ما عرف فى التاريخ الإسلامى باسم «الفتنة الكبرى» التى حولت المسلمين إلى فريقين متصارعين، الأول يقوده الإمام على وكثير من الصحابة والثانى يمثله معاوية بن أبى سفيان وبنى أمية.
وبعدما استتب الأمر لمعاوية ومن بعده ابنه يزيد بن معاوية، رفض «الحسين» حفيد النبى محمد هذا الأمر، وخرج على بنى أمية الذين تربصوا به حتى قتلوه فى موقعة كربلاء.
ليزلي
معركة كربلاء وأهميتها
ويقول كتاب «ما بعد النبى» إنه فى عام 681 ميلادية، قاد الحسين ابن على 72 من أتباعه وأفراد أسرته من مكة إلى كربلاء «العراق حاليا»، لمواجهة الخليفة يزيد الأموى، وهناك كان فى انتظارهم جيش سنى مدجج بالسلاح وفى نهاية المواجهة التى استمرت 10 أيام قُتل الحسين وقطع رأسه وجلب إلى دمشق تأكيدا لانتصار الخليفة الأموى يزيد.
وتقول «هازلتون» إنه بوفاة الحسين، تم وضع حد نهائى لمطالبات أحفاد النبى بـقيادة الأمة كمسألة تنحدر مباشرة من نسل النبى محمد عليه السلام.
ويقول الكتاب، إن استشهاد الحسين فى كربلاء هو القصة المركزية للتراث الشيعى، حتى إنها تشبه ليلة العشاء الأخير فى «الديانة المسيحية» ويتم الاحتفال به سنويًا فى يوم عاشوراء، وهو أكثر المواعيد شهرة فى التقويم الشيعى.
ولفتت «هازلتون» إلى أنه إضافة لموقعة كربلاء، هناك، أيضا، ثلاثة معالم رئيسية من شأنها أن زادت من حدة الانقسامات السنية والشيعية بحلول نهاية القرن العشرين، أولا: صعود الأسرة الصفوية فى القرن السادس عشر والتى حولت إيران «بالقوة» من مركز سنة إلى معقل شيعى فى الشرق الأوسط.
والكتاب موجه للقراء الغربيين لمعرفة القصة بعمقها ومأساتها، ولمعرفة سبب كونها فى إلهام الناس إيجاباً وسلباً، حيث إن هذه هى الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث فى الشرق الأوسط، مؤكدة أن هذه القصة لا تزال حية، رغم أنها حدثت قبل حوالى 1400 عام، مع ذلك يبدو كأنها وقعت بالأمس، وهذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
أسئلة مطروحة وإجابات ناقصة؟!
وطرحت الكاتبة العديد من الأسئلة وحاولت الغوص فى أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها ولمعرفة الحقيقة، منها سبب إصرار الإمام الحسين، على مواصلة طريقه إلى العراق، حتى بعد علمه بقمع الانتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل الأمويين، فهو لم يكن محارباً ولا رجل دولة سياسى، ولكنه كان عالماً ومعروفاً بأنه الوحيد فى ذلك الوقت الذى يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه، ومن بين الأسئلة التى طرحتها الكاتبة: ما الذى يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟ لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام فى مكة أو المدينة؟ ولماذا ذهب إلى العراق، وهو البلد الذى عانى أبوه الإمام على من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ وهل ظن الحسين أنهم حقاً تغيروا؟ هل كان يظن أن العدل يمكن أن يغلب السلطة والقوة؟ وهل كان يظن أن اثنين وسبعين مقاتلا يستطيعون التغلب على جيش يزيد؟ هل كان فاقداً للشعور بالواقع، أم مليئاً بالنبل والعدل والصواب فيما يخص هدفه؟ هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
ومن الأشياء التى علق عليها الكتاب، علاقة الإمام على المتوترة بالسيدة عائشة، فى حين ترى الكاتبىة أن الإمام على كانت علاقتة «جيدة» بالسيدة خديجة، رضى الله عنها، الزوجة الأولى للرسول «ص» لعدة اعتبارات منها أنها أم زوجته السيدة فاطمة.
غلاف الكتاب
ليلة عاشوراء موازية ليلة العشاء الأخير
وتحاول الكاتبة تقريب الصورة للقارئ الغربى المتأثر بالثقافة المسيحية، فتوصف ليلة عاشوراء بأنها موازية ليلة العشاء الأخير لدى المسيحيين، والتى شارك فيها المسيح حواريه للعشاء للمرة الأخيرة قبل موته، ووضحت مدى إخلاص وتفانى أتباع الحسين برفضهم طلبه بتركه والتستر بالليل للهروب، ومدى تسليم الحسين لقضاء الله، ثم قضاء الليلة الأخيرة بين الصلاة والتجهيز والدموع.
الكتاب لم يتوقف عن التاريخ القديم فقط، بل تعرض للأحداث الحديثة التى أزمت الأمور بين الطائفتين، خاصة أنه فى عام 1979 أنتجت الثورة الإسلامية فى إيران صراعا راديكاليا للإسلام الشيعى تصطدم بعنف مع المحافظين السنة فى بقية دول العالم السنى.
وفى خضم التسييس المتزايد للإسلام وصعود الأصوليين فى الجانبين، اشتدت التوترات الطائفية فى أوائل القرن الحادى والعشرين، لا سيما وسط الاضطرابات الناجمة عن حربى الخليج الفارسى والفوضى التى أعقبت الإطاحة بـ صدام حسين، والانتفاضات الجماهيرية فى جميع أنحاء المنطقة التى بدأت مع الربيع العربى فى عام 2011.
ومن شأن الانقسامات السنية - الشيعية إشعال حرب أهلية طويلة الأمد فى سوريا، وشن القتال فى لبنان وإيران والعراق واليمن وغيرها والعنف الإرهابى على كلا الجانبين، الخيط المشترك فى معظم هذه الصراعات هو المعركة المستمرة بين المملكة العربية السعودية السنية وإيران الشيعية، من أجل النفوذ فى الشرق الأوسط الغنى بالنفط والمناطق المحيطة بها.
ويذكر أن ليسلى هازلتون، من أصل يهودى، ولدت فى إنجلترا، ألفت أكثر من أحد عشر كتاباً، ونالت درجة البكالوريوس فى علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية، والماجستير فى نفس التخصص من الجامعة العبرية فى القدس المحتلة، وقد تخصصت فى مجال «تقاطع الدين مع السياسة».
كما عملت هازلتون كمحاضرة فى بعض الجامعات الأمريكية، منها جامعة واشنطن بسياتل وجامعة بنسلفانيا الحكومية وجامعة باسيفيك لوثرن، عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة، وبعدها ككاتبة متخصصة فى شئون الشرق الأوسط، لكثير من المواقع الأخبارية العالمية منها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة