لفتنى «حديث الأبراج» بشدة، فالنعى على بناء الأبراج أصبح لبانة فى أفواه بعض الرافضة، يرفعون سقف الرفض للأبراج إحباطا لسكان البدرومات ويجدون تصديقا، وحديثهم يجد رواجا بين طيبين لم يروا أبراجا فى حياتهم سوى برج القاهرة، ولايزال يدخل تحت بند الروائع المعمارية السياحية.
بين المصريين والأبراج علاقة غير ودية، مفارقة نفساوية بينهم وبين الأبراج العالية، لا يستسيغونها بالكلية، ويحفظون عن ظهر قلب مقولة فى فيلم صلاح الدين، «اللعنة على الأبراج»، يلوكونها وهم محصورون فى قعور بيوت ضيقة تكاد تحطم ضلوعهم، صارت الأبراج محل رفض ظاهر فى المنتديات، وهناك من يلعب على سطح البرج ليثير العامة عند الجراج.
مصادفة أن يعلن صلاح عمرو القاضى، الرئيس التنفيذى لشركة «سيتى إيدج» المصرية للتطوير العقارى، أن مبيعات شركته سجلت 11.1 مليار جنيه فى أبراج العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
المبيعات فى الأبراج بلغت 9 مليارات جنيه بالعلمين الجديدة موزعة بواقع 8.5 مليار جنيه عن 2018، و500 مليون جنيه خلال العام الجارى، ومبيعات المنصورة الجديدة بلغت 2.1 مليار جنيه مبيعات موزعة بواقع 1.5 مليار جنيه خلال 2018، و600 مليون خلال العام الجارى.
هذه الأرقام المتحققة تعنى أن زراعة الأبراج عكس المتصور ضيقا تنتج المليارات، وأن الأبراج فى المدن الجديدة لها زبائنها، ويدفعون فيها الملايين، وتدر دخلا بالمليارات، وتعوض الإنفاق الحكومى على البنية الأساسية فى المدن الجديدة ذات الأبراج، وتزيد العوائد المتحققة لتصب فى الإنفاق على مشاريع الفقراء، على تمويل الإسكان الاجتماعى فى ربوع البلاد من روضة السيدة حتى غيط العنب.
بدون استثمار الصحراء ما كانت المدن الجديدة، وبدون المدن الجديدة ذات الأبراج، من أين لنا تمويلات لمشروعات إسكان اجتماعى على الأرض منظورة لكل ذى عينين منصفتين، من أين لنا تمويلات تسد الفجوة السنوية فى الإسكان الشعبى التى بلغت 1.8 مليون وحدة سكنية؟
الأبراج ليست رفاهية فى دولة فقيرة، ولا رغبة ملحة فى تسجيل رقم فى موسوعة جينيز للأرقام القياسية، بل فلسفة معمارية معتمدة فى التوسع الرأسى فى المدن الجديدة التى تتمدد أفقيا، ليست بنايات فى الهواء كما يصورها البعض فى مخيلته الأرضية، ولكنها مليارات مستثمرة تولد مليارات متوقعة، وأعلاه فى حديث الرئيس التنفيذى لشركة «سيتى إيدج المصرية»، نموذج ومثال.
يختلف الوطنيون، وهذا من طبائع الأمور، ويرفض الرافضون وهذا سياق محتمل فى الحوار الوطنى، ولكن الرفض للرفض، رفض الأبراج فقط لأنها أبراج، أو الرفض تأسيسا على مناخ طبقى رافض لكل ما يشير إلى ثراء الأثرياء وفقر الفقراء، أو لإشاعة جو من الأحقاد الطبقية، أو العدمية على طريقة وأنا استفدت إيه، ومن ذا الذى سيسكن الأبراج؟
أعتقد أن الحكومة لا تروج لمشروعاتها جيدا فى السياقات الشعبية بلغة مفهومة، الحكومة إذا اعتمدت سياسة عليها أن تروج لها بالعقل والمصداقية والشرح التفصيلى والحوار المجتمعى، الحكومة تحتاج إلى «استديو تحليلى» يحضره خبراء ثقات، يواجهون الرفض بالشرح، حديث الأولويات يسرى، والأوليات تختلف باختلاف الزمان والمكان والظرف الحالى له أولوياته.
لكن لسان الحكومة متلعثم، ولسان خبرائها المعتمدين قاصر عن إدراك المعنى وراء السياسات، لذا تبدو الصورة غائمة، تختلط فيها الألوان، فلا يبين موقع المصلحة العامة من المشروعات، الحكومة تحتاج إلى لسان فصيح ملم بالمعلومات، وفهم واع للسياسات، ومقبول جماهيريا وذى مصداقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة