كريم عبد السلام

نيوزيلندا.. الدم كله واحد

الأحد، 17 مارس 2019 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأسترالى برينتون تارانت 28 عاما، عامل من أسرة فقيرة، لم يجد من يعلمه التسامح وقبول الآخر وأن الدين لله، فامتلأ قلبه بالكراهية وعقله بالعنصرية، وكان من السهل أن تخدعه أوهامه وضلالاته حتى تصل به إلى فكرة الانتقام الجماعى من المختلفين معه ومع مجتمعه الضيق، بأن يقتل كل من هو غير مسيحى وغير أبيض ولا ينتمى للأصل الأوربى. 
 
إرهابى دموى غبى تشبع بأفكار اليمين المتطرف العنصرى الصاعد فى أوربا وملحقاتها، وقرر أن يفتح النار عشوائيا على المسلمين وهم يصلون الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا، فقتل 49 مصليا متوجها إلى الله بالدعاء وأصاب 48 آخرين بينهم عدد كبير فى حالة خطرة، والخطير فى الأمر أنه كان قد أعلن عن جريمته قبل ارتكابها بأيام فى بيان على تويتر حدد فيه بالتفصيل عزمه على مهاجمة مسجد النور ثم التوجه إلى المسجد الثانى المستهدف أثناء صلاة الجمعة ليتمكن من حصد أكبر عدد من المصلين المسلمين، كما دعا أصدقاءه إلى ما أسماه بحفلة الانتقام عبر بث مباشر لإطلاقه النار من مدفعه الرشاش على الأبرياء العزل.  
 
يمكننا أن نستغرق طويلا فى تحليل شخصية برينتون تارانت، وأن نضع الخطوط العريضة لحيوانيته ومرضه النفسى واختلاله وتطرفه وعدوانيته، ولكن هل الجريمة البشعة التى ارتكبها يمكن أن توصف بالفردية حتى نوقف تفسير مشهد القتل عليه؟ هل يمكن اعتباره حالة فردية شاذة ونمضى فى هذا الاتجاه المريح نفسيا للمسلمين وغير المسلمين على السواء، أم أن المصيبة أكبر من المجرم تارانت وأكثر ألما من مقتل عشرات المصلين فى مسجدين وهم يتوجهون إلى الله بالدعاء.
 
بالطبع المصيبة أكبر من المذبحة المؤلمة التى وقعت، ولا تتوقف عند البهيمة تارانت، لأن الظروف والأفكار والممارسات السياسية التى أفرزت برينتون تارانت وحولته من مجرد عامل مهتم ببناء جسمه وتكوين أسرة تقليدية إلى قاتل سفاح وإرهابى عتيد، يمكن أن تجعل من العشرات والمئات والآلاف من أمثاله بين نيوزليندا وتكساس قتلة محتملين وإرهابيين تحت الطلب وسفاحين يبررون فشلهم بكراهية الآخرين المختلفين معهم.
 
ما حدث فى نيوزيلندا يؤكد أن وباء الإرهاب فاق فى خطورته أوبئة الكوليرا والجدرى التى قتلت ملايين البشر، كما تجاوز الحروب المسماة بالعالمية، التى أدت أيضا إلى مقتل الملايين بناء على أفكار غبية وقرارات غبية ومعتقدات غبية، لكننا يجب أن نتذكر جيدا أن هذا الوباء الجديد «الإرهاب» من تصميم مفكرين غربيين ومراكز أبحاث غربية وحكومات غربية تبنته وحولته من مجرد أفكار وخطوط عريضة إلى برامج تنفيذية متكاملة ورصدت لها ميزانيات بالمليارات، ومنها ما عاصرناه فى منطقتنا العربية. 
 
فى منطقتنا العربية شهدنا برنامج الفوضى الخلاقة وإعادة بناء الشرق الأوسط الكبير الذى يستهدف تدمير كل البلاد المستقرة والمجتمعات المتماسكة من خلال الحروب الأهلية، ولم يكن لهذه الحروب الأهلية أن تشتعل وتمزق أواصر المجتمعات والدول إلا من خلال إنشاء ودعم المجموعات والتنظيمات المتطرفة بالمال والسلاح ومنحها المسميات والرايات والملابس العسكرية والمنصات الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك تدريب عناصرها فى الدول الذيول مثل قطر وتركيا، على أن يكون الأساس الذى تنطلق منه هو الكراهية والقسوة وسفك الدماء والترويع والبشاعة بلا حدود.
 
رأينا كيف تتفنن جماعات داعش فى الذبح وفى تعليم الأطفال الصغار القتل وفى الردة نحو البداوة والهمجية وفى نشر خطاب الكراهية والتعصب الأعمى ونفى الآخر وقتله على العقيدة والهوية والعرق والانتماء، ورأينا كيف تفعل الأمر نفسه القاعدة وبوكو حرام والإخوان وجبهة النصرة وطالبان وجند الشام وجيش الإسلام وغيرها من التنظيمات والجماعات المصنوعة والملفقة فى أجهزة الاستخبارات الغربية لتدمير منطقة الشرق الأوسط وكأننا فى فيلم من أفلام الأكشن الأمريكية.
 
لكن ما لم يدركه صناع التطرف والكراهية والعنف المسلح أن فيروس المرض الذين يعملون على توظيفه سياسيا فى منطقة الشرق الأوسط لا يمكن التحكم فيه بالريموت كونترول أو إبقائه فى مكان بعينه، وأصبح الإرهاب الخطر الأول فى أوربا والغرب والشرق الأقصى مثلما هو الخطر الأول فى المنطقة العربية، ورغم ذلك مازالت قوى الاستعمار الجديد توظفه سياسيا لاستغلال الدول الأخرى.. وللحديث بقية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة