إبراهيم عاطف يكتب أنسنة الموت فى رواية" طريق الحلفا" لـ أحمد إبراهيم الشريف

الثلاثاء، 30 يوليو 2019 05:00 م
إبراهيم عاطف يكتب أنسنة الموت فى رواية" طريق الحلفا" لـ أحمد إبراهيم الشريف طريق الحلفا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دائمًا ما يشعرالإنسان بالخجل أمام الكتابة السردية الجميلة متقنة الصنع، قد يكون السبب أن الجمال كما نعرف له جلال وطبيعه خاصة قد تبدو مخيفة فى بعض الأحيان، والشىء الجميل هذا الذى يشعر أمامه القارئ بالخطر، هو غاية الفن فى طرح التساؤل على الإنسان ودعوته لرحلة البحث عن الإجابات، وتأتى رواية طريق الحلفا للروائى أحمد إبراهيم الشريف، لتشعرك فعلًا بأن الجمال دائمًا ما يكون مخيفا، فالرواية تدور فى عوالم الموت وسردايب الحياة فى العالم الآخر.
 
 تقدم الرواية الحياة عبر طريق الحلفا، وهو طريق الموت الذى يمارس دوره فى خفة، وكأن الموت هنا تحول من فعل ضد للحياة إلى فعل من أفعال الحياة، وأصبح الموت جزءا من الحياة، ويحضر الموضوع داخل الراوية عبر حدث عنيف هو الثأر بين عائلتين فى صعيد مصر يدور بينهما صراع دموى عنيف يصبح فيه الموت مجانيًا ومشاعيًا، فهو يرسم مصائر الشخصيات داخل العائلتين ويبدأ الصراع وينتهى دائما عبر طريق الحلفا، والحلفا ذلك النبات الصحراوى الذى يرمز لحضور الموت ودلالته.
أحمد إبراهيم الشريف وطريق الحلقا
 
يحضر الموت داخل النص عبر رمزيات ومرجعيات ثقافية متعددة ذات خصوصية محلية ثقافيًا ومعرفيًا، يأخذ النص القارئ عبر مرجعياته الثقافية فى رحلة معرفية عبر دال الموت داخل الثقافة العربية وعبر استلهام التراث، ويسيطر الراوى العليم على السرد داخل النص وذلك عبر وصف الشخصيات والأماكن، وأن كان فى بعض المقاطع يجرى حوارعلى لسان بعض الشخصيات ألا أنه حوار مراقب من جانب السارد. 
 
وتأتى الحركة داخل فضاء النص حركة دالة على مفاهيم القيمة الأخلاقية والمعرفية التى تكتسبها الأماكن فبعض الأماكن داخل النص أماكن فاضلة تدل على النعيم والبعض ملعونة تدل على الجحيم والطرد من النعيم، والحركة داخل الفضاء الجغرافى للنص دائمًا هى حركة على سلم القيم الدينية والأخلاقية لمجتمع الصعيد المحافظ تعبيرا عن ثقافته وتراثه. والزمن ياتى داخل النص على هيئة استرجاع دائم للماضى الذى يحضر داخل النص ويشكل مصير الشخصيات.
 
وذلك فى أربعة أعمار عاشها بطل الرواية "فاضل حامد"، وهو يتيم كان يعيش فى شقة فى أحد ضواحى القاهرة البعيدة، لكنه عندما يكتشف مرضه بالسرطان يعود إلى الصعيد، ويموت هناك، وينتهى عمره الأول فى العشرينات من عمره مصابا بالسرطان، ليبدأ رحلة بعد موته تستغرق ثلاثة أعمار أخرى فى العالم الآخر بعد الموت.
 
وجاء موت "فاضل" داخل النص رمزا لحياة الغربة التى عاشها وحيدًا منعزلا عن أهله فى صعيد مصر، وجاء موته موتا فرديا وليس نتيجة الاشتراك فى دائرة الثار، وكأن موته استكمال منطقى لنمط الحياة الفردية التى عاشها بعيدًا عن قريته.
 
ابراهيم عاطف
 
حكاية فاضل تحضر فى العمر الأول وعنوانه (سكك مفروشة بالدم) ومرجعية العمر الأول من الحكاية هو أجزاء من العديد الصعيدى الذى يدور حول الموت وتأثيره على حياة الناس فى مجتمع الجنوب.
 
 وينتقل العمر الثانى من الحكاية من خلال الإشارة المختصرة للمفتتحات من كتاب الموتى، وإذا كان للحضارة المصرية القديمة إسهام عظيم فى تاريخ الإنسانية، فإن هذا الاسهام يتجلى بوضوح فى قدرة الإنسان المصرى القديم والحديث على حد سواء على المحاولة العبقرية فى"أنسنة الموت"، وتحويله إلى جزء من متوالية الحياة اليومية، وترويض الموت وتحويله إلى كائن اليف مُسْتَأنِس حاضر فى بنية الحياة اليومية عبر الأساطير والطقوس والحكايات. 
وعبر سلسلة طويلة من العادات المحلية التى لها طابع ثقافى خاص فى التعامل مع الموت، وهذا التصور للموت فى الجنوب، هو نوع من الدفاع الواقعى والملموس عن وجهة النظر التى ترى الموت امتدادا للحياة بعد الموت (وكأنه استمرار لعقيدة البعث والخلود المصرية الأصل) التى ترفض وجهة النظر الأخرى التى ترى الموت فناء شاملا للجسد، ولا وجود لما يسمى الروح. وكتاب الموتى المصرى ينتصر لوجهة النظر تلك، حيث إنه يصور رحلة الروح بعد الموت بحثًا عن الخلود، وأن هناك اتصالا بين الموتى والأحياء لا ينقطع. 
 
والعمر الثالث داخل الرواية يأتى فى عناوين فرعية تحمل أسماء السراديب السبعة، وهى سرداب الصمت وسرداب الشهوة وسرداب الجنون وسرداب النعيم وسرداب البحر وسرداب الوهم وسرداب العودة، ولعل القارئ يتساءل لما هى سبعة سراديب للحياة الجديدة فى عالم الظلام؟
 
وبالعودة إلى عقائد المصريين فى البعث والخلود، تكشف تصور الموت على شكل عالم مظلم تحت الأرض، يذهب إليه الميت من خلال مدخل ما فى الجبال الغربية، حيث الشمس التى تغرب أو تموت كل يوم. ويقول سيد محمود القمنى فى دراسته حول أوزيريس وعقيدة الخلود فى مصر القديمة، بأن هذا التصور للخلود كان شائعا فى عقائد بلاد حوض المتوسط عمومًا فشعوب العالم القديم كانوا يتصورون أن الموتى يعيشون فى مكان مقبض تحت الأرض،ملىء بالظلام والتراب،يذهب إليه الناس جميعًا، لا فرق بين صالح ومجرم. 
طريق الحلفا
 
وكما أن السردايب السبعة داخل الرواية تؤكد أن القدماء أيضاء كانوا قد رسموا صورة للعالم الآخر فى خيالهم تحيط به أسوار سبع، لكل سور منها باب واحد، يؤكد سيد القمنى على أن هذا اللون من التفكير قد ساد العالم القديم فالتوراة لم تشر إلى الجنة والنار أى الحساب والثواب والعقاب إلا متاخرًا حوالى القرن الثامن قبل الميلاد، أما قبل ذلك فهناك شيول أو أرض الظلام.
والرواية فى متابعة فكرة الخلود فى حضارات العالم القديم تنتقل بنا إلى التراث الإسلامى حيث يورد مفتتحات العمر الثالث من كتاب (التوهم) للحارث المحاسبى ويأتى كتاب التوهم فى فاتحة ورحلة وخاتمة، وتؤكد الرواية على مفهوم الرحلة داخل كتاب التوهم، والرحلة التى تبدأ بوصف ملك الموت وسؤال الملكين والحديث عن أحوال القبر والحشر وتنتهى بوصف الجنة، ويمارس المحاسبى فى كتابه القصير كتاب التوهم حيلة خطابية، وهى التحدث إلى المتلقى بعبارة "توهم نفسك" وهى سمة أسلوبية متكررة داخل كتاب التوهم وهى دعوة للقارئ للغوص فى الذات والبحث عن إجابات لسؤال الموت.
 ويأتى العمر الرابع المعنون (ذاكرة تغطيها الحلفا) وتدخل الشخصيات فى حالة من الاعتراف حول الماضى أقرب ما يكون لحالة من المونولوج الذاتى، ويظل "فاضل" فى حالة من الاسترجاع لماضى العائلة أثناء رحلته فى عالم مخيف هو عالم السراديب الخلفية، وكأنه رحلة فاضل بحثًا عن الضوء والمعرفة والنور هى رحلة الإنسان النفسية والمعرفية بحثا عن الخلاص عبر طرح الإنسان لسؤال الموت، ورحلة البحث عن الخلاص المعرفى عبر السرد والحكى. 
إبراهيم عاطف (باحث حاصل على ماجستير النقد الأدبى الحديث فى السرد الروائى)
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة