سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 مايو 2005.. الأغنية الشعبية تفقد رائدها الفنان محمد رشدى بعد غيبوبة استمرت ثلاثة أسابيع

الخميس، 02 مايو 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 مايو 2005.. الأغنية الشعبية تفقد رائدها الفنان محمد رشدى بعد غيبوبة استمرت ثلاثة أسابيع محمد رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لفظ الفنان محمد رشدى أنفاسه الأخيرة، مساء الاثنين 2 مايو، فجر الثلاثاء 3 مايو 2005، بعد غيبوبة استمرت ثلاثة أسابيع، وسنوات كان فيها من قمم الغناء فى مصر، ورائدا للأغنية الشعبية منذ مطلع ستينيات القرن العشرين، بالرغم من بدايته فى الإذاعة قبل ذلك بسنوات.
 
حزنت كثيراً لوفاته، لأننى كنت من المحظوظين بالاقتراب منه منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضى، أى بعد ثلاث سنوات تقريبا من بداياتى الصحفية، وسجلت مذكراته فى جلسات طويلة جمعتنا بمنزله «فيلا أدهم» بالدقى، كان طيب النفس والقلب، وحكاء جميلا، ومثقفا يعشق عباس محمود العقاد، ووطنيا رائعا يعشق جمال عبدالناصر، ولا أنس يوما كنت اصطحبه لتسجيل تلفزيونى لمحطة لبنانية، تحدث فيه بعشق وصدق عن عبدالناصر وثورة 23 يوليو 1952، لكنه فى طريق عودته إلى منزله «فيلا أدهم فى الدقى»، أمسك بيدى فجأة، وأوقفنى معه عن السير، ثم قال بحسرة: «منك لله يا عبدالناصر».. سألته متعجبا: «ليه بتقول كده وأنت بتعشق عبد الناصر؟».
 
رد حزينا: «خلانى حلمت.. جريت ورا الحلم.. وفى الآخر شوفنا اللى بيسرقوها هم اللى صوتهم عالى.. تفتكر التاريخ هيقول علينا إيه؟.. يا ترى الناس هتفتكر حاجة من اللى عملناها عشان البلد دى؟.. فيه حد دلوقتى بيفتكر إننا كنا بنتسابق على تسجيل الأغانى مجانا فى كل معارك مصر، وإن سافرنا لليمن عشان ثورتها، وللجبهة مع الجنود فى حرب الاستنزاف، وحرب 6 أكتوبر 1973، وغنينا لفلسطين والجزائر؟.. سألته: «تفتكر لو محلمتش ولو معملتش كده كنت هتبقى إيه؟، أجاب: «كنا هنبقى مسخ، لكن أنا بفضفض».
 
أصبحت هذه الذكرى الشخصية لى معه مفتاحا لفك شفرته، وتفسيرا لمسيرته التى بدأت بمولده فى دسوق بمحافظة كفر الشيخ 1929، كانت الأم، والأب، محمد عبدالرحمن الراجحى، أهم مؤثرات تكوينه، غير أن الأم بقى لها مكانتها الخاصة لم تفارقه حتى مماته، ظل مشغولا بسؤال لم يحسم إجابته إلا فى زيارة لأخته انشراح: «أمى سمعتنى وأنا بغنى فى الإذاعة يا انشراح؟.. أجابت: «لأ يا أخويا»، لم يكن سؤاله بسيطا، ولا إجابته بسيطة، كان يتمنى أن تراه أمه فى قمته: «أمى لم تكن تعرف معنى الفنان الذى أريده، تصورتنى «مداح»، «صييت» يتجول فى القرى، مثل «أحمد الشربتلى»، و«مصطفى عابدين»، و«توفيق حميدو» الذى أعطانى فرصة حمل الكمنجة والمشى بها وراءه مقابل الغناء معه فى الموالد عشرة أيام متواصلة، وناولنى أجرا «خمسين قرشا»، أخذتها وطرت عليها، فرحت، لكن بحذر، كانت بتتمنى لى حاجة تانية، عايزة تشوفنى أفندى، رجل تعتمد عليه، كانت معذورة، كانت رائعة الجمال، شعرها طويل، وجهها ملائكى، لكن رغم ذلك تزوج أبى عليها، فتحدته بى: «ابنى هو حياتى ومش هحتاج لك»، عبت نفسها فى الملاية اللف، شدتنى من إيدى للمدرسة اللى فى دسوق قالت لى: «اسمع يا محمد هتتعلم يعنى هتتعلم، تحدت كل الظروف حتى أكون رجلها وسندها فى الزمن، كان الحزن معشش فيها، لم يغادرها أبدا، كانت بتقعدنى فى حجرها وتغنى بصوت كله شجن وحزن باكى، تغنى مواويل الصبر على قسوة الزمن، لما بالها كان يروق شوية تغنى لسعد زغلول: «يا ما خدوك على مالطة/ وكل ده مفيش غلطة/ يا سعد يا نور العين».
 
 يتذكر: «مات سعد «23 أغسطس 1927» قبل ما أتولد، وحكاية نفيه إلى مالطة كان مر عليها سنين طويلة «8 مارس 1919»، لكن الأغنية دى فضلت على لسانها.. أبويا كان له قمينة طوب بيشتغل فيها عمال، كان يكلفنى بإيقاظهم يوميا فى الفجر، والبقاء معهم طول النهار، كنت أجمعهم وحول الشغل لرقص وغناء، وفى كل مرة يكون نصيبى ضرب، وشتيمة وتوبيخ: «أنت مش هتفلح فى حاجة لها قيمة»، كانت القمينة فى وسط الجزيرة، كانت رأسماله اللى ضاع بسبب فيضان النيل «1937»، انتقلت بعدها إلى محلج قطن، ومنه لمركب تنقل الأرز والقصب من رشيد بلد أمى إلى دسوق، ومن دسوق ترجع ببضائع إلى رشيد، وبمجرد وقوف المركب على شاطئ النيل فى رشيد، أجرى على الصيادين، أركب النيل معاهم، أرحل معاهم، أسمع منهم أغانى عن الغربة والقدر والنصيب».
 
«أبويا كان له وجه تانى، عاشق للغناء، بيجرى وراء الصييتة والمداحين فى دسوق والقرى المجاورة.. كنت أقطع معه المشاوير، ولما أرجع تقول لى أمى: «أدخل يا صايع، كلبك وابنك إن بات بره متسألش عليه»، كان يغنى مواويل بإحساس جميل، صوته كان فيه حاجة تشد، أفتكر موال كان ديما يسليه وإحنا فى الطريق، كان بيغنيه بالذات مع ليالى القمر: «جس الطبيب فى عضالى قال لى أشبك/ أنا قلت نار الغرام فى مهجتى أشبك/ قال لى لو كان العشب عندى قلت ما عشبك/ أنا دوايا عند اللى بهواه/ خلينى أموت فى هواه حبى ولاعشبك»، هو موال مناظرة بين اثنين فى مكان واحد، يبدأ الأول بارتجال موال، فيرد الثانى بارتجال مختلف، ينقسم الجمهور بين الاثنين.تستمر السهرة على هذا الوضع، والصييت اللى يعجز عن الارتجال يتسجل عليه، واحد، اتنين، تلاتة، وبعد فترة راحة، يبدأ التسابق من جديد، كانت المنافسة تصل إلى الخصام، ثم الصلح عن طريق المواويل أيضا، تميز فى هذا اللون أسماء كانت لها شهرة كبيرة فى محافظات بحرى، محمد الأقرع، مصطفى عابدين، المسيرى، حمامة العطار، عايدة، قمبر».
 
ويتواصل الكلام..






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة