خالد عـزب يكتب: حدث فى برايتون.. رواية تتجاوز أحداثها

السبت، 09 مارس 2019 06:00 ص
خالد عـزب يكتب: حدث فى برايتون.. رواية تتجاوز أحداثها غلاف الرواية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر عن سلسلة روايات الهلال رواية "حدث فى برايتون" للدكتور سامح فوزى المختص فى العلوم السياسية، وهى رحلة إلى مدينة إنجليزية تستدعى من الذاكرة على الفور رائعة الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال".

الرواية تجسد بطولتها باحثة مصرية جاءتها منحة فى جامعة "ساسكس" بمدينة برايتون فى بريطانيا، الراوى جسد لحظة تلقى الباحثة خبر فوزها بمنحة الحصول على الماجستير والدكتوراه على النحو التالى "........ الخبر وقع عليها بمثابة زلزال رغم أنها سعت وراء المنحة سعيا حثيثًا. استكملت الأوراق، وحصلت على خطابات توصية من أساتذة لهم علاقات أكاديمية مع نظراء لهم فى بريطانيا، وتراسلت مع الجامعة على مدار شهور. ردت على تساؤلاتهم، وحصلت على إجابات على تساؤلاتها. كانت مهيأة للخبر السار، الذى ما أن حدث حتى سرت بداخلها فرحة مؤقتة ابتهج لها قلبها، ثم سرعان ما ألم بها خوف وحيرة. يتلازم عادة الفرح والخوف فى المواقف المصيرية. يشبه تأرجحها بين فرح وخوف موقف المرأة التى تمضى شهورا تسعة فى الحمل ثم ما أن تأتى ساعة الولادة حتى تشعر بخوف كيانى يدب فى أعماقها. نعم يختلف انتظار الأمر عن حدوثه، التفكير فى الحدث شيء أما تحوله إلى واقع فهو شىء آخر".

الفتاة عندما سافرت إلى "برايتون"، والتحقت بالجامعة، ورأت حياة المدن الجامعية فى بريطانيا ما بين الصخب والجد، العلم والمتعة، مرت بأزمة نفسية، ويجسد فى أحد الفقرات الراوى هذا الصراع النفسى على النحو التالى "...... انشغلت بالتفكير فى الحياة. أدركت أن بها اختيارات عديدة، وفرص للاستمتاع لا تجرح قيمها أو تنال من اخلاقها. طرحت على نفسها تساؤلات عديدة. السعادة ضرورية، لماذا أعيش خائفة، والعالم من حولى سعيدا؟ لماذا أشعر بالاضطراب وقلة الحيلة؟ لماذا لا أثق فى نفسي؟ هل شكل التقوى الذى أحرص عليه يتناسب مع صراع الرغبات المكبوتة فى أعماقي؟ هل كل الناس حولى مخطئين، بينما أسير وحدى فى جدة الصواب؟ أسئلة كثيرة ماج بها عقلها، واختلطت مشاعر ملتبسة فى أعماقها..."

هنا نراها تبحث عن نفسها وسط زميلاتها فى الجامعة، لتكتشف ذاتها العميقة، ولتحاول الاندماج فى مدينة "برايتون" لنرى الراوى ينقل لنا رؤيتها للمدينة ضمن سياق سرده على النحو التالى "... فى إمكانك أن تستخدم مواصلات عامة دون أن تخشى من تحرش أو تطفل، وتجلس فى حديقة لا يزعجك شخص سمج يبيع لك مياه غازية بإلحاح، تجد طريقا طويلا ممهدا على الشاطئ حارة منه للدرجات وأخرى للمارة تستطيع أن تمشى فيها بحرية دون خوف من عشوائية مرور أو رصيف غير مستو، يكفيك "أيس كريم" بجنيهين استرلينى من أمام الملهى الضخم على بحر برايتون حتى تشعر بسعادة. الحياة طريقة، هناك من اختار التعاسة نهجا وهناك من ارتمى فى أحضان السعادة. بدت الأسئلة المتلاحقة مثل المطرقة تنهمر على رأسها، لكن النوم كانت له الكلمة العليا فى النهاية".

لنجدها بعد ذلك تنطلق فى المدينة لتقدم لنا وصفا لهذا الانطلاق على النحو التالى "....استيقظت كعادتها فى الثامنة صباحا، لم يكن لديها محاضرات تضطر إلى حضورها. توضأت وصلت ثم ارتدت ملابسها وقررت أن تعود إلى قلب المدينة مرة اخري. كان يوما عاديا، لم تشرق فيه الشمس إلا قليلا، ولم تبرح الغيوم السماء، لكن المناخ كان جافا لم يشهد أمطارا. لم تتناول الافطار، واسرعت الى محطة الاتوبيس القريبة من سكنها. انتظرت دقائق حتى جاء الأتوبيس، لم تطلب تذكرة عادية، ولكن طلبت تذكرة مخفضة لمن يريد أن يستخدم الاتوبيس فى المدينة كلها عدة مرات فى غضون نفس اليوم. صعدت إلى الطابق العلوى من الاتوبيس أملا فى أن ترى الطريق واضحا من أعلي، وكم عاشت زمنا لا ترى سوى حياة ضبابية متناقضة من أسفل. مضت عشرون دقيقة ترى فيها شارع "لويس" المؤدى إلى قلب برايتون بعيون مختلفة. لقد مرت فيه مرات، لكن هذه المرة تراه مختلفا، مما يزيد من الشعور بالتناقض بداخلها. الاتوبيس فى محطة خلفها محل "سينسبري"، يضغط السائق على زر أمامه، فيتخلى الاتوبيس عن ارتفاعه، وتنحنى الدرج الامامى منه أمام معاق على كرسى متحرك. يعيش حياته كما لو كان انسانا سليما، لا يطلب مساعدة من أحد، ولا يطلب من آخر أن يدفعه بالكرسى إلى الإمام أو يدعو أكثر من شخص لحمله حتى يستطيع أن يجد مكانا فى اتوبيس لم يخصص لمساعدته. الحياة تتدفق بشكل طبيعى دون أن يشعر أحد بعجز أو ضآلة. لم يعد العجز آفة بقدر ما هو ظرف خاص - يُمكًن المجتمع بأرصفته ومبانيه ومواصلاته ونظرة سكانه- صاحبه من أن يعيش بشكل طبيعى دون أن يصبح عالة على أحد. سرحت بعض الشيء فى رؤية المعاق المبتسم الذى استقل الاتوبيس، استيقظت قرب المحطة على ناصية "شارع لندن" الذى يبعد عن شاطئ البحر مسيرة ربع ساعة أو بضع دقائق بالأتوبيس. هنا تفيد تذكرة الاتوبيس المخفضة اليومية حاملها فى سرعة التنقل بين الأماكن المتناثرة.

مضت فى الشارع المتسع تتأمل محلاته، دلفت إلى السوق الذى يبدو نظيفا، مهندما، مرتبا، لا فوضى فيه، ولا روائح كريهة تزعج زواره. احتست قهوة باللبن، وتناولت أحد المخبوزات الانجليزية الطازجة الشهية، وقررت أن تواصل مسيرة التعرف على "برايتون" على الأقدام، وكلما شعرت بتعب تستخدم الأتوبيس. على بعد عشرة دقائق من المشى المتواصل وجدت ميدان "بول فالي"، أول من رأته عند مجيئها لأول مرة. جلست على أحد المقاعد الرخامية أمام النفورة، ثم عرجت على الطريق الممهد على طول البحر.. مسار للمشي، وآخر للدرجات، ومقاعد للاستراحة، ودرج يحملك لأسفل لتجد نفسك فى مواجهة البحر مباشرة بكل عنفوانه. شاطئه يكسوه الحصى متعدد الاحجام والأشكال والالوان، يشير إلى تنوع عجيب، واتساع أفق يستوعب كل قاصد له أيا كان مبتغاه. سارت على شاطئ البحر، ثم عادت مرة أخرى إلى شارع "الملوك" المواجه له. توقفت أمام محل "سمك"، وحصلت على وجبة من السمك والبطاطس ذات الشهرة الشعبية بأربعة جنيهات إسترليني، ثم مضت فى طريقها بأتوبيس آخر إلى "مارينا" وهو مرفأ صغير تتجمع فيه المراكب، يحوى مطاعم ومتاجر طريفة، وقد بدأ الغروب يداعبها بنسائم باردة، فقررت العودة إلى سكنها".

بدأت تتغير شخصيتها إلى شخصية أخرى يرصد الراوى هذا التغيير على النحو التالى "...... لم تتخل عن الخوف تماما لكن سمحت لعقلها بهامش من التفكير. قررت أن تدخل مرحلة التعايش السلمى بين الذات العميقة والذات الجديدة داخلها. بدأ الثقب يتسع فى جدار حياتها الجامدة بمرور الوقت. لم تعد تفر بعد المحاضرات بل تبقى بعض الوقت للحديث مع زميلاتها وزملائها. لم تتخل عن حجابها لكنها اختارت غطاء رأس لافت على الموضة يختلف عن الشكل الريفى الذى ظلت عليه. لم تهجر صلاتها ووردها اليومي، لكن اختارت أن تعرف الحياة من منظور لا يقتصر على الحلال والحرام، بل يدرك الثقافة بمعناها الأوسع. تغيرات كثيرة طرأت على قائمة اهتماماتها اليومية. بدلا من السباحة فى محرك البحث الالكترونى تنقيبا عن مواقع تنشر الفتاوى لتنظيم أحوال المسلمين فى الغرب، بدأت تبحث عن مواقع فى العلاقات الانسانية، والارشادات النفسية، والأبراج، وتتبع بعض مظاهر الفنون المتنوعة".

الرواية إذن هى مسيرة تحولات شخصية لفتاة نجحت فى تحقيق النجاح لكن طورت من نفسها، وازدادت ثقة فى ذاتها، ظهر هذا حين عادت لمصر، واستقرت فى القاهرة، بعيدا عن أسرتها، لترتقى فى عملها وحياتها، تزوجت وانفصلت، واتجهت إلى تربية ابنتها ذاتا مستقلة، وظلت "برايتون" المدينة المتيمة بها، تحبها، وتبادلها الحب.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة