أعلن رئيس مجلس النواب، الدكتور محمد توفيق رفعت باشا، فى جلسة 7 مارس، مثل هذا اليوم، 1932، عن طلب استجواب مقدم من النائب الدكتور عبد الحميد سعيد، ضد وزير المعارف «حلمى عيسى باشا»..وكانت الحكومة برئاسة إسماعيل صدقى باشا، حاضرة باستثناء وزير الزراعة.. وبعد قراءة الطلب، دار الجدل حول موعد مناقشته.
كان عبد الحميد سعيد، نائبًا للحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، ومؤسس لجميعة «الشبان المسلمين عام 1927، ويصفه الدكتور يونان لبيب رزق فى «طه حسين ومعركة استقلال الجامعة-الأهرام-17 يوليو 2003»، قائلًا: «من المشهورين بمحافظتهم وعدائهم للتجديد»، ويضيف: «قامت حكومة إسماعيل صدقى باشا بالإيعاز إليه ليتقدم باستجواب لوزير المعارف يعدد فيه ما ارتآه سواءات طه حسين».. ووفقا للدكتور أحمد زكريا الشلق فى كتابه «طه حسين–جدل الفكر والسياسة»: «وقع على الطلب عشرة نواب آخرين منهم نائبان آخران عن الحزب الوطنى المؤتلف مع الحكومة، وثمانية نواب الحكوميين».. وحسب مضبطة الجلسة، فإن نواب الحكومة هم، سليمان محمد خضر، محمود الجيار، عبد الحميد البرادعى، شعبان الكاتب، محمود أسعد، على على بسيونى، يحيى سليم أبو سحلى، أحمد الشاذلى.. أما نائبا الحزب الوطنى فهما حافظ رمضان، عبد العزيز الصوفانى.
جاء طلب الاستجواب بعد زيارة الملك فؤاد إلى الجامعة المصرية يوم 27 فبراير1932، وأحدثت جدلًا كبيرًا بسبب رفض طه حسين طلب وزير المعارف بتنفيذ رغبة الملك بمنح الدكتوراه الفخرية لأجانب ومصريين، ورغم أن الحكومة نفذت ما أرادت، إلا أن يوم الزيارة أغضب الملك، فحسب الدكتور رؤوف عباس فى كتابه «جامعة القاهرة–ماضيها وحاضرها»: «عندما أقيم الحفل بحضور الملك، لم يلق أحمد لطفى السيد «مدير الجامعة» كلمة ترحيب كما جرت العادة، ولزم الأساتذة المصريون الصمت، فلم يلق أحدهم كلمة، ولعل ذلك كان احتجاجًا»، ويذكر حافظ محمود «أول نقيب لنقابة الصحفيين المصرية» فى رسالة منه إلى صبرى أبو المجد نشرها فى كتابه «ما قبل الثورة»: «لما وجد الملك بين أساتذة الجامعة الذين وقفوا فى استقباله الدكتور طه حسين تعمد ألا يصافحه كما صافح الآخرين.. ثم التفت إلى وزير المعارف حلمى عيسى باشا وقال بصوت خفيض: «هو ده لسه هنا»، وكانت هذه العبارة كافية لانتحال أسباب إخراج طه حسين من الجامعة»، وحدث ذلك يوم 3 مارس 1932 حيث تم نقله إلى وزارة المعارف.
ألقت هذه التطورات بالشبهة على هدف طلب الاستجواب، ووفقًا لمضبطة الجلسة احتوى على ثلاث قضايا هى حسب نصها: «1-لقد شكرت الأمة لمعالى وزير المعارف موقفه فى رعايته تعاليم الدين وتقاليد البلاد، وبدأ تنفيذ ذلك فعلًا، فأغلق معهد التمثيل والرقص التوقيعى الذى كان لوجوده مساس مؤلم بآدابنا العامة وتقاليد الدين، ولكننا دهشنا حينما اطلعنا على صورة نشرت بالعدد 16959 من جريدة الأهرام تمثل طلبة كلية الآداب حول عميدهم الدكتور طه حسين، وجلست كل شابة إلى جانب شاب، وذلك بعد أن صرح معالى الوزير بأنه لايسمح بالاختلاط الجنسى فى معاهد التعليم، فكيف وقع هذا إذن؟ وكيف تستمر وزارة المعارف على عدم احترام الشعور الدينى والآداب القومية؟
2-علمنا فوق ذلك أن بعض أساتذة الجامعة امتنعوا عن التدريس هذا العام بكليات الأزهر الشريف، وعلمنا أن الغرض هو محاربة هذا المعهد الإسلامى العظيم مهبط طلاب العلم من مختلف الشعوب الإسلامية، فإذا كان هذا صحيح فكيف سكتت عنه وزارة المعارف؟.
3- مما يؤلمنا أن الدكتور طه حسين المسؤول المباشر عن جميع ذلك معروف بمصادمة آرائه نصوص القرآن الكريم، والعقائد الدينية، وظهر عداؤه للإسلام فى كثير من تعاليمه وآثاره، منها كتاب«الشعر الجاهلى»الذى ضجت عند صدوره البلاد بأسرها، ولايزال هذا الكتاب يدرس فى الجامعة بعنوان «فى الأدب الجاهلى»، ولكن تغيير العنوان لم يغير شيئا من روحه اللادينية، فإن السموم التى أراد أن ينفثها فى كتابه لاتزال ماثلة فى كثير من فصوله ومباحثه، كما أنه قد زين للشبان وسائل المجون والفجور فى مؤلفه «حديث الأربعاء»، ولايمكن للأمة أن تطمئن إلى وعوده المتكررة بالعدول عن هذا السبيل المعوج فسوابقه لاتشجع على تصديقه، وهذه جامعة أميرية مصرية من أعمال دولة دينها الرسمى الإسلام لانريد مطلقًا أن تخفى حركة التعليم بين جدرانها أغراضا سيئة كتلك الأغراض المخزية التى بدت للأمة عيانا من بعض المعاهد الأجنبية التى تتخذ التعليم ستارا للتضليل، فكيف سكتت وزارة المعارف عن ذلك كله، ولم تحرك ساكنا، وكيف تسمح أن يكون ذلك الرجل عميدا لكلية الآداب بالجامعة المصرية بعد أن انفضح أمره وضجت الأمة من خطر تعاليمه وآرائه التى لاتقل عن خطر دعاة التنصير فى البلاد؟».
بعد قراءة طلب الاستجواب،طلب وزير المعارف موافقة المجلس أن تكون مناقشته بعد أسبوعين،فتحدد يوم 21 مارس،ثم تأجل إلى يوم 28 مارس 1932.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة