بدأ توفيق الحكيم فى كتابة سلسلة مقالاته «حديث مع الله» فى «الأهرام» كل يوم ثلاثاء لأربعة أسابيع متتالية بدأت فى 1 مارس - مثل هذا اليوم - 1983، فنشبت معركة ضده قادها الشيخ الشعراوى، ومعه علماء أزهر وجماعة الإخوان، وفى المقابل انضم إلى «الحكيم» اثنان من أبرز رموز الفكر والثقافة العربية وهما، الدكتور يوسف إدريس، والدكتور زكى نجيب محمود.
وحسب الكتاب الذى جمعها بعنوان «الأحاديث الأربعة» عن «مكتبة الآداب - القاهرة»، قال الحكيم فى الحديث الأول: «نعم يا ربى.. لن أكتمك حديثا.. ولم يبق لى فى هذه حياتى الآن سوى الحديث معك.. فقد عشت الحياة التى قدرتها لى أكثر من ثمانين عاما.. جعلت أهيم خلالها فى كل واد، حاملا قلما، أملأ به الأوراق بين جد وهزل، ولا أظن أننى فعلت بذلك خيرا كثيرا.. ولكنى أذكرك كثيرا.. وأتحدث إليك طويلا.. وأعلم أنك تسمعنى.. لأنك سميع بصير.. ولكن الحديث معك ليس بيسير..لأنك عليم بكل شىء.. وما أقوله تعرفه.. وليس من حقى أن أسألك إجابة أو ردا.. وليس لبشر أن تكلمه أنت إلا وحيا.. ومن أكون أنا حتى تحدثنى أنت بالوحى.. لن يقوم إذن بيننا حوار، إلا إذا سمحت لى أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا: تخيلا وتأليفا.. وأنت السميع، ولست أنت المجيب، بل أنا فى هذا الحوار المجيب عنك افتراضا، وإذا كان مجرد حديثى معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائى فى زعمهم على مقام الله سبحانه تعالى، خصوصا وحديثى معك سيكون بغير كلفة، أى من القلب الصافى وحده، لا أتكلف فيه صنعة الأسلوب، فأنا سأخاطبك مخاطبة الحبيب لحبيبه، الحب ليس كمثله حب، لأنك أنت ليس كمثلك شىء».
قادت جريدة «اللواء الإسلامى» الهجوم ضد «الحكيم»، ومعها جريدة «النور» عن حزب الأحرار «المعارض».. وحسب «عمرو عبدالمنعم» فى «قصة حديث إلى الله وانتفاضة الشعراوى ضد الحكيم - موقع أمان 18 مارس 2018».. كتب الشيخ «محمد أحمد المسير» فى «اللواء الإسلامى-10 مارس 1983»: «إن هذا الشكل من الحديث جرأة على الله وإهدار للمقدسات واعتداء على شرف الكلمة، وضياع لمعالم الحق وتدليس شنيع، يجب التوقف عنه وإيقافه حتى لا يسقط القلم من يدى الحكيم، ويكون هذا آخر ما كتب».
وفى نفس الجريدة، كتب عمر التلمسانى المرشد العام لجماعة الإخوان فى 9 مارس 1983: «أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم».. قال فيه: «لئن أباح الأستاذ الحكيم لنفسه أن يبنى كلامه على سياحة فى عالم الخيال فهل يبيح لنفسه الاستخفاف بعقول القراء، ظنا منه أنهم ضاربون مثله فى بيداء الخيال، يا أيها الحكيم إن جاز أن يكون الخيال أساس الحكايات والروايات التى ندرت نفسك لها فلن يرضى مسلم لنفسه أن تكون وسيلته مع الله قائمة على الخيال».
وفى «اللواء الإسلامى» يوم 17 مارس 1983، وحسب محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة»، قال: «لقد فتحت النار على هذه الحوارات، لأنها دعوة للفكر والتطاول على الذات العلية، ولو أن الدولة كانت تحتضن الدين كما احتضنت نظاما، وفرضته لما استطاع واحد مثل هذا الكاتب أن ينال من الدين الحنيف».. ويستطرد: «إن الدين ليس له صاحب فى مجتمعنا، بدليل أن المنسوبين إلى الدين حينما تعرضوا لنظام الحكم سجنوا»، وأضاف: «لقد شاء الله ألا يفارق هذا الكاتب «الحكيم» الدنيا إلا بعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يهمس بها ولا يجرؤ على نشرها.. وشاء الله ألا تنتهى حياته إلا بعد أن يضيع كل خير عمله فى الدنيا فيلقى الله بلا رصيد إيمانى».
وفى معسكر «الحكيم»، كتب «إدريس» فى الأهرام، بعنوان «عفوًا يا مولانا» وصف فيها الشعراوى بأنه: «يتمتع بكل خصال راسبوتين المسلم..قدرة على إقناع الجماهير البسيطة.. وقدرة على التمثيل بالذراعين وتعبيرات الوجه وقدرة على جيب كبير مفتوح دائما للأموال.. ويملك قدرات أى ممثل نصف موهوب».. أما زكى نجيب محمود، فاتهم الشعراوى بأنه «كهنوت دينى ويقود مجموعة من رجال الدين للهجمة على الثقافة والمثقفين»، وأنه زعيم كبير روحى مثل الخمينى يقود مجاميع متطرفة ضد حرية الرأى والتعبير والصحافة.
طالب الشعراوى بعقد مناظرة تليفزيونية يحضرها، من ناحية، والحكيم وإدريس ومحمود من ناحية أخرى، وقال: «أريد النقاش علنا، ليعرف كل إنسان قدره، ولا يصبح دين الله نهبا مباحا لك من يريد أن يعتدى عليه»، وقال: «إن ما يقوم به هؤلاء الثلاثة لا يمت إلى الحق بصلة، وما يكتبونه هو قضية تحمل الضلال والإضلال»، وفند زكى نجيب محمود هذه الدعوة فى كتابه «قيم من التراث» ومما قاله: «ما هو موضوع المناقشة الذى تقترحه، بحيث تضمن لقدر نفسك أن يبرز أمام الناس عملاقا، ويتضاءل الآخرون أقزاما؟، ومن يا ترى الذى يترك له اختيار الموضوع؟ أنت أم أنا؟.. واللافت أن صفوت الشريف وزير الإعلام وافق على فكرة المناظرة، ويذكرمحمد توفيق أنه قال: «إن هذه الندوات تساعد على تبصير المجتمع بالقضايا الدينية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة