فى تاريخ الثورات الشعبية، هناك أبطال خلف الكواليس، لا تخلدهم الكتب أو الدراسات أو الأعمال الفنية، كغيرهم ممن يخلدون بصفتهم أبطالا بتلك الثورة الشعبية، ولعل من بين هؤلاء يأتى ذكر السيدة دولت فهمى، فرغم تناول سيرة الفدائية سالفة الذكر فى عدد من الكتب والأعمال، لكنها لم تكن بالقدر المستحق لما قامت به من دور بارز فى ثورة 1919.
تلك السيدة التى دفعت جزء من سمعتها وحياتها، من أجل الثورة وأبطالها، حيث كانت تعمل مع التنظيم السرى للثورة والذى أطلق عليه اليد السوداء، وكان عملها السرى سبباً أساسياً فى أن أحداً لم يعرف من هى دولت فهمى، فقد كان العمل كله يتم فى سرية تامة.
وفى شهر مارس من كل عام يحتفى العالم بالمرأة، حيث يتم الاحتفال بيوم المرأة العالمى فى يوم 8 مارس سنويًا، ويوم 16 مارس بيوم المرأة المصرية، بجانب الاحتفال بيوم الأم يوم 21 مارس، ويشهد الشهر نفسه هذا العام الاحتفال بالذكرى المئوية على قيام ثورة 1919.
وفى إطار الاحتفال بتلك المناسبتين يوم المرأة العالمى ومئوية ثورة 1919، نسلط فى التقرير التالى الضوء على واحدة من أبطال الثورة المنسين، وهى السيدة دولت فهمى.
و"دولت" هى سيدة مصرية من المنيا، انتقلت للعيش فى القاهرة وعملت ناظرة بمدرسة الهلال الأحمر القبطية للبنات، وكانت لها دور بارز فى ثورة 1919، فبحسب ما يذكره الكاتب الصحفى مصطفى أمين فى كتابه "الكتاب الممنوع - أسرار ثورة 1919"، فإن دولت فهمى كانت لها يد فى الإفراج عن عبد القادر محمد شحاتة أحد أعضاء التنظيم السرى آنذاك، فبعد أن تم القبض عليه بتهمة الانضمام للتنظيم، إذ به يتلقى رسالة من الجهاز السرى، بأن سيدة تدعى دولت فهمى، سوف تتقدم بشهادة بأنها عشيقته، وأن ليلة القبض عليه كان عندها بالمنزل، حيث يتذكر شحاتة: "دخلت سيدة حسناء إلى غرفة النائب العام، وإذا بدولت هذه تهجم على، وتقبلنى وتنادينى: يا حبيبى.. يا حبيبى"، ورغم حكم المحكمة عليه بالإعدام إلا أن الحكم تم تخفيفه واستبدل بالأشغال الشاقة المؤبدة طوال الحياة، وكان عمره وقتها 21 عاما، أمضى منهم أربع سنوات فى سجن طرة، حتى أفرج عنه سعد زغلول فى 11 فبراير 1924.
الغريب أن دولت دفعت حياتها نتيجة ذلك التصرف، فرغم ما يحمله فى باطنه من ثورية وفدائية كبيرة، إلا أن عائلتها رفضت اعترافها بعشق رجل آخر، فبحسب ما ذكره الكاتب الصحفى الكبير سعيد الشحات فى كتابه "ذات يوم"، فإن الروائى أحمد مراد فى سرده الروائى لدراما "دولت فهمى"، فى روايته "1919" قال إن شقيقها أخذها من القاهرة.. "ترجرج القطار بهما حتى المنيا.. نزلا فأركبها حمارا استأجره ومشى بجانبها.. رحلة قاسية وقف فيها مرة واحدة تحت ظل شجرة جميزة ليريح الحمار.. هناك بدأت تتحدث، أقسمت أنها عذراء.. طاهرة نقية بلا دنس.. وأن ما قالته فى التحقيق كان من أجل إنقاذ رجل من الموت.. اتهمها بالعشق، فأقسمت بالنفى.. ثم حكت ثانية فلم تخترق كلماتها الطين المالئ أذنيه.. أصم لم يلتفت.. لم ينفعل"، وتابع "حبسها فى زريبة، ثم جرها إلى الجهة الغربية حيث المقابر المهجورة، قبض على مقدمة شعر رأسها جذبه فأوجعها قبل أن يمرر السكين على رقبتها ليشقها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة