محمد الدسوقى رشدى

نسور لقمان والنخبة المصرية

الخميس، 23 مايو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أوراق الأثر العربية الكثير من الحكايات بعضها أسطورة تمت صياغتها بعناية، وقصص أخرى واقعية لا غلو فيها ولا شطط، وفى منتصف ما بينهما تتناثر عدة حكايات شديدة الإغراء، ومن فرط جمالها ومقصدها وهدفها تتلاشى الحدود الفاصلة بين أن تكون أسطورة أو قصة واقعية، فقط تستمتع بتكرار نفس القصة مرة وثانية وثالثة للبحث عن المعنى المختبئ بين سطورها.
 
واحدة من هذه الحكايات تحمل اسم الخلود وبطلها الملك لقمان بن عاد، القوى الطامع فى البقاء دومًا فوق كرسى العرش، من لا يريد الموت ولا الفقر ولا الضياع هو فقط يريد كل شىء، لذا طلب الخلود، وظن أنه سيعيش حياته كملك.
 
عاش لقمان بن عاد فعلًا ونال الخلود الذى طلبه، ولكنه أغفل الكثير من الأشياء، أغفل تغير الزمن حوله، ورحيل الأحباب من حوله فعاش غريبًا فى زمن أغرب من خياله والغريب عن الأرض يقولون إنه أعمى حتى ولو كان بصيرًا، أما الغريب عن الأرض والزمن والأحباب فهو ميت لا محالة.. روح ميتة فى ثوب جسد حى.
 
طلب لقمان بن عاد الخلود، وحصل على طول البقاء بما يوازى بقاء 7 نسور كلما هلك نسر أعقبه آخر، بنفس العملية الطبيعية التى يمدد بها النسر عمره يختلى بنفسه فى أعلى الجبل ويكسر منقاره ويغير ريشه ويستبدل مخالبه ثم ينطلق لحياة جديدة، لقمان بن عاد نال الخلود وتوج على الملك بقوته وأساطيره وحكمته وتغيرت عليه العقول والأجيال والنفوس، حتى وجد نفسه غريبًا فى زمن لا يعرفه لا ينفعه خلوده ولا بقاؤه ولا ملكه، فكيف يعيش فى أزمنة لا يفهمها ولا يجيد التواصل مع أهلها؟ أى ملك وخلود فى أن يعيش منبوذًا شريدًا، لذا كان الحل المثالى للقمان بن عاد أن يطلب الموت، الموت هو سبيله للهروب من ذل تداعى الزمن واختلاف البشر والزمن، خاصة بعدما بدأ أهل اليمن يسخرون من شيبته غير مقتنعين أنه الملك لقمان، وأنه عاش كل هذه السنوات، ووصل الحال بأهل اليمن أن ألبسوا نعمان بن عاد قشر بطيخ وزفوه فى الشوارع، وكأنه ملك على سبيل السخرية مما كان يدعيه.
 
قصة لقمان سواء كانت واقعًا أو أسطورة أو خليطًا من الجنسين، تبقى درسًا مهمًا لكل سياسى وفنان وشخصية عامة فى مصر، لا أحد يمدد بقاءه بالتمنى أو بالسلطان، تمديد البقاء لن يتم سوى بالتطوير والتواصل مع الناس، عليك فقط أن تعيش زمانك، واعلم أن طول العمر لا يحمل بين طياته سوى الشقاء، عش زمانك واعلم أن لكل جيل وقته، ولكل زمن رجاله، والراغب فى العبور من زمنه إلى زمن غيره لن ينال سوى مصير النسر السابع للقمان بن عاد، ضعف ورغبة فى انتحار، واستسلام مثير للشفقة فى يد عجوز لم تعد ترى الأمل سوى فى الموت.
 
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة