فى كل حى من مدن المحروسة، ضريح وقبر لولى من أولياء الله الصالحين، أو متصوف من شيوخ المتصوفين المشهورين وغير المشهورين، يتبرك بهم الناس، ويتضرعون إليهم بالدعاء عنهم، ينالون جزءا من بركاتهم التى طالما تداولها العامة، يقدمون إليهم النذور من أجل تلبية دعواتهم وأمنياتهم.
لكن كل هذه الأضرحة والمقابر ليس لها توثيق أو تحمل حقيقة، فوفقا لعدد من الإحصائيات غير الرسمية، فإن عدد الأضرحة الوهمية فى مصر يصل إلى نحو 4 آلاف مقام، ويتركز وجودها فى محافظات الصعيد، إضافة إلى الغربية من محافظات الدلتا، وتعد وسيلة للتكسب، إذ يقدر البعض حصيلة صناديق نذورها بمليونى جنيه سنويًا.
مكان إقامة مولد الشيخ بالسخنة
فقبل عام من الآن، كشف عدد من التقارير الإخبارية، أنه بعد حوالى 40 عامًا كاملة، ظل فيها مواطنون من أبناء القبائل البدوية فى السويس ومن خارجها يزورون مقام الشيخ "أبو سريع" فى جبال العين السخنة، مقدمين له النذور ومتباركين به وبكرامته، اكتشف الجميع فى النهاية بعد كل هذه الأعوام أن ما دفن داخل مقام الشيخ المبروك "رأس عجل"، ولا يوجد أى أثر للشيخ، وذلك بعدما اندلع صراع بين قبيلتين على أحقية رعاية المقام، خاصة أنه يجمع سنويا ما يقرب من مليون جنيه من التبرعات الخاصة بالنذور، وكان يقام احتفال سنوى بمولد الشيخ داخل المناطق الجبلية.
من بين أحد أشهر الأضرحة والمقابر، تأتى مقابر سيدى الأربعين، ولعل أشهرها هذا الضريح الموجود بالسويس، والذى يحمل الحى الذى يقع فيه اسمه، كما يوجد وادى الأربعين بسانت كاترين وهو يقع فى منطقة في منتهى الوعورة، وفى قلب القاهرة القديمة في منطقة أم الغلام المجاورة للمشهد الحسيني، هناك ضريح صغير باسم الشيخ الأربعين، بخلاف أضرحة أخرى باسم الشيخ فى العراق وسوريا وفلسطين.

مسجد سيدى الاربعين
لكن الغريب أن كل تلك المقامات، لا يوجد سند واحد تاريخي عليها، ولا يعرف بالتحديد من هو الإمام الأربعين صاحب تلك الأسطورة الصوفية الكبيرة، ويقول عنه أحمد أمين، صاحب موسوعة قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية الصادر عام 1953:"عند المصريين شيخ مشهور يسمى سيدى الأربعين. يدعون أن له أربعين مقبرة كناية عن الكثرة، وليس المراد بها العدد المخصوص، والسبب أن صاحب بيت إذا وجد ناس " يبولون" فى ركن من أركان بيته أو حارته فمنعهم فلم يقبلوا، احتال بين ليلة وضحاها فادعى أن هذا المكان هو سيدى الأربعين وبنى ضريحًا صغيرًا، وادعى أن فيه شيخًا فامتنع الناس عن البول فى هذا المكان ولذلك تراه كثيرًا فى أركان القاهرة".
بينما يرى الأديب جمال الغيطاني، أن سبب انتشار أضرحة سيدى الأربعين إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس الشهيرة، وهى قصة الملحمة الخالدة "ست" التى قامت بتقطيع جسد أوزوريس ووزعته على أقاليم مصر"أربعين"، حتى لا تتمكن زوجته إيزيس من إعادة الحياة إليه، وصارت كل ناحية تفخر بأن فيها جزءا من القطع الأربعين لأوزوريس، الذي صار إلها للحياة الآخرة عند المصريين القدماء، وانتشرت عبادته ضمن الثالوث الشهير"إيزيس وأوزوريس وحورس" في ربوع مصر، بل ووصل تقديس الأم "إيزيس" إلى بلاد أثيوبيا والسودان تلك التى ارتبط بها كثير من الطرق الصوفية وما زالت الرحلات الصوفية المتبادلة بين مصر وإفريقيا حتى الآن خصوصا على مستوى علاقات الطرق الصوفية الشعبية".

موقع ضريح الشيخ يوسف
فيما يذكر كتاب " تمام المنة بأحكام البدعة والسنة" للشيخ علي أحمد عبد العال الطهطاوى، قصة ضريح وهمى آخر، هو ضريح الشيخ يوسف، والذى ظل أهالى دمياط يجلونه ويقدسونه ويتبركون به مدة كبيرة من الزمن، ثم تكشف لهم حقيته، بعدما أوردت صحيفة "الجمهورية" خبر عن وهمية ذلك الضريح، وقال الخبر: "الشيخ يوسف الذى ظل الدمايطة يتبركون به باعتبار أنه من أولياء الله الصالحين، اتضح أنه ضابط فرنسى من الحملة الفرنسية، بنيت عشش للمصطافين فوق ضريحه".

أبو الدردراء
وفى مدينة الإسكندرية أيضا، هناك واحد من أشهر الأضرحة التى يتبارك بها المتصوفة، وهو ضريح أبو الدرداء الأنصارى، والذى يعرف بـ"ضريح بلا جثمان"، إذ ذكرت العديد من الكتب والمراجع أنه توفى عن عمر يناهز 72 عاما ودفن بدمشق، وما يوجد بالإسكندرية ما هو إلا مقام فارغ بدون جثمان، ويبين كتاب الشيخ علي أحمد عبد العال الطهطاوى، سالف الذكر، أن الصحابى الجليل كان ممن شاركوا فى فتح الإسكندرية، لكنه لم يقم بها كثيرا، إذ سافر إلى الفسطاط وشارك فى بناء قبلة جامع عمرو بن العاص، الذى بنى عام 21 هجريا، وهو ما يوضح أن أبى الدرداء لم يعش فى الإسكندرية، كما أن المراجع تذكر أنه معاوية عين أبا الدرداء قاضيا على دمشق بأمر من عمر بن الخطاب، فأحبها وأقام فيها ومات ودفن هناك، وأن قبره وقبر زوجته معروفان فى دمشق.

الزاوية التجانية
أما بالنسبة للزاوية التجانية للإمام أحمد التيجانى الموجودة فى منطقة إمبابة بالجيزة، والتى تعتبر أحد أشهرالزوايا الصوفية الموجودة فى مصر، فهى زاوية بلا مقام، حيث إن الزاوية تحتوى على مقام مجهول للإمام أحمد التيجانى المدفون بالمغرب، الذى جاء فى رؤية منامية لأحد الشيوخ، وقال له: (يا صلاح الدين أنشئ لى مقامًا ومسجدًا فى هذه البقعة الطاهرة)، بحسب ما ترويه رواية الطرق الصوفية.