لا تخلُ محافظات مصر وقراها دوما، من رموز حولها أهاليها إلى أيقونات للتصوف والتودد لها، وإطلاق حكايات وأساطير تحوم حول كل منها، البعض منها يكون حقيقيا والبعض الآخر لا يصدقه عقل، وهو ما يسموه بالكرامات، يتناقلوها حتى تتحول مع الوقت لمناسبات تتنتعش فيها الروحانيات وتنشر نسيج جديد من الحكايات، تزيد من مريدين هؤلاء الأشخاص فيكون مولد سيدى فلان، ومن بين هؤلاء كان "الشيخ حسن عمران الدح" أحد أولياء الله الصالحين كما يلقبه أبناء محافظة الأقصر.
الشيخ حسن الدح ولد فى 1918 بمدينة إسنا جنوبى الأقصر، وكان والده يعمل مؤذن بأحد المساجد الصوفية، وكان يعمل غفير نظامى فى الخمسينات، ضمن منظومة وزارة الداخلية، وكان يتمتع بصوت عذب ويحفظ الكثير من التواشيح والابتهالات، وكان أحد محبين الطريقة الشاذلية نسبة إلى الإمام أبوالحسن الشاذلي، وحفظ والده العديد من الأناشيد الدينية والأوراد الخاصة بالطريقة الشاذلية وبردة المديح للإمام البوصيرى الشهيرة، والتى ذاع من خلالها صيته فى كافة الساحات الدينية بالأقصر لمشاركته فى الاحتفالات بالإنشاد بالصوت المميز وكان صوته عذبا فى المديح، وذاع صيته فى ربوع وزارة الداخلية حين ذاك، حين كان ينشد بوردة البوصيرى، وكان يستمع له المساجين، ومع الوقت أصبحوا جميعا مريديه.
التصوف دوما يكون دعوة للحب والتسامح ويقف ضد أشكال التطرف وهو الصورة الناصعة البياض ضد أفكار الظلام التى تدعو إلى الكراهية والعنف، هذا كان المدخل الجهنمى للغفير النظامى، حيث وورث العارف بالله "حسن عمران الدح" الصوت العذب من والده، فيقول الشيخ محمد المنتصر نجل الشيخ حسن عمران الدح، أن والده كباقى أبناء الصعيد من عشاق منهج التصوف الجميل، وحفظ القرآن فى سن صغير وتعلم الفقة والعبادات وغيرها، وعمل برفقة والده فى مجال الزراعة، وبعدما بلغ سن الرشد عمل غفير نظامى تابع لوزارة الداخلية فى الأربعينات، وكان صوته عذب للغاية كوالده.
الشيخ حسن الدح كان يجمع رجال الشرطة والغفراء فى نهاية الوردية لينشد فيهم بردة الإمام البوصيري، بجانب تقديمه لدروس دينية مختلفة للجميع، خلال فترة خدمته فى مراكز شرطة مختلفة بأرمنت وإسنا وقنا ونجع حمادي، مؤكداً أنه كان يدخل لغرف المحبوسين والمحتجزين بالقسم من اللصوص والمجرمين ويقدم لهم العظات الدينية القصيرة للتوبة والعودة إلى الله، وكان يسمع أفراد الشرطة بالأقسام المختلفة صوت المحبوسين، وهم يبكون من تأثرهم بكلماته الجميلة وحسن سرده للوعظ والقصص الدينية، وأصبح عدد كبير منهم من أتباعه بالطريقة الأحمدية الشاذلية.
ويضيف الشيخ محمد المنتصر حسن عمران لـ"اليوم السابع"، أن والده ذاع صيته بصورة كبيرة حتى أصبح كافة قيادات الشرطة من مريديه ومحبيه، وعندما ذاع صيته بوزارة الداخلية بالقاهرة، وبدأ يتوافد عليه الجميع للحصول على بركاته، قرر ترك العمل فى الداخلية والتفرغ لمجال الدعوة إلى الله، فأقام ساحة دينية فى مدينة إسنا، وجمع حوله المحبين والمريدين من كافة طبقات المجتمع، وكان يعلمهم الأخلاق المحمدية والتصوف الجميل بلذات الطاعة فيه، مشدداً على أن والده كان دائماً ما يتخذ الخلوة مع الله منهج له فى عمله، فكان يكثر من الصلاة والدعاء والعبادة، ورافقه عدد من تلاميذه الذين تدارسوا على يده وشهدوا له بالكرامات، وكان يقسم الأوراد على مرافقيه فمرة يطلب من تلاميذه الذكر والصلاة على الرسول وقراءة القرآن، بعدد تخطى الخمسة آلاف مرة لكل طالب علم، حتى يصل بهم لطريق الحب إلى الله من خلال ذكره، وفى الستينات وصلت شهرته لخارج مدينة إسنا بصورة كبيرة، ووصل إلى محافظة قنا بقرية السمطا، لنشر منهجه فى الدعوة إلى الله وبعدها تزوج زيجته الثانية وأنجب ثلاث بنات وولد فى السبعينات، وانتقل بعدها للرفيق الأعلى بعد أن وافته المنية أواخر أبريل عام 1976.
بالتوازى مع ظهور الشيخ حسن الدح، كان مزار سيدى عبد الرحيم القنائى يعج بالناس، وكان يحيى الليالى الصوفية والدينية فى مولد سيدى عبد الرحيم القنائى والإمام أبو الحجاج الأقصري، والتقى بالشيخ أحمد رضوان وأثنى على عذوبة صوته الشجى فى الإنشاد المميز الذى يأسر قلوب الجميع، ولتسامحه ومحبته فى التوصية بحسن معاملة الأخوة الأقباط فى قنا والأقصر، تبرعت سيدة قبطية من محافظة قنا بقطعة أرض تملكها لإقامة مسجد وساحة صوفية بحوار مسجد سيدى عبد الرحيم القنائى للتأكيد على قيم المحبة والتسامح بين المسلمين والأقباط بجنوب الصعيد منذ القدم.
ويقول عمر فخرى مفتش الآثار الإسلامية والقبطية بمدينة إسنا، أن الشيخ حسن عمران الدح ولد يوم الخميس 18 أبريل عام 1918 بمدينة إسنا، حيث التحق بالكٌتاب وتربى فى جو قرآنى صوفى مابين الكٌتاب ووالده، وأن والده هو الشيخ عمران أحمد الدح من حفظة كتاب الله، إلى جانب عائلته آل الدح حيث يكثر فيهم حفظة القرآن الكريم، أما عن الجو الصوفى فوالده ووالدته وأخواله رحمهم الله كانوا من رواد الطريقة الأحمدية الإدريسية الشاذلية، وشيخهم سيدى محمد أحمد الدندراوى.
ويضيف عمر فخرى لـ"اليوم السابع"، أن المنطقة التى نشأ فيها الشيخ حسن عمران الدح فى طفولته وصباه، كان بها رجل من أكابر المتصوفة، وكانت مجالسه تزدحم بالذاكرين الصفوة، وذات يوم صادف هذا الولى الشيخ حسن عندما كان فى السابعة من العمر، فقال ابن من هذا؟ فقيل له أنه ابن الشيخ عمران الدح، فبشر الحضور بأن هذا الولد من أهل الصلاح وسيكون له شأن عظيم، وهذا الولى هو سيدى محمد النوبى الهوارى الذى توفى عام 1942، وله مشهد ومقام يزار غربى إسنا.
وأوضح مفتش الآثار الإسلامية والقبطية، أن الشيخ حسن الدح منذ طفولته كان يشارك والده فى أعمال الزراعة، ثم التحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية وبعد قضاء مدة الخدمة 5 سنوات، طٌلب منه أن يختار مابين وظيفة فى وزارة الأوقاف حيث يعمل والده مقيما للشعائر، وبين وزارة الداخلية ليعمل كـ"خفير نظامي"، فاستخار الله عز وجل واختار الثانية فكان منتظماً فى عمله محبوبا لدى زملائه ورؤسائه، وكان وسيم أبيض اللون مشرباً بحمرة وكان معتدل القامة قوى البنيان، وشهد له الجميع بأنه طيب القلب سليم الصدر، وقام الشيخ حسن الدح برفقة والدته رحمها الله بزيارة بيت الله الحرام عام 1953 وهو ابن الـ35 عاماً، وعند العودة ذاع صيته وتوافد نحوه المريدون من مدينة إسنا والقرى التابعة لها، وكان الأحباب يلتقون به فى مجلس بعد صلاة الجمعة بجوار مسجد الزاوية البيضاء بوسط مدينة إسنا، وفى كل قرية مجلس خاص بأبناء القرية من الأحباب ولما ازدادت الوفود والأحباب قام الشيخ حسن الدح بإنشاء أولى ساحاته بساحل القرايا جنوب إسنا، فأسس الساحة والمسجد على نهر النيل عام 1958 وهو ابن الأربعين عاماً.
قصة-العارف-بالله-حسن-عمران-الدح-الغفير-النظامي-الذي-كان-ينشد-لرجال-الشرطة-ويعظ-المجرمين-(9)
قصة-العارف-بالله-حسن-عمران-الدح-الغفير-النظامي-الذي-كان-ينشد-لرجال-الشرطة-ويعظ-المجرمين-(10)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة