أكرم القصاص - علا الشافعي

علاء عبد الهادى

شهرزاد تعود للحكى

الأحد، 28 أبريل 2019 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أيام قليلة، أعلنت دولة الإمارات انطلاق العمل فى أول وأغرب وزارة فى العالم « وزارة اللامستحيل» ، وفى رأيى أن تدشين الوزارة لا يعدو أن يكون تأطيرا لفلسفة عمل أصبحت تميز الأشقاء فى الإمارات، حيث لا يوجد عندهم كلمة اسمها «مستحيل»، وأصبح لديهم ما يمكن تسميته شغف التحدى لاجتياز أية موانع أو صعوبات  أو مستحيلات،  لو عددنا المستحيلات التى تحدوها ونجحوا فى تحقيقها فلن يكفى المقال ، ولكننى أريد أن أحكى هنا عن شىء قد لا يلتفت إليه البعض، ولكنه نجح بنفس الفلسفة، وهو معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى بدأ قبل 38 عاما، وكانت كل الظروف المحيطة تقول إنه « مستحيل  أن ينجح»، وأنه بالتأكيد لن يستمر، وبالفعل فشلت أول ثلاث دورات منه إلى الحد الذى كانت تدعى فيه دور النشر للاشتراك من دون مقابل، ولكن لأن على رأس الشارقة حاكم مثقف، تربى وتعلم فى جامعة القاهرة فى عز مجدها، ويدرك أهمية الثقافة والكتاب والقراءة  لم يلتفت إلى تحذيرات مستشاريه، ومقولات البعض له: أين معرض الشارقة من معرض القاهرة؟ وماذا ستفعل مع هذا العملاق؟ ولكنه صبر، ودرس الأمر وطور، إلى أن جاء اليوم الذى أصبح فيه معرض الشارقة للكتاب ضمن أفضل أهم ثلاثة معارض للكتاب على مستوى العالم، لم يقف شغف الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عند هذه النقطة، بل إنه يراهن دائما على القراءة، والثقافة، وأنها هى البناء الحقيقى لأى شعب، فراح يضع مكتبة فى كل بيت فى إماراته، وأنشا أول مدينة حرة للنشر فى العالم، ليحول الشارقة إلى قبلة للناشرين ومحور لحركة النشر، رغم أن كل المعطيات الأولية تقول إن الملعب ليس ملعبه، والأولى به أن يتجه إلى تعظيم جهده فى مجال عقد الصفقات الاقتصادية والاستثمارية، هو يفعل ذلك لكن عينيه دائما على الفكر والثقافة باعتبارهما درة تاج لأية دولة تريد أن تنهض، واستكمالا لفلسفة تحدى المستحيل تقدمت إمارة الشارقة قبل تسع سنوات لمنظمة اليونيسكو لتنال شرف أن تكون عاصمة عالمية للكتاب، ذهبت بملفها معززا بإنجازات لا تتناسب مع حجم الإمارة الصغيرة، وجاءت البشرى ونجح الملف وتسلم الشيخ القاسمى شعلة « الشارقة  عاصمة عالمية للكتاب للعام 2019» من ممثل اليونيسكو، ومن ممثل اليونان الدولة السابقة  فى احتفالية هى فى حد ذاتها تدخل فى نفس الدائرة « دائرة اللامستحيل» هو عرض ألف ليلة وليلة .. الفصل الأخير، الذى تم تقديمه على مسرح المجاز وسط «البحيرة»، هو عرض مبهر، ومشبع، ومبهر راقص، استعراضى، لا تملك إلا أن تحبس أنفاسك، من روعة ما تشاهد، وتتساءل هل ما تراه استعراضا، أم سينما أم مسرح ،أم موسيقى،  أم سينوغرافيا ،أم عروض فلكورية ، أوبرالية ، أم هى كل هذه الأشياء مجتمعة فى عمل، ربما يكون استثناء فى الأعوام الأخيرة ، نفذه أعظم الأسماء على مستوى العالم كل فى مكانه، حتى الفكرة فى حد ذاتها بسيط عبقرية، عندما أراد القائمون على الاحتفالية أن يفكروا فى فكرة يكون البطل فيها هو الكتاب لتتوافق مع طبيعة الاحتفالية، بشرط أن يكون كتابا لا خلاف عليه، كل بنى البشر يعرفونه، فلم يجدوا أفضل من رائعة « ألف ليلة وليلة» ليقدموها للإنسانية برؤية جديدة بسيطة، لكنها فى الصميم، كلام قليل بسيط معبر عن أهمية الكتاب، والفكر والرأى، والقراءة والكتاب، والإبداع الإنسانى .. بنى العرض على مشاهد بصرية صاغها 13 فناناً مبدعا فى مختلف فنون الأداء، والموسيقى، والأكروبات، وفنون الضوء والظل، وقدمت المشاهد فى إيقاعين: الأول قائم على التعبير الأدائى الحركى المنسجم مع عزف الأوركسترا المكونة من 51عازفاً، والثانى قائم على صوت الراوى فى العمل الذى يدفع العرض فى منحى الحكاية ويقود أبطاله إلى مغامراتهم. وبين رقصة وأخرى تنتهى حكاية، ثم تبدأ رقصة جديدة، ويجد المشاهد والمتابع نفسه وسط متعة لا نهائية من اللون والصورة والدهشة، خليط تنساب فيه الموسيقى مع إيقاعات الضوء على المسرح الخشبى، وتروى حكاية العرض قصة شهرزاد التى طلبت من زوجها شهريار أن يجمع أبناءه الأميرة فيروز، والأميرين: أمين، وقادر، حيث توزع عليهم لفائف جلدية تحمل كل واحدة منها مهمة جلب شىء محدد، لتكشف لهم بعد إنجاز المهمات بنجاح عن سر الحكايات التى روتها، وتقدم لهم خلاصات حكمتها ومعرفتها وعود أبناء شهرزاد إليها، فى نهاية العمل لتخبرهم برسالتها الأخيرة، وتقول لهم: إن حكايتها الأخيرة هى حكايتهم هم، وأن ما حصلت عليه الأميرة فيروز هو الحبر، الصديق الدائم للريشة التى حصل عليها الأمير قادر، وهاتان الأداتان هما ما يملآن الغرض الذى يحوي المعارف كلها، الكتاب الذى حصل عليه الأمير أمين، فتطلب منهم أن يكتبوا حكايتهم، ليتواصل مشوار الكتاب والمعرفة.
 إنه «اللامستحيل».. تراه أمام ناظريك على خشبة المسرح.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة