عائشة سلطان

تحت سماء القاهرة

الجمعة، 12 أبريل 2019 05:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وها انا اعود مجددا لزيارة القاهرة، اشتاق طقسها واجواءها ، ولهجة أهلها ، ومساحات التباين فيها ، اشتاق المشي في شوارعها الخلفية وأنا أتأمل بقايا عهود وحقب ، قصور ومدارس ومساجد وطرقات عبرها ملوك وقادة وجيوش وعلماء ونبلاء وأدباء ومغنين ومهرجين،   مدينة لا تُمَل ولا يكفيها الوقت لتراها كما يجب ، فإن أردت أن تراها لتعرفها حقا ، فاستحضر قلبك اولا، ثم اصطحب معك في سيرك ذاك أحد أبنائها العارفين بخفاياها وخباياها وأسرارها وبعدها انطلق ، وإلا فإنك ستسير فيها كسائح عابر جاء يلتقط صورا ليقول ذهبت ذات يوم للقاهرة ، وهنا يكفيك أن تشاهد فيلما عنها على اليوتيوب وتشتري صورا تذكارية من المتحف الوطني المصري !
 
القاهرة :فسيفساء التاريخ وعجائب الحضارة وتناقضات الإنسان : مئات المساجد والكنائس ، العشوائيات وبقايا قصور باشوات وأمراء تواروا في الزمن ، الأحياء القديمة ومدن الحداثة اللامعة ، المزارات والقلاع والموالد ، الشوارع التي تستظل بأسماء السلاطين والمماليك ، وبينما محمد علي باشا الألباني الذي أسس الدولة الحديثة في مصر يمتطي صهوة جواده وسط القاهرة متعاليا على كل شيء ، تتوارى اسطورة  الحسين  في مسجده المهيب خلف دموع المتبركين ودعواتهم وتوسلاتهم !نجيب محفوظ ترن ضحكاته في مقهى الحرافيش وفي مجلسه بفندق" شيبرد" الذي يبدو مهجورا اليوم ، ورمسيس الثاني يحرس محطته وميدانه بخلود الفراعنة المعهود ، بينما كليوباتره ملكة تحتفظ برأسها فاتنا عبر القرون ، اما السيدة زينب فتحيي مولدها كل عام بحلقات الذكر،ومهرجانات البهجة الملونة ، في المقاهي القديمة ينهدُّ التاريخ على المدى ، وفي الاسواق الحديثة ينزلق الزمن على زجاجها اللامع ،القاهرة حيث في كل خطوة تاريخ وعلى كل عتبة اسم فرعون او ملك او خليفة او قائد جيوش عظيم !
وحدها مصر جمعت كل اطياف الحضارة والميثولوجيا والسياسة والدين بسلام وامان طيلة قرون وقرون دون ان يسمع فيها قعقعة حروب اهليه او عبث صراعات طائفية ، فالمصريون متوضؤون بالوعي وعشق مصر بحكم التاريخ والولادة !
 
مصر التي يبتسم لك انسانها في احلك ظروفه راكضا يلبي لك ما تريد بكل خفة الروح واريحية ابن البلد الجدع ، مصر النيل العظيم والشمس الدافئة في عز الشتاء ، البلاد التي اخترعت الاديان واستدلت على التوحيد قبل كل الحضارات ، وأسست حضارة من الفراعنة والآلهة واساطير الخلود ومعابد التحنيط قبل ان يعرف ايا من البشر كل هذه المنظومة شديدة التغلغل في الذهنية الانسانية والمعاصرة !
 
وانا اتنقل في ارجاء المتحف المصري هالني التنوع والحجم المهول لمفردات الحضارة الفرعونية ، هالني دقة الصنعة والزخرفة وتوظيف الموارد المتاحة في انتاج التماثيل والمجسمات والادوات صغيرها وكبيرها ، الزينة بكل بساطتها وفخامتها ، الاثاث، المقابر والتوابيت ، حضارة زاخرة بكل شيء بدءا بخدم الفرعون وانتهاء بكهنته، اما الحضور الطاغي للثقافة الدينية بكل تجلياتها ورموزها فحدث ولا حرج !
 
لم تكن هناك الا اشياء نادرة لما له علاقة بالحياة الدنيوية ، وكأن ما سيطر عليهم كان حياة ما بعد البعث اكثر من الحياة التي عاشوعا برغم كل ما خلفوه وراءهم !
 
لقد بنيت الاهرامات الهائلة لتكون مقابر للملوك ، وقامت حضارة وادي الملوك لتمجيد المعابد ، اما ابوالهول فليس سوى رمز ديني يتكرر في كل العصور الفرعونية ، الحضارة التي تفردت بان صنعت لملوكها توابيت ومقابر افخم واعظم واقوى مما بنته لهم من قصور ، لذلك فليس غريبا ولا عجيبا هذا البعد الديني العميق في الشخصية المصرية ، وهذا الايمان بالدولة وسلطاتها ، ان هذا المصري البسيط الذي يعبر شوارع القاهرة لا ينوء كاهلة باعباء حياة صعبة وقاهرة ، بل ايضا بعبء من التاريخ لا يحمله الا انسان عظيم .









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محاسن احمد

مؤثر

مقال مؤثر جدا ، وقلم اعتبره كمتابعة اضافة جميلة لليوم السابع المحترمة . ارجو ان يستمر العطاء . استمتعت بقراءة المقال

عدد الردود 0

بواسطة:

ashraf4760

مقال جميل

اجمل ما في المقال انه ينظر الى جوهر الحقيقة لا الى ظاهرها وكل ذلك بأسلوب رشيق لا تمل منه.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة