"خادم الشعب".. كيف تحول الساسة إلى "كروت محروقة" أمام مواطنيهم بصناديق الاقتراع؟.. الخبرة السياسية "لعنة" تواجه الطامحين لدخول قصور السلطة.. والنموذج الأوكرانى يمثل حقيقة "التنافر" بين رؤى النخب وطموحات الشعوب

الجمعة، 05 أبريل 2019 10:00 ص
"خادم الشعب".. كيف تحول الساسة إلى "كروت محروقة" أمام مواطنيهم بصناديق الاقتراع؟.. الخبرة السياسية "لعنة" تواجه الطامحين لدخول قصور السلطة.. والنموذج الأوكرانى يمثل حقيقة "التنافر" بين رؤى النخب وطموحات الشعوب الرئيس الأوكرانى يواجه الفشل فى الانتخابات
تحليل يكتبه - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن أوكرانيا على موعد مع رئيس جديد، بعدما فشل الرئيس بترو بورشينكو من الفوز يثقة المواطنين فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التى عقدت الأحد الماضى، حيث حل ثانيا بعد المرشح فلوديمير زلينسكى، والذى تصدر النتائج بأكثر من 30% من الأصوات، ليخوض جولة الإعادة، والمقرر إجراؤها فى 21 أبريل الجارى، أمام الرئيس الحالى، والذى حصل على حوالى 16% فقط، هو ما يمثل انعكاسا صريحا لفشل النظام الحاكم فى إقناع المواطنين بالسياسات التى تبناها، منذ وصول بورشينكو إلى سدة السلطة فى أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش، فى عام 2014.

ولعل النتائج المخيبة للأمال التى منى بها الرئيس الأوكرانى، والذى جاء على إثر احتجاجات شعبية أطاحت بسلفه، تمثل انعكاسا صريحا لحالة الإحباط الشديدة لدى المواطن الأوكرانى، ليس فقط تجاه بورشينكو ذو الأجندة الغربية، ولكنها تمتد إلى الساسة بشكل عام، وهو ما بدا واضحا فى التوجه الكبير نحو زلينسكى، والذى لا يحمل فى جعبته الخبرة السياسية، باعتباره ممثلا كوميديا، لا يفقه الكثير عن السياسة ودهاليزها، سوى قيامه بتأدية دور الرئيس فى أحد أشهر مسلسلاته، ليتحول العرس الانتخابى إلى ثورة صامته على الساسة، أعرب فيها الأوكرانيون تمردهم على الأجندات السياسية بمختلف توجهاتها.

"خادم الشعب".. الأوكرانيون لم يصوتون لـ"زلينسكى"

ويمثل حصول زلينسكى على أغلبية الأصوات فى الانتخابات الأوكرانية الأخيرة، رغم عدم اتقانه للغة السياسة التى يجيدها منافسوه بحكم مناصبهم الحالية أو السابقة، فارقة مهمة، تجسيدا مهما لحالة التمرد المجتمعى على الساسة، خاصة وأن الرجل ربما لم يحتاج لإلقاء الخطب السياسية أو إطلاق الشعارات الرنانة التى من شأنها استقطاب المؤيدين، وهو ما يعكس حالة التنافر الكبيرة بين الرؤى التى يتبناها الساسة والطموحات التى تتطلع لها الشعوب.

زلينسكى
زلينسكى

يبدو أن مواطنى أوكرانيا لم يختاروا زلينسكى فى الحقيقة، ولكنهم قرروا التصويت لشخصية فاسيلي جولوبورودكو، والتى جسدها المرشح الأوكرانى قبل عدة سنوات فى مسلسل "خادم الشعب"، والتى تدور حول مدرس تاريخ، والذى تحول فجأة إلى رئيس جمهورية، ليقوم بتحقيق نجاحات كبيرة، على رأسها محاربة الفساد، لإحساسه بمعاناة الشارع، بعيدا عن السياسة وحساباتها المعقدة، وبالتالى كان دوره فى المسلسل أقوى بكثير من الخطابات السياسية التى نجح أقرانه فى صياغتها، وشعاراتهم التى ركزت على أحلامهم الشخصية فى تحقيق أمجاد تحسب لهم، على غرار الانضمام لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبى.

"كروت محروقة".. الخبرة من ميزة إلى نقطة ضعف

إلا أن ما يمكننا تسميته بـ"حالة زلينسكى" لا تقتصر فى الواقع على كييف، ولكنها تمتد إلى العديد من البلدان الأخرى، والتى شهدت صعودا كبيرا لشخصيات يبتعدون تماما عن أروقة السياسة، ليصبحوا بين ليلة وضحاها على قمة المشهد السياسى، على حساب منافسيهم من الساسة المخضرمين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى تقتصر خبرته على مجال المال والأعمال، بالإضافة إلى كونه أحد النجوم السابقين بتلفزيون الواقع، على حساب السياسية الأمريكية المخضرمة هيلارى كلينتون، والتى قضت سنوات طويلة داخل أروقة السياسة فى واشنطن، سواء فى موقع السيدة الأولى بالبيت الأبيض، أو بعد ذلك كوزيرة للخارجية فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الباكستانى عمران خان، والذى كان لاعب كريكت سابق.

ترامب وكلينتون
ترامب وكلينتون

وهنا تحولت الخبرة السياسية التى ينبغى أن يتمتع بها المرشحون لمناصب سياسية كبيرة من ميزة تدفع حظوظهم إلى الأمام أمام منافسيهم، إلى أحد نقاط الضعف التى تقوض فرصهم فى الوصول إلى منصب القيادة فى بلدانهم، وهو الأمر الذى يفسر حالة الصدمة التى انتابت الكثير من المتابعين للانتخابات الرئاسية الأخيرة فى الولايات المتحدة، حيث أصبح ينظر إلى الساسة باعتبارهم "كروت محروقة" أمام المواطن، فى ظل معرفته لرؤيتهم حول مختلف القضايا السياسية، وإدراكه كذلك أنه ربما لن يقدم جديد عن أسلافه الذين ثار عليهم من قبل، سواء عبر الاحتجاجات، أو من خلال الصناديق الانتخابية، وبالتالى فلم يجدوا فيهم صورة "خادم الشعب" التى سبق وأن جسدها زلينسكى فى مسلسله الشهير، الذى ربما سيكون طريقه إلى قصر الرئاسة فى العاصمة الأوكرانية كييف.

التمرد المجتمعى.. الشعبوية أداة الثورة على الساسة التقليديين  

ويعد التزامن مع صعود مثل هذه الشخصيات إلى قمة هرم السلطة فى دولهم من جانب، وبزوغ نجم الشعبوية فى العديد من دول العالم من جانب أخر، انعكاسا صريحا لحالة التمرد الشعبى على الحسابات السياسية التى يتبناها الساسة التقليديون، والتى ترتبط إلى حد كبير بأبعاد دولية وإقليمية قد تكون لها الأولوية فى السياسات التى يتبناها القادة من ذوى الخلفيات السياسية الكبيرة، والذين يتعاطون بصورة أكبر مع المعطيات الدولية، أكثر من الأزمات الداخلية التى يعانيها المواطن، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى الحراك الذى تشهده العديد من دول العالم، سواء عبر الاحتجاجات أو الصناديق.

السترات الصفراء
السترات الصفراء

 

فلو نظرنا إلى النموذج الأوروبى، نجد أن الحراك الذى تشهده القارة العجوز، والذى تجلى فى صعود التيارات اليمينية فى العديد من الدول، وعلى رأسها إيطاليا وبولندا وغيرهما، يمثل فى جوهره نتيجة للتمرد المجتمعى على السياسات التى تبناها الساسة التقليديين، والتى أعطت الأولوية للوحدة الأوروبية، على حساب خصوصية الهوية الوطنية لكل دولة، وكذلك للعديد من الأبعاد الأخرى، سواء السياسية أو الاقتصادية.

إلا ان التمرد المجتمعى لا يقتصر على منح الثقة لشخصيات ربما يفتقدون خبرة العمل فى "مطابخ" السياسة، ولكنها امتدت إلى تقديم الدعم الشعبى لحركات مجتمعية، ربما لا تملك القيادة السياسية أو خبرة العمل السياسى، لتقود حراكا ثوريا يهدف إلى تغيير الواقع التقليدى، وهو ما يبدو واضحا فى بزوغ نجم حركة "السترات الصفراء" فى فرنسا، والتى ظهرت إلى السطح كحركة تمرد ضد سياسات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والتى يراها قطاع كبير من الفرنسيين أنها مناهضة لمصالحهم، ولكنها تطورت بعد ذلك لترفع مطالب سياسية، وعلى رأسها إسقاط الرئيس وحكومته بالإضافة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبى.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة