صلاح الدين الأيوبى.. صاحب انتصارات رمضانية مجيدة ومصدر ثقافى ملهم

الأربعاء، 22 مايو 2019 12:25 م
صلاح الدين الأيوبى.. صاحب انتصارات رمضانية مجيدة ومصدر ثقافى ملهم صلاح الدين الأيوبى
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقترن شهر رمضان الفضيل بانتصارات تاريخية وأبطال فى تاريخ الأمة كصلاح الدين الأيوبى الذى حقق أروع انتصاراته الرمضانية بتحرير القدس فيما يأتى شهر الصيام هذا العام ليبرهن من جديد على أن هذا البطل ما زال يشكل مصدر الهامات ثقافية حتى فى الغرب.
 
وصلاح الدين الأيوبى حاضر بصورة واضحة فى الثقافة الغربية حيث تتعدد الكتابات عن "بطل معركة حطين" التى وقعت فى الرابع من يوليو عام 1187 الميلادى لتفضى كمعركة فاصلة وانتصار نوعى لتحرير القدس يوم السادس والعشرين من شهر رمضان عام 1188 بعد ان حرر مدينة صفد بشمال فلسطين فى الشهر الفضيل ذاته ليوجه الضربة القاصمة للوجود الاستعمارى للفرنجة فى فلسطين.
 
واقع الحال ان صلاح الدين الأيوبى تحول بعد هذه المعركة الفاصلة "لأسطورة فى المخيال الغربى" ووجد فى الغرب من أنصفه وانصف التاريخ معا باعتباره "القائد المنتصر الذى يعبرعن أخلاق الفارس النبيل" وهو ما يتجلى فى الكتاب الجديد للمؤرخ البريطانى جوناثان فيليبس الذى صدر بعنوان "الحياة والأسطورة للسلطان صلاح الدين".
 
ولأنه تحول الى "أسطورة فى المخيال الغربى" فمن الطبيعى أن تتعدد الكتابات والروايات بشأن البطل صلاح الدين الأيوبى الذى حرر مدينة عسقلان فى شهر رمضان عام 1187 وانتقل للرفيق الأعلى عام 1193 ، وان تختلط فيها الحقائق مع الخيال والواقع مع الأساطير فيما تتنوع المشاعر عبر السرديات الغربية ما بين حنق وإعجاب برجل مازال يملأ الدنيا ويشغل الناس رغم انه رحل عن هذه الحياة الدنيا منذ نحو ثمانية قرون.
 
ورغم تحديات الحرب الشاملة ضد الغزاة الفرنجة ، تؤكد دراسات ثقافية تاريخية أن صلاح الدين الأيوبى كان يولى اهتماما مميزا للاحتفالات بشهر رمضان حيث تضاء المساجد والمآذن وتعقد مجالس قراءة القرآن الكريم و"يطوف المسحراتى فى الأزقة والحارات بطبلته ومصباحه".
 
والبريطانى جوناثان فيليبس كمؤرخ متخصص فى ما عرف"بحقبة الحروب الصليبية" سعى فى كتابه الجديد لفرز الحقائق وبيان الوقائع بعيدا عن الأساطير وشطحات الخيال ومساوىء التحيز ليعرض حقائق المشهد التاريخى فى المشرق العربى أثناء القرنين الحادى عشر والثانى عشر ، فيما يكشف عبر هذا المنظور التاريخى القائم على الحقائق عبقرية صلاح الدين سواء كمحارب عظيم أو كسياسى كبير وصاحب "رؤية استراتيجية لا تحيد عن أهدافها فى ميادين القتال وموائد المفاوضات ضمن الحرب الشاملة فى مواجهة الغزاة ودحر الاستعمار".
 
ومن يقرأ هذا الكتاب الجديد سيدرك بسهولة لماذا تحول صلاح الدين الأيوبى إلى "أسطورة" فهو شخصية غير عادية بكل المقاييس ورجل جمع بين شجاعة المقاتل ورؤية الاستراتيجى وحنكة السياسى كما انه أدرك أهمية "الكلمة" فى حربه الشاملة فاصطفى كوكبة من الكتاب والشعراء ليكونوا صوت المقاومة ضد الهجمة الاستعمارية التى استهدفت البشر والحجر فى الشرق وكسر إرادة الأمة وهى تتخفى وراء أقنعة دينية لتزييف الحقائق.
 
ولا يجوز فى هذا السياق اغفال ما كتبه الروائى والفيلسوف الإيطالى الراحل امبرتو ايكو الذى قضى منذ نحو ثلاثة أعوام عن البطل صلاح الدين الأيوبي.  مؤكدا انه كان مثالا إنسانيا للتسامح ونبذ التعصب وهى حقيقة تجلت فى حروبه ضد الغزاة الفرنجة رغم ممارساتهم الدموية وبعد تحريره القدس من القبضة الاستعمارية لهؤلاء الغزاة الذين اعملوا من قبل القتل والذبح فى أبناء بيت المقدس.
 
وقد أنصف ايكو هذا البطل ليعبر عن انتصار الضمير الإنسانى للمثقف الحر كما تجلى فى حواراته التى تضمنها كتاب صدر بعنوان:"هكذا تكلم امبرتو ايكو" وقد ترجم مؤخرا للعربية بإشراف الشاعر اللبنانى إسكندر حبش.
 
وإذا كان الكاتب الفرنسى فولتير من اشهر فلاسفة عصر التنوير الغربى فى القرن الثامن عشر ، فان "صلاح الدين حاضر فى مسرحية شعرية كتبها هذا المبدع الكبير بعنوان "زائير" وانتصر فيها لهذا البطل المناويء للتعصب والكراهية معتبرا انه "نموذج للتسامح والحكمة والسلام والمروءة". 
 
وفيما قال كاتب آخر فى الغرب وهو كولن تشابمان ان صلاح الدين "لقن البرابرة القادمين من الغرب درسا فى الأخلاق" فان للمؤرخ المصرى الكبير الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور الذى قضى فى العاشر من سبتمبر عام 2009 وكان يلقب "بشيخ المؤرخين العرب" كتابات ثقافية تاريخية تشكل بحق تراثا مهما للغاية عن عصر صلاح الدين وحقيقة هذا البطل الذى تحول الى أسطورة.
 
ومن نافلة القول إن شخصية تاريخية بحجم صلاح الدين الأيوبى تبقى ملهمة لكتابات متعددة فى الشرق كما هو الحال فى الغرب فيما يبقى الفارق بينا وواضحا بين حق الاجتهاد وحرية الإبداع وبين العدوان على الحقائق او الرغبة السافرة فى تحطيم الرموز التاريخية للأمة.
 
ومن هنا تصدى مثقفون ومؤرخون بشدة منذ نحو عامين لكاتب استخدم فى سياق مقابلة تلفزيونية مفردات صادمة فى حق رمز تاريخى كبير مثل صلاح الدين الأيوبى ، وجددت هذه المعركة الثقافية التأكيد على الفارق الواضح بين حرية البحث وبين تحطيم الرموز التاريخية للأمة.
 
وهناك اتفاق عام بين المؤرخين على أن أى شخصية تاريخية "لها مالها وعليها ما عليها" غير انه لا يجوز التهجم على الرموز او الطعن فى مواقفهم دون دليل تاريخى دامغ ومن هنا تساءلت الدكتورة زبيدة عطا الله استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس :"لماذا نضرب كل الرموز والقيم الجيدة التى نمتلكها"؟ معيدة للأذهان ان صلاح الدين الأيوبى "بطل معركة حطين" شخصية تاريخية مميزة وحارب الصليبيين واسترد بيت المقدس.
 
وفى الاتجاه ذاته قال الدكتور ايمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ان صلاح الدين الأيوبى من الشخصيات المهمة فى تاريخ العالم الاسلامى فيما انتقد الدكتور محمد عفيفى استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة ما ذكره الكاتب الدكتور يوسف زيدان بشأن البطل صلاح الدين الأيوبى معتبرا ان المؤرخ الحقيقى يتعامل مع اى ظاهرة بهدوء ويتحدث عنها بكل ايجابياتها وسلبياتها فى سياقاتها التاريخية.
 
وصلاح الدين الأيوبى ابن "تكريت العراقية" والذى ولد عام 1138 الميلادى ينتمى عرقيا للأكراد كان نموذجا فذا لمعنى الانتماء للثقافة العربية بصرف النظر عن الأصل العرقى وهو الذى انطلق مشروعه التاريخى من مصر الكنانة ليوحد من جديد عدة بلدان وأمصار عربية ضمن حربه الباسلة ضد المحتل ومعاركه المظفرة التى توجت بتحرير القدس الشريف من قبضة غاصب استمر فى احتلاله لنحو قرن كامل.
 
والأكراد وان اختلفوا عرقيا عن العرب فهم تاريخيا وثقافيا وحضاريا فى "حالة توأمة مع الأمة العربية" ومكون أصيل فى العالم الاسلامى ، كما يتجلى فى نموذج البطل صلاح الدين الأيوبى محرر القدس وبلد مثل مصر عرف أسماء مبدعة فى مجالات عديدة من بينها الفكر والكتابة والفن تنحدر من اصول كردية مثل أمير الشعراء احمد شوقى وعملاق الفكر العربى عباس محمود العقاد.
 
وفيما يعد صلاح الدين الأيوبى موضع اهتمام متجدد فى الثقافة الغربية ومصدر الهامات لكتابات وكتب متعددة فان المفكر البريطانى والباكستانى الأصل طارق على كان قد اصدر عملا ابداعيا كبيرا حظى باهتمام بالغ فى الصحافة الثقافية الغربية وهو "كتاب صلاح الدين" ضمن سفر "خماسية الاسلام".
وفى هذا الكتاب الذى جمع ما بين البحث التاريخى والخيال الابداعى يمكن للقاريء ان يتذوق شهد الابداع لطارق على ويعيش فى "قاهرة صلاح الدين" والحرب ضد المستعمر الصليبى وأفكار فلاسفة كبار مثل ابن رشد وابن سينا وابن ميمون والمؤرخ أسامة بن منقذ وعالم القرن الثانى عشر الميلادى وصراعات القوى الكبرى فى هذا العالم.
 
والملاحظة الدالة فى هذا السياق ان هذا المفكر الباكستانى الأصل الذى يحظى انتاجه الثقافى باهتمام كبير فى الغرب استخدم حقه فى البحث والابداع بكل الحرية والموضوعية معا عندما تناول شخصية صلاح الدين الأيوبى الذى اقترن دوما فى العقل العام ووجدان الأمة بالبطولة والكبرياء باعتباره صاحب احد اهم انتصارات العرب والعالم الاسلامى على مدى التاريخ. 
 
وهكذا فالشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبى الذى اعتبره الفيلسوف والمؤرخ الأمريكى وول ديورانت فى سفره الموسوعى "قصة الحضارة" نموذجا للعظمة والرحمة ينبغى ان تكون موضع بحث تاريخى متجدد ولكن بضوابط منهجية ودوافع ثقافية.
 
ومثل هذه الدوافع الثقافية لا تتضمن أبدا الرغبة فى تحطيم الرموز أو إهانة الأبطال التاريخيين لأمة من الأمم كما أن أى باحث حقيقى لا يمكنه الزعم "بامتلاك الحقيقة المطلقة فى عالم نسبى بطبيعته او الادعاء بأنه يمتلك اليقين بشأن شخصية فى حجم صلاح الدين الأيوبي.
 
والأمر عندما يصل للتطاول على رموز تاريخية قد يكشف ثغرة تحدث عنها رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية الدكتور ايمن فؤاد عندما أشار الى ان "طرق النقد والمدارس التاريخية الحديثة والأدوات البحثية كلها قضايا لم تتوافر عليها دراسات شرقية متخصصة خاصة التدوين فى العصور العربية القديمة والإسلامية والحديثة".
 
ومن قبل تحدث مؤرخ مصرى كبير هو الراحل الدكتور رؤوف عباس حول "وجوب مواجهة الأهداف الظاهرة والخفية لتفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه" بينما اعتبر معلقون فى "خضم المعركة الثقافية حول صلاح الدين" ان الاتهامات الصادمة لهذا البطل التاريخى تدخل فى سياق "تفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه".
 
وواقع الحال ان الجدل مستمر ومن شأنه ان يستمر حول الشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبى مع أهمية التمييز بين حرية البحث التاريخى وخطورة التهجم على الرموز التاريخية ومحاولة تحطيمها و"ضرورة "استخدام المنهج العلمى فى تناول التدوين فى اطار فلسفة التاريخ والجمع بين المصادر التاريخية والأثرية وكل مايفيد فى فهم الحدث التاريخي".
 
فلا أحد يختلف على أن ثمة حاجة لدراسات متعمقة فى التاريخ برؤى وقراءات متعددة بعيدا عن الغلو فى التمجيد او التسفيه والتجريح وبروح من الموضوعية ومراعاة السياقات التاريخية ومعطيات زمنها وعصرها الذى يختلف بالضرورة عن الواقع الراهن كما ان من الأهمية بمكان القيام "بزيارات جديدة للتاريخ بعيون عربية" على ان تراعى هذه الزيارات الضوابط المنهجية المتعارف عليها عالميا والتى تتجلى فى كتاب مثل الكتاب الجديد للمؤرخ البريطانى جوناثان فيليبس عن صلاح الدين الأيوبي.
 
وصلاح الدين الأيوبى بانتصاراته الرمضانية حاضر دوما فى وجدان مصر وذاكرتها الثقافية وأعمال مبدعيها وفنانيها وحتى فى مبانيها كقلعة صلاح الدين التى بدأ البناء فيها فى ظل هذا القائد التاريخى عام 573 الهجرى. 






مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة