دائما ما يصاحب بعض الكتابات الفلسفية خاصة الدينية الجدل، ويتهم أصحابها بالتجديف وبالإلحاد، ويكون مصير تلك الكتب المصادرة والمنع، وفى بعض الأحيان يكون مصير صاحبها المحاكمة والاتهام بالكفر والزندقة.
وعلى مدار التاريخ الإنسانى، كانت هنا العديد من الكتابات التى تناولها البعض على إنها كتب تروج للإلحاد، لكن فى النهاية هى تحمل رؤى شخصية، وفلسفة علمية، حاول أصحابها تقديمها ومناقشتها، وخلال السطور التالية نسلط الضوء على بعض العناوين التى دائما ما تثير اللغط فى العصور الحديثة:
أصل الأنواع
كتاب أصل الأنواع
لعل "أصل الأنواع" لداروين أحد الكتب التى صاحبها الكثير من الغموض والتعقيد وافتقار الأدلة، ورغم أن داروين كان حذرًا فى الكشف ما يجول فى خاطره بشكل واضح وجازم، وقت إعداده لنظريته - التى استلمها الماديون - وقدموها فى الأوساط العلمية فيما بعد كنظرية فى مواجهة الدين المسيحى بصفة خاصة – والاعتقاد فى وجود إله بصفة عامة، علما لا يتحدث عن الدين ولا يقترب بحال من الأحوال من الإشارة ضمنا إلى الخلق وكيفيته ولا ينكر أى حقيقة دينية بل يذكر بين الحين والآخر كلمة (الخالق).
العلم المرح نيتشه
كتاب العلم المرح
أول مرة طرح فيها نيتشه فكرة "موت الإله" لم تكن فى إطار احتفالى، بل فى سياق شبه جنائزى، ففى كتاب "العلم المرح" الذى نشر عام 1882، ووصفه بأنه "أكثر كتبه شخصية"، قال: "لقد مات الإله. ونحن الذين قتلناه. كيف لنا أن نعزى أنفسنا ونحن قتلة؟ من كان أكثر قداسة وعظمة فى العالم نزف حتى الموت بسبب خناجرنا. من ذا الذى يمسح الدماء من على أيدينا؟ أى مياه تكفى لتطهير أرواحنا؟ أى طقوس تطهير مقدسة يجب أن نمارسها؟ أليس عظمة هذا الفعل كبيرة علينا؟ أيجب علينا أن نصبح آلهه فقط لنكون مستحقين لذلك؟».
تأثر إعلان نيتشه موت الإله بالثورة التى أحدثها عصر التنوير فى أوروبا، حين طُرحت فكرة أن الكون محكوم بقوانين الفيزياء، وليس من خلال قوة الإله. قتل الفلاسفة الإله من خلال رؤيتهم الواسعة للكون والنظريات العلمية الحديثة وتصاعد العلمانية فى أوروبا، قتلت الإله المعروف فى الأديان الإبراهيمية، والذى كان أساس المعرفة فى الغرب لآلاف السنين. رأى نيتشه أن أوروبا لا تحتاج إلهًا ليكون مصدرًا للأخلاق والمعرفة والقيمة. الفلاسفة والعلماء سيؤدون هذا الدور للبشرية.
مفهوم النص: دراسة فى علوم القرآن نصر حامد أبو زيد
كتاب مفهوم النص
لعل الجميع يعرف ما تعرض له المفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد، من اتهامه بالإلحاد والترويج له، واتهام أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد، والذى تسبب فى صدور الحكم التاريخى بالتفريق بينه وبين زوجته، بسبب ما يسمى بقانون الحسبة، ما جعل المفكر الراحل يتجه للعيش فى هولندا.
ويرى "أبو زيد" فى كتابه القرآن نص لغوى يمكن أن نصفه بأنه يمثل فى تاريخ الثقافة العربية نصا محوريا وليس من قبيل التبسيط أن نصف الحضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة النص، بمعنى أنها حضارة أنبتت أسسها وقامت علومها وثقافتها على أساس لا يمكن تجاهل مركز النص فيه وليس معنى ذلك أن النص بمفرده هو الذى أنشأ الحضارة فإن النص أيا كان لا ينشئ حضارة ولا يقيم علوما وثقافة، إن الذى انشأ الحضارة وأقام الثقافة جدل الإنسان مع الواقع من جهة وحواره مع النص من جهة أخرى.
"أبى أدم" عبد الصبور شاهين
كتاب أبى أدم
الدكتور عبد الصبور شاهين، تعرض لحملة تكفير على كتابه "أبى آدم"، والذى صدر بعد سنوات بسيطة من واقعة نصر حامد أبو زيد عام 1998م، والذى حاول من خلاله أن يفسر ما يبدو متناقضا بين الحساب الزمنى لعمر البشرية الذى يحسب بآلاف السنين فى مدونات الأديان وبين ما كشف عنه العلم من عثور على هياكل بشرية ترجع إلى عدة ملايين من السنين.
الكتاب فتح النار على "شاهين" وهاجمه العديدون منهم الدكتور زغلول النجار فى إحدى المناظرات التليفزيونية، كما أصدر الأزهر بيانا أكد عدم صحة ادعاءات ما ذكره كتاب عبد الصبور شاهين.
الكون يحاكم الإله عبدالله القصيمى
الكون يحاكم الإله
وعبدالله القصيمى، كاتب ومفكر سعودى الجنسية، بالرغم من شهرته الواسعة عانى من الكثير من الضغوطات بسبب آرائه المثيرة للجدل بسبب تغير فكره من السلفية إلى الإلحاد.
ينتقد القصيمى في كتابه تصور المتدينين للإله بصورة مشابهة للإنسان، ويصف الآثار السلبية لهذه التصورات على إمكانيات التفتح وعلى حياته الاجتماعية، ولكنه يتفادى فى بادئ الأمر التكلم عن الله، الله الواحد الأحد فى الدين الإسلامى ويستعمل بدلا من ذلك تعبيرا أحاديا هو "الإله" الذى يأتى أحيانا بصيغة الجمع أيضا "الآلهة"، والكتاب وثيقة نادرة لهذا التنازع الداخلى الشخصى جدا، هذا الشجار مع الإله مسألة قديمة فى الفلسفة العربية والتصوف.
حروب دولة الرسول سيد القمنى
حروب دولة الرسول
لعل هذا الكتاب بالتحديد هو ما ذكره الفنان محمود الجندى، إنه كان سببا فى اقترابه من الإلحاد فى فترة من الفترات، حيث صرح من قبل فى أحد لقاءاته التليفزيونية أنه ابتعد فى فترة ما من حياته عن الله، وبدأ يشك فى ثوابت الدين، وأن ابتعاده عن الله كان بسبب كتاب "حروب دولة الرسول" للمفكر سيد القمنى، أن هذا الكتاب جعله يشك فى الأحاديث النبوية وفى السيرة، مؤكدًا أنه لم يلحد، ولكنه ابتعد عن طريق الله.
ويعرض كتاب "حروب دولة الرسول" فكر مؤلفه سيد القمنى، وقراءاته الجديدة للمعارك التى خاضتها دولة الإسلام إبان تأسيسها فى العهد النبوى، وما ترتب عليها من نتائج أفرزت صراعات جديدة في سبيل الحرص على استدامة الدولة الناشئة وتقوية دعائمها، إزاء المناخ المعادي الذي أحاط بها.
الله والإنسان مصطفى محمود
الله والإنسان
كتاب" الله والإنسان "صاحب الجدال الاكبر الذى منع من التدوال فى المكتبات المصرية وما زال كذلك، والذى اتهم مصطفى محمود بالإلحاد بسببه، وأثار الكتاب عاصفة فكرية وبناء على تقرير من الأزهر قدم للمحاكمة، باعتبارها قضية كفر، واكتفت المحكمة بمصادرة الكتاب وحظر نشره وتداوله، رغم أن صاحبه نفى عن نفسه فيه تهمة الإلحاد حيث قال: "كانت لى شكوك إنسانية لكن كنت مع الله وأنا فى حالة شكى هذه".
وأوضحت الإفتاء في تقريرها «أن الكاتب تحدث عن الله تعالى حديثا ما كان يليق من كاتب مثله أن يتحدث عنه بهذه العبارات التى لا تليق ومن ذلك قوله إن الله فكرة فى تطور مستمر كما تدل على ذلك قصة الأديان".
