أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم حسين

الإخوان والجنس.. الشيطان فى جسد البنّا وسُلالته (3)

الأربعاء، 10 يوليو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى فضيحة اغتصاب طارق رمضان لعدد من النساء فى باريس وجنيف، بحسب ما أكد الفيلم الوثائقى «شيطان فى جسد» الذى بثّه التليفزيون الفرنسى مؤخّرًا، كانت الوقائع واضحةً ولا يُمكن الهروب منها، والوضوح نفسه لم يغب عن فضيحة عبدالحكيم عابدين فى أربعينيات القرن الماضى، لكن كان الفارق بين الموقفين واسعًا، بقدر المساحة الشاسعة بين القضاء الفرنسى وحسن البنا، فأدان الأول «رمضان»، وضمن الثانى هروب «عابدين» من جريمته! 
 
إدانة «عابدين» فى وقائع زيارة المنازل ومُرافقة الأخوات، وثّقتها شهادات أخرى عديدة، منها كتاب الكادر التنظيمى محمود عبد الحليم «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ»، الذى أورد فيه حكاية صداقة عبدالحكيم عابدين لأحد شباب الإخوان، وإقامة علاقة سرّية مع شقيقته، واستقالة الشاب من الجماعة وإعلان براءته منها لحين بتر القيادى المُنحرف. لكن الطلب لم يجد صدىً لدى حسن البنا، فظلّ صهره فى موقعه، وغادر العضو الصغير غير مأسوفٍ عليه. وإلى جانب تلك الواقعة هناك شهادات عن اعتراف «البنا» بتلقّيه شكاوى شخصية من أعضاء وعضوات ضد زوج أخته، ويقينه من إدانته، ومطالبته بتمرير الأمر مع وعد بفصله بعد هدوء الضجّة. وهى الاعترافات التى قالها فى حضور أعضاء لجنة التحقيق وغيرهم من رموز الجماعة ووجوهها البارزة.
 
واجه «البنا» بسبب موقفه المائع رفضًا شرسًا من وكيل الجماعة، أحمد السكرى، وبين الميوعة والرفض اضطُرَّ لتشكيل لجنة تحقيق ثانية، فى محاولة للالتفاف على القرار السابق، والتماس أيّة ثغرة لتبرئة «عابدين». ضمّت اللجنة الجديدة: إبراهيم حسن، وخالد محمد، وأعضاء من خارج الجماعة، لكنها توصَّلت أيضًا إلى نتائج مُطابقة لتقرير اللجنة الأولى، وأدانت عبد الحكيم عابدين، فما كان من حسن البنا إلا أن تجاهل القرارات وأغلق الملفّ، وهدّد الجميع بعرض الأمر على اللجنة التأسيسية. كان التهديد خطوةً عنتريَّة النزعة، أقرب إلى التلويح بهدم المعبد على رؤوس الجميع، أو ربّما اعتبرها الرجل تصعيدًا كافيًا لتخفيض حرارة الخصوم؛ حتى يختلس وقتًا يسمح له بالتأجيل والتسويف وإغلاق القضية برُمّتها، بعد تصفية زعمائها ومن يأخذون موقفًا مُتشدِّدًا بشأنها.
 
استمر «السكّرى» فى معارضته لموقف «البنا» وميوعته الأخلاقية والإدارية، فكتب مقالاً فى الأهرام عن الفضيحة وتفاصيلها وموقف المرشد العام، فما كان من الأخير إلا أن أرسل له رسالة حادّة، لوّح فيها بتحريض الصفّ عليه والإيعاز لهم بتأديبه، وهدّد بقتله بنفسه إذا لم يتوقّف عن إثارة الموضوع، ومع تعقُّد الفضيحة وصدمة العلاقة التاريخية بين الصديقين، إلى حدّ انتهائها بسبب انفلات الصهر وسُعاره الجنسى، استقال «السكرى» من الجماعة، فأصدر حسن البنا بيانًا مُصطنَعًا يتّهم صديقه القديم بالتورّط فى علاقات مشبوهة مع حزب الوفد، فى وقت كان «البنا» نفسه مُتورّطًا حتى أذنيه مع القصر، ومع يوسف رشاد، طبيب الملك ومؤسّس «الحرس الحديدى» الذى تولّى تأديب خصوم فاروق أو تصفيتهم، إلى حدّ أنه صاغ بنفسه «مانشيت» أحد أعداد مجلة الإخوان المسلمين بعبارة «الله مع الملك»، ردًّا على عنوان «الشعب مع الوفد» الذى نشرته صحيفة الحزب بعد فوزه فى الانتخابات.
 
النتيجة النهائية التى وصلت إليها الأمور بعد مراوغات «البنا» والتفافه المُتكرِّر وتهديده لـ«السكرى» وغيره من الخصوم، أن خطّته لإغلاق الملفّ والتستُّر على الفضيحة الأخلاقية لصهره حقَّقت غايتها، وظلَّ «عابدين» سكرتيرًا عامًا للجماعة حتى قرار حلّها بعد اغتيال النقراشى فى 1948، فخرج من مصر للحج فى 1954، وخلال وجوده خارج البلاد وقعت محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، فظلّ بالخارج حتى 1975، ليعود من غُربته الاختيارية ويعمل مع المرشد عمر التلمسانى، ويُعامل باعتباره قائدًا ورمزًا فى أروقة الإخوان، حتى وفاته وتشييعه باحتفاء شديد فى 1977، كقطب تنظيمى وروحى، رغم انتهاكه لأعراض الأخوات وظُلمه للمؤسِّس أحمد السكرى.
 
بشكلٍ أو آخر، سمح حسن البنا لصهره بالسطو على شرف أعضاء الجماعة، وحديثًا استغلَّ حفيده وجاهة الخطاب الدينى، ومركزية وتشعُّب أطراف الإخوان، فى استجلاب الضحايا وقمعهنّ. مارس «عابدين» الأمر مع عشرات الأخوات ونجا بأفعاله بفضل تواطؤ «البنا»، ومارسه «رمضان» مع أكثر من أربع سيدات تردَّدت قضاياهن بين فرنسا وبريطانيا وسويسرا، ويُمكن تخيّل أن شخصًا بتلك الغطرسة كرّر ممارساته الإجرامية بكثافة فى سويسرا التى يقيم بها، أو فى لندن التى يتردّد عليها كثيرًا، باعتبارها معقل التنظيم الدولى، وبحُكم عمله أستاذًا زائرًا فى جامعة أوكسفورد ومُحاضِرًا فى كامبريدج.
 
تأسَّست الإخوان على دعائم خطاب مركزى مُغلق ومُتغطرس، استحلَّت من خلاله الدماء والأعراض، يتساوى دم الإخوانى سيد فايز، الذى قتلوه بعُلبة حلوى مُفخَّخة فى المولد النبوى، ضمن حلقات صراع داخلى، مع دماء غير الإخوان، من السياسيّين والمُفكّرين والأمنيّين والقضاة وعوام المواطنين، وتتساوى فيه أعراض الأخوات ونساء الجماعة التى انتهكها صهر البنا، مع هند عيارى وغيرها ممن انتهكهنّ حفيده. يمكن القول إن السياقات مُندمجة تقريبًا، إلى درجة عدم القدرة على فصل القُوادة عن الإرهاب!
 
الشاهد فى القصَّتين، قصّة عابدين وفضائح رمضان، وبعيدًا عن المسار القانونى فى الحالتين، أن البُعد الدينى كان غطاءً مُباشرًا لمُمارسات جنسيّة مُنحرفة وعدائيّة، وهذا الأمر يبدو مُنطلَقًا ثابتًا لدى أغلب التيارات الدينية المقتحمة لساحة السياسة، إذ تُوظِّف الخطاب العقائدى وما يُنتجه من قوةٍ وهيمنة، فى كسر وتسخير وإخضاع المُناوئين، أو حتى التابعين والواقعين فى دوائره وعلى خطوط التّماس معه. بمعنى استغلال المراكز المعنوية والروحية التى يوفِّرها الخطاب، بغرض الحصول على منافع شخصية، قد تبدأ بالمال وتصل إلى الجنس. وهو ما يُلخّص حجم التردّى والسقوط والتفسُّخ الأخلاقى للإخوان. الجماعة التى تُخاصم الدين، وتُخاصمها الدنيا، ويسكن الشيطان أجساد قادتها وسُلالاتهم، كما قال الفيلم الفرنسى، وأثبتت الوقائع الفاضحة!








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة