تَأتي واقعَةُ طَرْدِ الوَفدِ القَطريِّ مِن السُّودانِ؛ لِتَضعَ حدًّا للتَّدخُّلاتِ القَطريَّةِ السافرةِ في مَصالحِ الدُّولِ العَربيَّةِ، ولِتمنَحَ المَوقفَ العَربيَّ الموحَّدَ، ضدَّ تَنظيمِ الحَمْدين، صَلابةً في مُواجهةِ مَن تُسَوِّل لهُ نفسُه العبثَ بأحْلامِ الشُّعوبِ. فقد كانتْ قِيادةُ قَطرٍ تَسعى للهيَمنَةِ على الِاتِّجاهِ الثَّوريِّ في السُّودانِ؛ لِتذهبَ به نحوَ اتِّجاهها الذي يَصُبُّ في بَوتقةِ الِانفصامِ بيْنَ مصالِحِ الشُّعوبِ واتِّجاهاتِ الحُكَّامِ.
إنَّ الأزمةَ الثَّوريَّةَ التي تَحدُثُ في السُّودانِ هي شَأنٌ داخليٌّ، لا يَنبغي لأيِّ دولةٍ التَّدخلُ فيهِ بغيرِ حقٍّ. ولوْ كانت زِيارةُ الوَفْدِ القَطريِّ تَهدُفُ لمَصلحةِ البَلدِ الشَّقيقِ، لَمَا أقدَمت السُّلطاتُ السُّودانيَّةُ على هذه الخُطوةِ، التي زادت في الشُّعورِ العَربيِّ المُتوحِّدِ حولَ مَصالِحِه المُشترَكةِ، والذي يَتَّخذُ من المقاطعَةِ وَسيلةً لإسْقاطِ تَنظيمِ الحَمدين.
ثمَّ جاءتْ ضربةٌ جَديدةٌ بإقالةِ وَكيلِ وَزارةِ الخارجيَّةِ السُّودانيَّةِ، بَدرِ الدِّين عبدِ اللهِ، بسَببِ إعْدادهِ بيانًا صحافيًّا حولَ زيارةِ الوَفدِ القَطريِّ إلى السُّودانِ، دونَ عِلمِ المَجلسِ العَسكريِّ، الذي يُمثِّلُ الآنَ السُّلطةَ الحاكِمَةَ في الخُرطومِ. وهو ما اعْتبرَهُ المَجلسُ العَسكريُّ إساءَةً لسُلطتِهِ، وتَعاونًا معَ تنظيمِ الحَمدين، الذي لا يَهدُفُ إلا لتحقيق مَصالِحِه السِّياسيةِ فقطْ.
إنَّ مَوقفَ المَجلسِ العَسكريِّ مِن زيارةِ الوَفدِ القَطريِّ يُؤكِّدُ على صِحَّةِ مَوقِفِ الدُّولِ العَربيَّةِ مِن المقاطعةِ، ويُثبِتُ فَشلَ تَنظيمِ الحَمْدين في اقْتناصِ الثَّورةِ السُّودانيَّةِ من الشَّعبِ السُّودانيِّ، الذي وَقفَ بالمِرصادِ للتَّحرُّكاتِ القَطريَّةِ، وما كانَ لِموقِفِه القوِيِّ أنْ يَحدُثَ إلا لإدْراكِه لمَدى خُطورةِ التَّدخُّلِ القَطريِّ في شأنِ البِلادِ.
لقَدْ كان (البشير) صَديقًا لتَنظيمِ الحَمدين, وبعْدَ أنْ ثارَ الشَّعبُ السُّودانيُّ عليه، قامت السُّلطاتُ القَطريَّةُ بتَعليقِ الرِّحْلاتِ الجَويَّةِ إلى السُّودانِ بدايةً مِن أبريلَ الحالي، كتَعبيرٍ عن غَضبِ قِيادَتِها مِن شعبٍ ثارَ على حاكِمٍ رَأوهُ عاجزًا عنْ تَحقيقِ مَصالحِهم وآمالِهم.
وإنَّ قناةَ "الجَزيرةِ"، التي (تُطبِّلُ)، وتَهْتفُ لأيِّ اتِّجاهٍ ضدَّ مَصالحِ الشَّعبِ العربيِّ، غَضَّت الطَّرفَ عن ثورةِ السُّودانيِّينَ ضدَّ البشيرِ. وقد وُجِّهتْ لها انْتقاداتٌ بسببِ ذلك، واعْتبرَ بعضُ نُشطاءِ مَواقعِ التَّواصلِ الِاجتماعيِّ موقفَ "الجَزيرةِ" مِن الثَّورةِ السُّودانيَّةِ سَقطةً مِهنيَّةً خطيرَةً للقناةِ، حتَّى كتبَ أحدُ "ضُيوفِ الجَزيرةِ" نَفسِها مقالًا بعُنوانِ "أيْنَ الجَزيرةُ مِن المُظاهراتِ السُّودانيَّةِ؟!".
وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ، فإنَّما يدُلُّ على أنَّ قناةَ الجَزيرةِ لا تَتعامَلُ بحِيادٍ أو مِهنيَّةٍ مع ثَوْراتِ الشُّعوبِ العَربيَّةِ، إلا بالقَدرِ الَّذي يَخدُمُ مَصالحَ تَنظيمِ الحَمْدين.
إنَّ الإقدامَ على طَرْدِ الوَفدِ القَطريِّ لهو خُطوةٌ جَديدةٌ في طَريقِ مُقاطعةِ نِظامِ الحَمْدين، مِن أجلِ إسْقاطِه؛ ليَتحرَّرَ الشَّعبُ القَطريُّ الشَّقيقُ، ويَسيرَ عَلى طريقِ المَصالحِ العَربيَّةِ المُشترَكَةِ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة