استدعى الرئيس السادات قيادات الكنيسة الأرثوذكسية، وقيادات الأزهر وقيادات دينية إسلامية أخرى للاجتماع به يوم 8 فبراير- مثل هذا اليوم- 1977، فى سياق اللقاءات التى كان يعقدها مع أطياف سياسية وشعبية شملت اتحاد طلاب الجمهورية، ونوادى هيئات تدريس الجامعات، واتحاد العمال، وغيرها، على أثر إحداث انتفاضة الخبز التى اندلعت فى مصر يومى 18 و19 يناير 1977، وأطلق السادات عليها «انتفاضة الحرامية» فى مواجهة اعتبرها انتفاضة شعبية، ضد قرارات رفع الأسعار التى اتخذتها الحكومة.
يتذكر البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية وقائع اجتماع «8 فبراير» فى كتاب «الأقباط فى وطن متغير» للدكتور غالى شكرى، ويعتمد الكتاب على حوار موسع مع شنودة، ويضع «شكرى» ماجاء حول هذا الاجتماع فى سياق البحث عن أسباب خلاف «شنودة»، والسادات، وبلغت ذروتها بعزل السادات له من منصبه البابوى، فى أحداث 5 سبتمبر 1981 التى شهدت اعتقال ما يزيد عن 1500 من رموز المعارضة من اليمين واليسار.
يسأل «شكرى» البابا شنودة عن سبب خلافه مع السادات، فيجيب: «لم يكن هناك أى خلاف شخصى، ولم يحدث قط أن كان خلافه معنا منعزلًا عن خلافه مع كل فئات المصريين، وكل الاتجاهات الفكرية، بدليل أنه فى سبتمبر أدخل جميع ممثلى الأحزاب والطوائف المعتقل، ولم يستثن اتجاهًا واحدًا أورمزًا، لقد أخذنا نصيبنا من القمع كغيرنا، لاقبلهم ولابعدهم، بل معهم، مما يؤكد أولًا، أنه ليس من خلاف شخصى بيننا وبينه، وأن سياساته ثانيًا وممارساته كانت تطال الجميع، وكنيستنا ليست فى جزيرة مهجورة، وإنما هى جزء لايتجزأ من النسيج الوطنى العام لمصر وللمصريين».
يلفت «شنودة» النظر إلى ضرورة رصد مؤشرات هى: «فى 1971، أضيفت إلى المادة الثانية من الدستور عبارة «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى من مصادر التشريع»، وكانت تكتفى من قبل بعبارة «الإسلام دين الدولة».. فهل اعترضت الكنيسة بأى شكل من أشكال على هذه الإضافة، وفى 1979 عدلت العبارة الجديدة بأداة التعريف، فأصبحت «لشريعة المصدر الرئيسى للتشريع» فهل اعترضنا.. أبدا لم يحدث».
يضيف «شنودة»: «كان الرئيس السادات هو الذى أفرج عن تيارات الإسلام السياسى، فقلنا مرارا أننا من أنصار الديمقراطية، ونرفض أن يهان مواطن بسبب آرائه، ولما وقعت بعض أحداث العنف والحرائق، كنا نبادر إلى إطفائها وتهدئة الخواطر، وعيًا من جانبنا وحرصًا على أمانة الوحدة الوطنية فى أعناقنا».. ويدلل «شنودة» على ذلك باجتماع «8 فبراير» قائلًا: «لم نترك فرصة واحدة للقاء وطنى إلا واغتنمناها، فى 8 فبراير 1977، كانت مصر لاتزال متوترة مما جرى فى 18 و19 يناير، ومع ذلك استجبنا بحماس للاجتماع بالرئيس والقيادات الإسلامية، وسمعنا الرئيس يقول: «الكنيسة المصرية فى وجه الاستعمار والصهيونية.. هى دى مصر.. هى دى الأرض اللى بتتعانق فوقها مآذن الجوامع وقباب الكنائس».. يؤكد شنودة: «ارتاحت قلوبنا لهذا الكلام خاصة أن الرئيس أشار إلى قراءاته الشخصية فى السجن، ومنها أنه تعلم أن جذور الوحدة الوطنية فى أعماق الأرض الطيبة، أرض الشعب العريق الذى عرف الإيمان حين عرف الحياة، وعرف السماحة والمحبة تروى النفوس كما يرويها ماء النيل دون تفرقة بين مسلم ومسيحى.. هذا ماكان يقوله الرئيس السادات، وأسعدتنا أقواله إلى أقصى حد».
يتذكر شنودة كلمته فى هذا الاجتماع: «قلت حرفيًا، إن عمرو بن العاص حين أتى إلى مصر كان البابا بنيامين، البطريرك الثامن والثمانون مختفيًا فى أرجاء مصر من أخوته المسيحيين المختلفين عنه فى الإيمان ثلاثة عشر عامًا لم يجلس على كرسيه، فلما أتى «بن العاص» أمنه على نفسه وعلى كنائسه، والكنائس التى أخذها منه الروم أرجعها إليه عمرو بن العاص، بل ساعده أيضًا على بناء كنيسة فى الإسكندرية، إن حياة المحبة جمعت بيننا طوال 13 قرنًا من الزمان، ونحن نضرب مثالًا للناس فى التعايش السلمى.. والمسيحيون وقفوا ضد الغزاة حتى فى الوقت الذى أتى فيه هؤلاء الغزاة يقولون إنهم يحمون الأقليات، فرفض الأقباط حمايتهم، وهذا كله موثق ومسجل فى التاريخ الرسمى للبلاد الذى يذكر أن سفيرًا أجنبيًا أكد لأحد بطاركتنا بأن الملك الذى يعرض عليه الحماية، فسأله البطريرك: هل ملككم هذا يموت أم يعيش للأبد؟.. فأجاب السفير: بل يموت ككل البشر.. حينئذ قال له البطريرك: نحن وبلادنا وكل شعبها فى حماية إله لا يموت، ويذكر التاريخ أيضًا أن الأقباط رفضوا تمثيل الأقليات، وقالوا: نحن مصريين ولانريد أن نأخذ هذا الوضع».
يشير «شنودة» إلى أن الرئيس السادات استحسن هذا الكلام، ويؤكد: «لم يكن ثمة صدام معه، بل مع سياسته أوممارسة تناقضت مع الأقوال، وتسبب هذا التناقض فيما جرى».. يضيف: «تغير الرئيس وغير رأيه فىَ، باختصار لأننى استخدمت سلطتى الروحية، وحرمت على أبناء الكنيسة زيارة القدس طالما تحت الاحتلال الإسرائيلى».. سأله شكرى: «هل كان هذا موقفًا ضد التطبيع ؟.. رد: «لاشأن لى بمخططات السياسة، وإنما لن يكون الأقباط خونة الأمة العربية، سيدخلون القدس مع إخوانهم العرب لا قبل ذلك».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة