لم تكن مهمة مكافحة الفساد والمفسدين فى مصر، أمرا يسيرا على الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحته والوقاية منه، خاصة مع استفحاله فى كافة المجالات والقطاعات على مدار أكثر من 30 عاما، لكن رغم ذلك تمكنت مصر من نقل خبرتها فى هذا المجال إلى الدول الأفريقية.
وشهد منتصف الشهر الجارى، استضافت مصر المنتدى الأفريقى الأول لمكافحة الفساد فى الدول الأفريقية، والذى تم خلاله نقل التجربة المصرية فى مجال مكافحة الفساد إلى أكثر من 51 دولة أفريقية و4 دول عربية، كضيوف شرف بالمنتدى، حيث تم عرض خلاله المراحل والإجراءات التى اتخذتها مصر على مدار الخمس سنوات الماضية، للقضاء على جرائم ذوى الياقات البيضاء، والوصول إلى نسبة 0% من الفساد.
وتعد جرائم ذوى الياقات البيضاء هى الجرائم غير العنيفة والمرتكبة لدوافع مالية من قبل رجال الأعمال وأصحاب النفوذ من الموظفين، وبالنظر إلى ما كانت عليه مصر قبل عام 2014، فقد سادت حالة من الفوضى فى مكافحتها للفساد، وعدم وجود أى تنسيق فيما بينها، وبالتالى عدم تحقيق الأهداف المنشودة من مواجهة الفساد بكافة صوره وأشكاله، لكن مع بداية عام 2014 تم إطلاق المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتى استمرت حتى 2018، لتنطلق المرحلة الثانية من الاستراتيجية لعام 2019 - 2022.
وجاء ذلك اتساقا مع ما أقرته المادة (218) بأن "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك. وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والاجهزة المعنية، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
وبإطلاق المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، تم لأول مرة إيجاد آلية لتنسيق بين الأجهزة والجهات التى تقوم بمكافحة الفساد فى مصر والممثلة فى النيابة العامة، هيئة الرقابة الإدارية، ووزارات الداخلية والعدل والخارجية، والجهاز المركزى للمحاسبات، ووحدة مكافحة غسل الأموال، وجهاز الكسب غير المشروع، والبنك المركزى، والهيئة العامة للرقابة المالية، من خلال إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، والتى يتم من خلالها تبادل المعلومات بين ممثلى تلك الجهات، ونقل الخبرات وتطوير الخطط الاستراتيجية الخاصة بمكافحة الفساد وطرق الوقاية منه.
وتمثلت الأسباب الرئيسية التى استندت إليها مصر فى مكافحتها للفساد، ونقل هذة التجربة إلى الدول الأفريقية، فى توافر الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وإصدار مجموعة من القوانين واللوائح التى من شأنها مواجهته، وتمكين الجهات الرقابية والقضائية من القيام بدورها والتنسيق فيما بينها، وإصلاح مستوى وأداء الجهاز الحكومى بتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وعقد دورات تدريبية لموظفى الجهاز الإدارى بالدولة لتعزيز قيم النزاهة لديهم، وتشجيع دور منظمات المجتمع المدنى على محاربة الفساد، وتعزيز التعاون الإقليمى والدولى فى مجال التصدى لهذه الظاهرة من خلال الدخول فى اتفاقيات، استرداد الأموال المهربة من مصر الى الخارج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة