إشادة واسعة بالحكم الصادر لأول مرة فى تاريخ المحاكم المصرية بالخلع بين زوجين أجانب، الصادر من الدائرة 12 أسرة بمحكمة القاهرة الجديدة، بخلع السيدة «ف.ش»، أمريكية الجنسية من «أ. ف .ح» ليبى الجنسية، وذلك استنادًا للقانون الدولى الخاص ولنص المادة 13 والمادة 22 من القانون المدنى وليس قانون الأحوال الشخصية، والذى تم التصديق عليه واعتماده من النيابة العامة للخارجية المصرية كونه أول حكم فى مصر صادر بين طرفى أجانب.
الحيثيات: محاكم الجمهورية تمثل المدعية طالما تقيم بالبلاد
المحكمة فى حيثيات الحكم المُقيدة برقم 46 لسنة 2019 أسرة القاهرة الجديدة الدائرة 12 صدر لصالح عبد الحميد رحيم المحامى برئاسة المستشار محمد فرج، أوضحت أن قواعد الاختصاص وجميع المسائل المتعلقة بالإجراءات يسرى عليها القانون المصرى وحده بحسبانه قانون البلد الذى أقيمت به الدعوى عملاَ بنص المادة رقم 22 من القانون المدنى، وحيث إنه عن الاختصاص القضائى الدولى فلما كان من الثابت للمحكمة أن المدعية أجنبية الجنسية «أمريكية» ولها محل إقامة بالبلاد فإن محاكم الجمهورية وتمثلها المحكمة الراهنة تختص بنظر الدعوى الماثلة عملاَ بنص المادة 29 من قانون المرافعات المصرى.
ووفقا لـ«المحكمة» - فإنه من حيث القانون الواجب التطبيق فلما كانت المادة 14 من القانون المدنى المصرى تنص على أن فى الأحوال المنصوص عليها فى المادتين السابقتين إذا كان أحد الزوجين مصرياً وقت انعقاد الزواج، يسرى القانون المصرى وحده، فيما عدا شرط الأهلية للزواج، وعلى ما جرى به نص المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000 والخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية أنه: «للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه».
حملة «أريد حلاَ» تثنى على الحكم
وفى هذا الشأن خرجت التصريحات من خبراء القانون واحدًا تلو الأخر ليؤكد أن بذلك الحكم نكون من أوائل الدول التى تفصل بين الأجانب فى قوانين الأحوال الشخصية على أراضيها حيث أكد الخبير القانونى والمحامى محسن السبع، المستشار القانونى لحملة «أريد حلاً» أن هذا الحكم يحتاج إلى أن ندقق فى أسبابه ونمحص فى أسانيده لأنه ليس مجرد حكم فريد من نوعه داخل أروقة المحاكم المصرية وهى الأقدم والأعرق فى المنطقة، ولكن أن استقر هذا الحكم سيعتبر سابقة قضائية خطيرة ترسى مبدأ قانونيا ستتحول مع التكرار والوقت إلى قاعدة قانونية ستجعل من مصر مركزا لدعاوى التطليق والمخالعة فى المنطقة والعالم.
وبالاطلاع علي قواعد الإسناد – بحسب «السبع» فى تصريح لـ«اليوم السابع» - فى القانون المصرى لمسائل الأحوال الشخصية نجدها نص عليها المشرع المصرى في المواد 12/1،12/2،13/2 عندما نص علي التى: «مادة 12 - يرجع في الشروط الموضوعية لصحة الزواج إلى قانون كل من الزوجين، ومادة 13 - ( 1 ) يسرى قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على آثار التى يرقبها عقد الزواج ، بما فى ذلك من أثر بالنسبة إلى المال، (2) أما الطلاق فيسرى عليه قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت الطلاق، ويسرى على التطليق والانفصال قانون الدولة التي ينتمي إليها االزوج وقت الدعوى، مادة 14 - في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا كان أحد الزوجين مصريا وقت انعقاد الزواج، يسرى القانون المصري وحده، فيما عدا شرط الأهلية للزواج» .
فاذا كانت الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون المدني قد جعلت قانون دولة الزوج هو القانون الواجب التطبيق في دعاوي التطليق والانفصال فإن هذا الاسناد إذا لم يتحقق أو كان صعب التطبيق جاءت المادة 20 من القانون المدني لتضع اسنادا تخييريا اخر عندما نصت على: «مادة 20 - العقود ما بين الأحياء تخضع فى شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضا أن تخضع للقانون الذي يسرى على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك» - الكلام لـ«السبع».
الحكم سيظل فريدا ومرجعا هاما بين المتنازعين
هذا ولما كان كلا من الزوجة «المدعية» والزوج «المدعي عليه» قد اتخذا من مصر موطنا مشتركا لها فإن قانون الأحوال الشخصية المصري يكون واجب التطبيق ويختص القضاء المصري بالفصل في هذه الدعوي، مما يجعل هذا الحكم صحيحيا خاليا من اي عوار قانوني قد يداعب خواطر بعد القانونيين، وفي هذا الصدد نشيد ونقدر الدائرة الموقرة التي أصدرت هذا الحكم ونؤكد أنه سيظل حكما فريدا ومرجعا هاما للعديد من الأحكام التي ستصدر في ذات المنازعات المماثلة.
فيما أكد الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى أن التشريع يعتبر مظهرا من مظاهر السيادة، ولذلك فالأصل هو أن كل دولة تصدر تشريعاتها ليعمل بها في نطاق سيادتها، ومحل هذه السيادة مزدوج، فهو يمتد إلى رقعة ترابية معينة تؤلف «التراب الوطني» وإلى مجموعة من الناس تربطهم بالدولة رابطة سياسية قانونية تعرف بـ«الجنسية» ويطلق عليهم اسم «المواطنين».
ويُضيف «البوادى» فى تصريحات خاصة - إلا أنه نظرا لتطور العلاقات الدولية والتقدم العلمي، وسهولة المواصلات، في إطار هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة، فإنه ترتب على ذلك – بالنسبة لكل دولة- أن بعض رعاياها يصبحون خارج نطاق سلطتها الإقليمية لانتقالهم للإقامة في دول أخرى لسبب أو لآخر، ومقابل ذلك تحل فوق ترابها مجموعة من مواطني دولة أخرى يخرجون عن نطاق السلطة الإقليمية لهذه الأخيرة.
إشكاليات قانونية تتجاوز نطاق الدولة الواحدة
وهو ما يترتب عليه ظهور إشكاليات قانونية تتجاوز نطاق الدولة الواحدة خاصة في العلاقات التي تجمع بين أطراف من جنسيات مختلفة كما في الزواج المختلط، أو عندما يعرض نزاع بين مواطني دولة أمام قضاء دولة أخرى يقيمون فيها، ثم يطلبون - أو أحدهم فقط- تنفيذ ذلك الحكم الأجنبي أو ترتيب آثاره في الدولة التي ينتمي إليها أصلا أي التي يحمل جنسيتها، حيث يزداد الأمر تعقيدا وأهمية كذلك في المسائل المرتبطــــــة بالأسـرة، ذلك لأن المبدأ هو أن قانون جنسية الشخص يتبعه فيما يتعلق بالأحوال الشخصية حيثما حل وارتحل – هكذا يقول «البوادى».
وهنا تتجلي أهمية التعاون القضائي الدولي في الوقت الراهن، حيث أصبح يعتبر من أهم آليات التعاون بين الدول، وأصبحت العناية تعطى بشكل أكبر للإطار القانوني الذي يؤطر هذا التعاون ويحدد قواعده وينظم موضوعه، وما يتم من اتفاقيات دولية لإعطاء الحجية للأحكام الأجنبية.
الحكم ذي آثر وحجية يصح الاعتداد بها
فالأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها قانون الدولة المراد تنفيذه علي ارضها والاعتدادبه لإنهاء العلاقة الزوجية وبشرط المعاملة بالمثل، وبعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية، وعليه فاذا كانت دولة الزوجة لاتعترف بالخلع سبيلا لإنهاء العلاقة الزوجية فلا يصح الاجتجاج بالحكم هذا بدولة الزوجة، وكذلك الحال بدولة الزوج، ولهذا نري أن هذا الحكم ذي آثر وحجية يصح الاعتداد بها وفعال في اطار سيادة الدولة التي اصدرته.
الأجانب يلجأون للقضاء المصرى لإنصافهم حين لا تنصفهم قوانين بلادهم
وعن تلك الإشكالية، يقول عبد الحميد رحيم، المحامى الذى صدر الحكم لصالحه، أن اللافت للنظر فى هذه القضية أنها جاءت بين زوجين أجانب الزوجة أمريكية بينما الزوج ليبى الجنسية، وقسيمة الزواج أجنبية، ما كشف معه وجود ثغرة للمشرع المصرى لابد من تفاديها فى التشريع الجديد لقانون الأحوال الشخصية، كما كشف عن أن الأجانب يلجأون للقضاء المصرى لإنصافهم حين لا تنصفهم قوانين بلادهم.
ومن المعلوم – وفقا لـ«رحيم» فى تصريحات خاصة - أن قانون الأحوال الشخصية نظم الخلع بين الزوجان المصريين وبين الزوجة المصرية والأجنبى والزوج المصرى والأجنبية ولم يتطرق إطلاقا للزوجة والزوج الأجنبيين المنعقد زواجهم فى بلد أجنبى المقيمين اقامة عابرة فى القطر المصرى، هذا وقد استندت فى دعواى على المادة 13 من القانون المدنى وليس قانون الأحوال الشخصية حيث آثار الدعوى بتنازع القوانين الدولية باعتبار أن المسألة المعروضة أمام القضاء تتنازع فيها القوانيين.
هذا وقد لجأت للقانون الأصل الواجب التطبيق فى حالة تنازع القوانين وهو القانون المدنى المصرى ومستند لمعنى كلمة الموطن وتحديد مفهومه طبقا لنصوص المواد 40 و 42 43 من القانون المدنى وبجلسة 30/4/2019 حكمت المحكمة بخلع السيدة «ف.ش» أمريكية الجنسية من «أ. ف. ح» ليبى الجنسية ليكون هو الحكم الأول من نوعه فى المحاكم المصرية.
آثر المادة 13 و 22 من القانون المدنى
وطبقا لنص المادة 22 من القانون المدنى التى تنص على يسرى على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة باجراءات قانون البلد الذى تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات، فالقاعدة العامة بالنسبة للأشخاص الأجنبية هى أن قواعد الإختصاص تخضع لقانون بلد القاضي، ومستنداَ لحكم نقض من الأحكام النادرة بأن جميع المسائل الخاصة بإجراءات التطليق والإنفصال خاضعة للقانون المصرى إذا هو أقيمت فيه الدعوى وبوشرت فيه الإجراءات وفقا لنص المادة 22 من القانون المدنى، مستغلا حكم النقض بأنه لم يحدد مصريين من أجانب فى هذا الحكم وبالتالى ينطبق على الجميع – الكلام لـ«رحيم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة