سهيلة فوزى

صباح الخير يا واحة أمانى

الجمعة، 05 أبريل 2019 02:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صباح الخير عزيزى القارئ، ربما لن يكون الوقت صباحا عندما تمر هنا، ولكنى أحب تحيات الصباح، واللقاءات الصباحية، فهى دوما أكثر إشراقا، وودا، وشفافية ربما يمنحها ضوء السماء بعضا من روحه.
 
إذا كنت تقرأ الآن هذا المقال، فينبغى أن أخبرك أن السطور المقبلة رسالة خاصة إلى صديقتى، فالتمس لى العذر إن لم تجد بها شيئا يُثير اهتمامك، فهذا أمر شخصى بينى وبينها. لكننى أظن - وكثير من الظن ليس إثما - أن صديقتى لن تمانع فى مشاركتنا القراءة، طالما أن الأمر سيظل بيننا، ولن يخرج عن ثلاثتنا: أنا وهى، وأنت عزيزى القارئ.
 
صباح الخير يا أمانى.. 
بعد أيام قليلة تسبقيننى يا صديقتى إلى الثالثة والثلاثين. لن تغضبى بالطبع من التصريح بذلك، فلسنا كأولئك الحمقاوات اللاتى يُخفين أعمارهن.
 
أدرك أن زمن الرسائل انتهى. يكتفى الجميع اليوم بأمنيات السعادة، وسنوات مقبلة أجمل على "فيس بوك"، وأكتفى معكِ بمكالمة هاتفية أبدأها بـ"كل سنة وأنت طيبة"، ثم نسترسل فى أشيائنا الصغيرة، وتنتهى بالجملة نفسها، والاتفاق على محاولة اللقاء.
 
يختلف الأمر قليلا هذا العام، قررت أن أكتب لمن أحب. فكم تختلف الحياة بوجودهم إلى جوارى. يحمل أبريل إلى العالم كذبته الشهيرة، ويحمل إلىّ "العرّاب" الأول فى حياتى. 
 
أكتب إليكِ اليوم، ويحضرنى أول وآخر خطاب تسلمته فى حياتى. كان من صديقتى فى المدرسة الثانوية، وصلنى فى الوقت نفسه مع جواب مكتب التنسيق. شابان فى مقتبل العمر يحمل كل منهما خطابا لى، همست لنفسى وقتها - الفِقِى لما يِسْعَد- وقّعتُ لكلٍّ منهما بتسلّم أمانته.
 
عرفت مضمون جواب التنسيق لحظة تسلّمه؛ فلم يكن مظروفًا مُغلقًا كرسالة صديقتى، بل إخطارا رسميا بقبولى فى كلية الإعلام جامعة القاهرة. صحيح أن الإخطار لم يكن مفاجأة لى؛ فمجموعى يؤهلنى، والكلية كانت رغبتى الأولى، رغم محاولات الأهل - التى باءت بالفشل - لإقناعى بلصق طابع كلية الهندسة أولا. توقعى لنتيجة التنسيق أفسد سعادتى بالقبول، لكن سعادة جيراننا ظلت طازجة، فما أن علموا أن تلك الكلية كانت رغبتى حتى دوّت زغاريدهن وملأت البيت، فأضفت كثيرا من البهجة على الحدث وقتها. 
 
عذرا يا صديقتى، أطلتُ فى الحديث عنى، وهذا خطاب إليكِ وعنكِ، لكن تلك المقدمة لا مفر منها؛ فكلية الإعلام سبب لقائنا. تعرّفت إليكِ قبل أن أتعرف على الكلية، التقيتك أول يوم أمام المبنى الأنيق، فخطوت خطوتى الأولى إلى الداخل معك.
 
تناقض كبير جمعنا، لا تشبهيننى فى شىء، فأنتِ اجتماعية لا تهابين الغرباء، تتحدثين إلى الجميع دون خجل، وتعرفين جيدا كيف تشُقّين طريقك فى ردهات الكلية بثقة لم أعتدها فى الأماكن الجديدة. وقتها كنت أعانى جرحا كبيرا لم يلتئم، وغضبا أكبر ساهم فى تأججه. غضب من السماء لأنها لم تمنحنى مزيدا من الوقت مع أبى، أدركت وقتها أن وجودك إلى جوارى كان سندًا، ودعما لروح قَلقِة لم تكن تستطيع أن تخطو خطوة واحدة دونك.  
 
بعد أسابيع قليلة من بدء الدراسة كنت تعرفين أغلب الدفعة، ويعرفون أننى صديقتك. أتأخر دومًا، أبحث عنكِ؛ فيرشدنى الجميع إليكِ دون سؤال، وكأننى طفلة ضلّت طريقها. تتحملين أعباء دراستك ودراستى معًا، أعرف منك كل ما يتعلق بالكلية. تُسجّلين حضورى تلقائيًّا كلّما تأخرت كعادتى. تتذكرين يوم أضعت محاضرات إحدى المواد، ولم أكتشف الأمر إلا ليلة الامتحان، اتصلت بك لتُحضرى المحاضرات معكِ قبل الامتحان حتى أراجعها سريعا، اتفقنا أن تأتى قبل الامتحان بساعة، ولأنك تعلمين جيدا أن هذا لن يحدث، تفاوضنا حتى اتفقنا على نصف الساعة. انتظرتِ أمام اللجنة فى الميعاد كعادتك، وحضرت أنا قبل الامتحان بعشر دقائق. قذفتِ الأوراق فى وجهى غاضبة، مع سيل جارف من الأوصاف التى لم أجرؤ على التبرّؤ منها؛ لضيق الوقت، أقلُها أن الذى يجرى فى عروقى ماء بارد.
 
كنت أشفق عليك من قلقك الدائم علىّ فى الامتحانات. تجلسين فى اللجنة بعينين زائغتين تنتظرين دخولى. مرت عشرون دقيقة ولم أدخل، تعرفين أننى فى الخارج أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى أعبر المادة بسلام. 
 
بعد سنوات التخرج، ما زلت ألمح ذلك القلق فى عينيك، لكنه قلق من نوع آخر. تقلقين على زواجى فى صمت مثل أمى، بينما تتسلّل جملة اعتراضية إلى حديثك، فتهتك حُرمة صمتك الطويل - مش ناوية تتجوزى بقى؟ - أشفق عليكِ، فأكتفى بابتسامة، وأجيبك باختصار: حاضر.
 
تدركين مثلى أنه لا حيلة فى الرزق، ولا حيلة فى الحب أيضًا. فى كل مرة ألمح قلقك علىَّ، أخشى أن أخبرك أنكِ ربما تكونين السبب وراء ذلك. كيف أطمئن إلى رجل لا يمنحننى وجودى معه نصف ما تمنحيننى أنت من طمأنينة؟ أشفقت عليك كثيرا من تجاربى الفاشلة. أذكر انكسار صوتك فى كل مرة أخبرتك فيها أن الأمر انتهى. 
 
تحدثنا كثيرا، تدفعيننى إلى التجربة، ولم أخبرك قطّ أننى أرضى برجُلٍ أجد إلى جواره نصف ما أجد من سكينة عندما التقى بكِ، نصف ما وجدتُ من اطمئنان وأنتِ تُمسكين يدى فى أول أيامى بالجامعة. كنتُ كمن ألقوا به فى اليمّ، وكنتِ كامرأة فرعون. 
 
كل عام وأنت بخير يا أمانى.. كل عام وأنت واحة أمانى وطمأنينتى.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة