ساعات طوال من العمل، وقوفا أمام حرارة عالية يعمل خلالها عمال المسابك النحاسية بشبرا الخيمة فى القليوبية، متحدين بكل الجهود الماكينات، مؤكدين على جودة ودقة منتجهم، إلا أن تلك الجهود لن تصمد طويلا أمام سيطرة الآلات الضخمة التى تستخدم فى صب القوالب، إلى جانب كثرة مخاطر العمل اليدوى على العامل نفسه من دخان الصهر وحرارته العالية جدا، إلا أنهم عازمون على مواصلة العمل لأن هذه المهنة مصدر الدخل الوحيد لهم.
"اليوم السابع" عايش العاملين بالمهنة فى مدينة شبرا الخيمة، واستعرض معهم جوانب الشقاء والتعب ومراحل تكوين المنتج ووضعه داخل الرمال، وصولا إلى صب النحاس ليخرج المنتج النهائى للنور، إلى جانب القيام بأعمال تنظيف المنتج وتهيئته ليصبح فى شكله النهائى قبل عرضه للبيع.
فى البداية قال عبد العزيز محمد أحد العاملين بسباكة المعادن باستخدام الرمال إنه يعمل بالمهنة منذ 50 عامًا، وما زال يعمل بها حتى الآن، واجه خلال هذه المدة الطويلة العديد من الصعاب فى الأعمال، إلا أنه اعتاد ذلك، موضحا أن الماكينات والمصانع الضخمة أصبحت تهدد هذه المهنة اليدوية بالانقراض، مشيرًا إلى أن عملية سبك المعادن تتكون من 4 خطوات، الأولى تصميم وصناعة النماذج، وتجهيز رمل المسبك، ثم تشكيل القوالب وتجفيفها، ثم صهر وصب المعدن، وأخيرا إخراج المسبوكات وتنظيفها وفحصها، وصناعة النماذج يتم تصميمها وحساب السماحات المختلفة، حيث يحتاج الأمر لنموذج عبارة عن "خشب أو معدن" يحاكى شكله الخارجى شكل الجزء المراد إنتاجه بالسباكة الرملية.
وأكد "عبد العزيز" أن الرمل المستخدم فى العملية يتم شراؤه، موضحا أنه لابد أن يمتلك مواصفات خاصة، ويجب أن تتوفر فيه بعض الشروط منها، أن يكون سهل التشكيل، وأن يكون نفاذا للغازات، ومقاوما للحرارة، حيث يجب أن يتحمل درجات الحرارة العالية، وردئ التوصيل الحرارى، وأن يحتوى على خليط من المواد المختلفة تعطى الخواص المطلوبة، منها نوع المعدن المراد سباكته، ونوع الرمل المستخدم أخضر أو جاف، وصفة الرمل المستخدم، وقوة التماسك، وطول مدة الاستعمال للحصول على أكبر عدد من المنتجات باستخدام نفس القالب.
واستعرض "عبد العزيز" طريقة تجهيز القالب الرملى، موضحا أنه يتم وضع نصف "الريزق" السفلى على لوحة التشكيل ثم يوضع فى منتصفه نصف النموذج السفلى، ثم يتم رش "نخل" طبقة رقيقة من رمل المواجهة نحو 2 سم حول نصف النموذج وتكبس باليد من حوله جيدا ثم يستكمل باقى "الريزق" برمل "الساندة الخشن" ثم يدك جيدا باستخدام الرملية، ثم يقلب "الريزق" بحيث يكون النموذج على السطح إلى أعلى وتتم تسوية الأسطح والأحرف باستخدام التراولة أو المسطرة، ثم يوضع نصف الريزق العلوى مع التأكد من تركيب المفصلات جيدا، ثم توضع المصبات "مجرى الصب وفتحة النفس".
وتابع "عبد العزيز" يتم رفع نصفى "الريزق" ويوضعان بجوار بعضهما على لوحة التشكيل ويتم رفع خابورى النفس والمصب، ثم تتم خلخلة نصفى النموذج باحتراس ثم يرفعان من الرمل بواسطة الشوكة ويتم ترميم ما يهدم من القالب باستخدام المعدات اليدوية، بعدها يتم فتح مجارى التغذية الفرعية من فتحة المصب الرئيسى لفراغ النموذج حسب حجمه، وذلك باستخدام الأدوات اليدوية، ثم يتم تحميص القالب فى أفران تحميص خاصة بالقوالب الرملية، ويتم فى نفس الوقت صهر المعدن وتجهيزة لعملية الصب، ثم يترك المعدن حتى يتجمد ويبرد القالب ثم يتم تكسير الرمل لإخراج المسبوك، وأخيرا فحص المسبوكات.
واستطرد "عبد العزيز" "العامل يقف أكثر من 10 ساعات يوميا على فرن نار يدوى تقترب درجة حرارته من 1500 درجة مئوية، إلى جانب الدخنة والنار والحرارة العالية، التى تؤدى إلى الإصابة بالأمراض الصدرية مقابل 120 جنيهًا يوميًا، وللأسف مفيش لقمة نضيفة، وده أكل عيشنا ولو اشتغلنا فى غيرها نحس إننا تعبانين ونلف نرجع لها تانى حتى لو كانت مهنة موت".
وفى نفس السياق قال الشاب أحمد عبد الله إنه يعمل بالمهنة منذ 20 عاما، وأنها مليئة بالصعاب، موضحا "الغلطة قدام الفرن بفورة، ولازم تتلسع علشان تصحصح بعد كده، وترمى كل أفكارك على باب الورشة وتركز 100% فى الشغل، يإما هتروح بعاهة كبيرة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة