سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 مارس 1969.. شعلة الفريق عبدالمنعم رياض تنطفئ بقذائف إسرائيل أثناء وجوده بين ضباطه وجنوده

السبت، 09 مارس 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 مارس 1969.. شعلة الفريق عبدالمنعم رياض تنطفئ بقذائف إسرائيل أثناء وجوده بين ضباطه وجنوده عبدالمنعم رياض على الجبهة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب الجيش المصرى، من بغداد، بعد حضوره اجتماعات لرؤساء أركان حرب جيوش الجبهة الشرقية، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مقاله «الجنود القدامى لا يموتون - الأهرام 10 مارس 1969»، مضيفا: «تابع معارك المدافع «مع إسرائيل» يوم السبت من مكتبه فى القيادة العامة، وصباح الأحد ركب طائرة هليكوبتر فى طريقه إلى أحد المطارات الأمامية للجبهة، ثم ركب سيارة عسكرية معه فيها مرافق واحد غير الجندى الذى يقود السيارة، وانطلق يطوف بالمواقع فى الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل فى ذاكرته الواعية، وفى أحد المواقع التقى بضابط شاب، وكانت حماسته للشباب مفتوحة القلب ومتدفقة، وقال له الضابط - ولم يكن هدير المدافع قد اشتد بعد- سيادة الفريق.. هل تجىء لترى بقية جنودى فى حفر موقعنا؟، قال رياض، بنبل الفارس الذى كانه طول حياته، وبالإنجليزية التى كانت تعبيرات منها تشع كثيراً سلسة وطيعة على لسانه: «Yes. By all means- أى: نعم، وبكل وسيلة».
 
يضيف هيكل: «توجه مع الضابط الشاب إلى أكثر المواقع تقدماً، المعروف برقم 6 بالإسماعيلية، وفجأة بدأ الضرب يقترب، والنيران تغطى المنطقة كلها، وكان لابد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود فى الموقع، وكانت الحفرة التى نزل إليها تتسع بالكاد لشخصين أو ثلاثة، وانفجرت قنبلة للعدو على حافة الموقع، وأحدث انفجارها تفريغ هواء مفاجئاً وعنيفاً فى الحفرة التى كان فيها، وكان هو الأقرب إلى البؤرة التى بلغ فيها تفريغ الهواء مداه، وحدث له شبه انفجار فى جهاز التنفس، وحين انجلى الدخان والغبار كان مازال حيث هو، وكما كان، إلا تقلصات ألم صامت شدت تقاطيع وجهه المعبر عن الرجولة، ثم خيط رفيع من الدم ينساب هادئاً من بين شفتيه، وتنزل قطراته واحدة بعد واحدة على صدر بدلة الميدان التى كان يرتديها بغير علامات رتب، كما كان يفعل دائماً حين يكون فى الجبهة ووسط الجنود، ولم يكن لدى أطباء المستشفى فى الإسماعيلية وقت طويل للمحاولة، برغم أمل ساورهم فى البداية، حين وجدوا جسده سليماً بلا جرح أو خدش، لكنها خمس دقائق لا أكثر ثم انطفأت الشعلة، وتلاشت تقلصات الألم التى كانت تشد تقاطيع الوجه المعبرعن الرجولة، لتحل محلها مسحة هدوء وسلام، ورضى بالقدر واستعداد للرحلة الأبدية إلى رحاب الله يوم 9 مارس - مثل هذا اليوم 1969».
 
عاش عمره «49 عاما» بلا زواج «مواليد 22 أكتوبر 1919»، واختاره جمال عبدالناصر رئيسا لأركان الجيش بعد نكسة 5 يونية 1967، واختار الفريق محمد فوزى وزيرا للحربية، ليقودا عملية إعادة بناء الجيش لخوض معركة تحرير الأرض.. وينقل هيكل قول فوزى له: «عبدالمنعم ليس له مثيل، لم يكن فى الاستطاعة أن يكون لى رفيق فيما كلفت به غيره».. وهو وفقا لمحمود عوض فى كتابه «اليوم السابع - الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف»: «لم يكن ضابطا عاديا منذ بدايته، كان عاشقا للعسكرية المصرية، مؤمنا بأنه لا حياة لمصر بغير جيش قوى يحميها، والجيش القوى الذى يستعد لحرب قادمة وليس لحرب سابقة، يعنى التبحر فى العلم العسكرى، يعنى أن يصبح القائد قدوة بسلوكه وليس بكلماته.. لا يقول لجنوده تقدموا وإنما يقول لهم اتبعونى».. يؤكد هيكل: «كان يقدر أهمية العلم فى أى معركة، وظل إلى آخر يوم فى حياته طالب علم، وذلك أعظم ما يمكن أن يكونه أى إنسان مهما علا قدره وارتفع مقامه».
 
يذكر هيكل: «تعدد مصادر دراساته، فى بريطانيا والاتحاد السوفيتى، واستخدامه لأكثر من لغة، الإنجليزية والفرنسية والروسية كلها بطلاقة إلى جانب العربية بالطبع أتاح له فرصة رحبة غير مقيدة.. كان المتتبع لتفكيره يلحظ أشياء كثيرة تتبلور مع كل يوم وتتحدد أكثر: بدأت معرفته بالعالم العربى وحديثه عنه، وتصوره لإمكاناته، وبدأت حساباته لقدرات الجندى العربى والضابط العربى فى كل جيش من الجيوش العربية، ثم بدأ تفكيره الاستراتيجى يرسم الصورة».
 
لم يقتصر علمه على العلوم العسكرية وفقط، وإنما كان مثقفا، متذوقا للشعر العربى والموسيقى العربية.. يذكر عبدالتواب عبدالحى فى كتابه «عبدالمنعم رياض - نسر مصر حيا وشهيدا - دار الهلال - القاهرة»، أنه أقيم له عشاء فى «كازينو كسرى» ببغداد مساء 6 مارس 1969، وكان صوت أم كلثوم ينطلق من الراديو وهى تشدو برائعتها «الأطلال» مما فرض حالة من الشجن، وتوقف أمام مقطع: «واثق الخطوة يمشى ملكا/ ظالم الحسن.. شهى الكبرياء/ عبق السحر كأنفاس الربى/ ساهم الطرف كأحلام المساء»، وقال: «قرأت كثيرا من الشعر قديمه ومعاصره، ولم أتذوق فى أشعار الغزل أحلى من هذين البيتين، تأملوا حسن الحبيب عندما يطغى لدرجة الظلم».. يؤكد عبدالحى: قارن بين أشعار «رامى» و«ناجى» فى شعر الغزل والحب، وانتبه الجميع إلى كلمات الرجل بكل رقتها وجمالها، وعلق ضابط عراقى كبير قائلا: «سيدى الفريق، ما فتحنا للحديث موضوعا، إلا وجدناك بحرا فيه».. وفى يوم 10 مارس احتشد مئات الآلاف لوداعه، فماذا فعلوا؟









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة