أكرم القصاص - علا الشافعي

د. أحمد الصياد

"إيران" ذلك الهاجس الغامض! (2)

الثلاثاء، 05 مارس 2019 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في إطار محاولات كشف ما يغطي النظام الإيراني من غموض، فضلاً عن استيعاب حقيقة وطبيعة الصراع بين أجنحته، يمكن فهم استقالة وزير خارجية إيران، جواد ظريف، ثم رفضها. وما أثاره ذلك من رؤي تسعي إلي كشف الغموض الإيراني المثير لا يزيد الدولة الدينية إلا بُعداً واغتراباً عن واقع المجتمع الدولي المعاصر. 
 
   وإذا كان الغموض الإيراني مُتعمداً لأسباب عدة، وهو جزء من إستراتيجية إيران؛ فإن صراع أجنحة النظام الإيراني المغلق تمثل بالفعل خطراً كبيراً علي صمود إيران في مواجهة ما تجابهه من عقوبات جراء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي (5+1) الذي تم توقيعه في صيف 2015 بمدينة لوزان السويسرية، ورفض ترامب الالتزام به، بينما استمرت كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا علي التزامها بالاتفاق، لا عن ثقة في إيران قدر ما هو تعبير عن خلافات أوروبا مع سياسات ترامب.
 
   ولا شك أن "ظريف" يمثل الوجه الباسم المعتدل في النظام الإيراني، وهو مهندس اتفاق (5+1) النووي، واستُقبل كالأبطال في طهران عقب توقيع الاتفاق. ومن ثم فهو قريب من الغرب، ولو بشكل نسبي. وللرجل كلمة مُعبرة ألقاها ضمن محاضرة له في طهران الخميس الماضي (28 فبراير 2019)؛ إذ قال: "إن هؤلاء المعجبين بالغرب لا يمكنهم المضي قدماً في الحياة بدونه، بالمقابل لدينا الكارهون للغرب أيضاً، وكلاهما محور حيلاتهم حول الغرب"!.
 
   وكجزء من محاولات كشف غموض النظام الإيراني، تشير وفرة من التحليلات السياسية، بعضها إيراني!، إلي أسباب شتى للاستقالة، ودواعي متنوعة لرفضها!. وبإيجاز عن ذلك أقول:
 
- مقربون من "ظريف" قالوا أن استقالته جاءت اعتراضاً علي تجاهله في زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران مؤخراً!، حتى أنه لم يُدعي إلي الاجتماعين اللذين جمعا الأسد مع المرشد الأعلي "علي خامنئي"، والرئيس الإيراني "حسن روحاني"، علي التوالي. وبالفعل كان "ظريف" قد صرح بعد لقائي المرشد وروحاني مع الأسد:"عقب انتشار صور اجتماعات اليوم، لم يعد لجواد ظريف قيمة أمام العالم كوزير للخارجية"!. والواقع أن منطقاً سياسياً موضوعياً، ندرك به أن تجاهل "ظريف" كان نتيجة صراع الأجنحة الإيرانية، لا أن يكون سبباً في حد ذاته لاستقالته.
 
- محللون غربيون أشاروا إلي أن استقالة "ظريف" تأتي استعداداً لبدء إيران مرحلة جديدة، لا مهادنة فيها للغرب، خاصة بعد انسحاب من واشنطن من الاتفاق النووي (5+1)، وتزايد وطأة العقوبات الأمريكية علي النظام الإيراني.
 
وهو ما يعتبره الجناح المتشدد في إيران فشلاً يُعلق في رقبة "ظريف". غير أن استمرار بقية الدول الموقعة علي الاتفاق يُعد نجاحاً لابد وأن يُحسب للرجل، مع خصم خلافات أوروبا ـ ترامب من درجة نجاح "ظريف"!.
 
- تمتد التحليلات المُغرقة في عمق صراع الأجنحة الإيرانية إلي حد استشراف مصير مماثل قد يتعرض له الرئيس الإيراني "روحاني" نفسه، وهو الرجل الوسطي الذي اختار "ظريف" عند توليه الرئاسة في أغسطس 2013، ورأي فيه وجهاً باسماً يواجه به الغرب بعيداً عن عبوس الأجنحة المتشددة في بلاده. وهنا لا أملك قناعة حقيقية بسير الأمور في هذا الاتجاه؛ ذلك أن رحيل "روحاني"، وطبيعي أن يرحل معه "ظريف"، يكشف إيران ويُجلي تشددها إلي حد سافر لا تُطيق طهران توابعه، خاصة وقد أفادها خلاف أوروبا ـ ترامب. يؤكد ذلك ما تلقاه ظريف من ترضية، حتى أن رفض الاستقالة جاء بالقطع بإيحاء من المرشد الأعلي.
 
- ورأياً وجيهاً يسوقه بعض المحللين؛ إذ يرون أن استقالة "ظريف" تعبر عن فشل النظام الإيراني في تحقيق وعوده للشعب بعد نحو أربعين عاماً من الثورة الإيرانية في عام 1979؛ خاصة وأن نصف الشعب الإيراني تقريباً يعيش تحت خط الفقر!. ويدلل أصحاب هذا الرأي، الذي أراه متحضراً أكثر مما يحتمل النظام الإيراني المغلق، بأن "ظريف" كان قد أعلن عن استقالته عبر أنستجرام، غير المحظور في إيران، مشفوعاً باعتذار للشعب عن أي تقصير!. 
 
   علي هذا النحو، يتمتع النظام الإيراني بغموض متفرد بين الأنظمة السياسية المعاصرة، ما يؤكد غُربة "الدولة الدينية" عن صحيح المفاهيم والقيم المعاصرة السائدة. وغير ذلك لا تصدق تصريح الرئيس الإيراني "روحاني" حين أتبع رفضه لاستقالة "ظريف" بتصريح ينافس لقب وزير خارجيته لطافة وخفة؛ إذ قال: "علي جميع الأجهزة الحكومية والسيادية الإيرانية أن تكون علي تنسيق كامل مع وزارة الخارجية"!!.
   وإلي الأسبوع المقبل بإذن الله.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة