يواصل رئيس الاستخبارات السعودى السابق الأمير بندر بن سلطان سرد العديد من الأسرار فى العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا حيث فى الحلقة الثانية يتطرق إلى العلاقة بين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية والرئيس السورى بشار الأسد، حيث يشير إلى أنه كانت حالة من القلق انتابت الملك عبد الله على مستقبل سوريا بعد وفاة الرئيس السورى الراحل حافظ الأسد مما دفعه إلى المكوث أكثر فى دمشق.
بندر بن سلطان
وقال الأمير فى مذاكراته : "التفت إليّ الملك بعد أن أطلعني على ما جرى وأخبرته بما دار بيني وبين بشار قبل وصول طائرة الملك"، وذكر الأمير بن سلطان أن الملك فجأة قرر تمديد إقامته في سوريا، وأنه قال لبشار "اسمع، كنت أنوي العودة إلى المملكة الليلة، لكنني سأنام هنا الليلة. وسأرسل للعماد مناف طلاس واللواء حكمت الشهابي - رئيس هيئة أركان الجيش السوري في عهد حافظ الأسد - ونائب الرئيس عبدالحليم خدام لأؤكد عليهم أننا نقف مع بشار الأسد، ولا نقبل بأن يلعب أحد بذيله معك، ولكي يقف رجال والدك كلهم إلى جانبك".
ويسرد الأمير بندر تفاصيل حديث الملك مع بشار، على لسان الملك عبدالله ويقول: "سألته هل أرسل الأمريكيون وفداً، قال نعم مادلين أولبرايت - وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون - ستصل غداً متأخرة وتغادر بعد التعزية. قال الملك نريدها أن تبقى، قال بشار: ولكنهم قالوا إنها ستغادر...أمرني الملك بالاتصال بالرئيس الأميركي بيل كلينتون، كي يطلب من أولبرايت البقاء في سوريا والاجتماع ببشار الأسد بعد مغادرة المعزين. قال كلينتون لي: هل هي ضرورية؟ قلت نعم. قال أخبرها، قلت له يا رئيس أنت تخبرها".
الملك عبد الله
وسط هذا السرد، قال الأمير عبارة تبين حجم الشعور بالخيبة تجاه بشار الأسد وانقلابه على الجميل السعودي حسب وصفه وهي: "لم يبق شيء يمكن أن تفعله السعودية أو الملك عبدالله أو أنا لـ "الولد هذا" حتى نضمن بقاء سوريا قوية ونظامها قوياً إلا فعلناه".
ويقول الأمير، إنه بعد شهرين من صعود بشار إلى سلم الحكم، واستقرار الأمور السياسية في سوريا، طلب منه الملك عبد الله الذهاب إلى دمشق ولقاء بشار، ويقول الأمير بندر: "ذهبت فعلاً، واستقبلني بشار بطلبات ... ترتيب زيارة له إلى فرنسا وطلب مقابلة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وقال إنه لا يعرف كيف يحصل على دعوة. سألته أين تريد أن تذهب؟ قال باريس ولندن. قلت له سأستأذن من الملك. عدت إلى السعودية وأخبرت الملك، فاتصل برئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، الذي كان يتواجد صدفة في المملكة، جاء الحريري وكان لا يعطي اهتماماً لبشار الأسد في حياة حافظ، ويتجاهل الطلبات التي يرسلها إليه، ويقول "جيبوا موافقة من حافظ". ولم يكن رفيق الحريري يفعل هذا إهانة لبشار، بل احتراماً لحافظ الذي أرسل للحريري قائلاً: "إياكم وأن يأتيكم أحد ويقول لكم الرئيس أرسلني، أو يطلب مساعدة، لو كان هناك أي شيء أنا أكلمكم".
ويواصل الأمير حديثه عن بشار وطلباته وشخصيته: "واستطراداً، بشار عكس ذلك تماماً. فقد أرسل لي ابن خاله رامي مخلوف، رسالة عاجلة لوالدي الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، حين كان وزيراً للدفاع، يطلب فيها رؤية الأمير بندر، ثم الأمير سلطان، قلت له ما الموضوع؟ قال هناك مشروع في وزارة الدفاع السعودية وهناك شركة فرنسية مع عدة شركات في المشروع وأنا وعدتهم أن ترسو عليهم المناقصة. قلت له توقعت وجود مشكلة كبيرة، قال هذا موضوع مهم لنا. قلت له أنصحك أن لا تذهب للأمير سلطان، الموضوع لا يستحق إخبار الأمير به. ذهبت للأمير سلطان في منزله وأخبرته بذلك، فاندهش من الطلب، واتصل بـ علي الخليفة مدير مكتبه، وسأله هل هناك شركة فرنسية قدمت على المشروع الفلاني... قال نعم، قال احذفوها، في غضب من الأمير سلطان على الطلب والتوسط في هذا المشروع".
وبعد هذه القصة يعود الأمير بندر لطلبات بشار في اللقاء الذي عُقد عقب وفاة حافظ، وما كلفه به الملك عبدالله: "وبالعودة إلى موضوع طلب لقاء شيراك ورئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، وجّهني الملك بلقائهما، والقول إننا ننصح بلقاء بشار، رفيق الحريري قال إنه مضطر للعودة إلى بيروت ليومين ثم يذهب، فقال له الملك عبدالله لا داعي، بندر سيتولى الموضوع. ذهب بشار إلى باريس واستقبل استقبالاً لائقاً، ثم انتقل إلى بريطانيا واستقبله رئيس الوزراء. وبعد هذه الزيارات بدأ يتغير، وبدأ يتسلل البرود فيه وفي تعامله معنا".
وبعد الحفاوة قبل أن يصبح بشار رئيساً، وبعد حصوله على ما يريد، تغير تعامله مع الأمير بندر شخصياً ومع السعودية بشكل عام، ويحكي الأمير قصة عن ذلك: "طلب مني الملك عبد الله من جديد الذهاب إلى دمشق، لإخبار بشار الأسد بأن الجانب الأمريكي يلح على فتح موضوع محادثات السلام والجولان. ذهبت، وجعلني أنتظر يوماً، واستغربت من ذلك. في صباح اليوم الثاني، اتصلوا بي وقالوا الرئيس بانتظارك. جئت ووجدته منتظراً عند الباب. رحّب بي وسألني عن جلالة الملك والعائلة قلت له: خادم الحرمين يسأل بالنسبة للولايات المتحدة، هل قررت شيئاً، لأنهم يسألون، أو ما رأيك أو قرارك حتى نستطيع المساعدة، قال لي: "لا أحبّذ (ماني هاضم) - وهنا تحدث الأمير بلكنة سورية مقلداً بشار حين قال العبارة السابقة - موضوع المباحثات كاملة". قلت له "خير". وكنت حريصاً على أن لا يكون هناك أي ضغط من السعودية عليه. وقلت "أودعك". وأصر علي كي أبقى، فأجبته "لا داعي للبقاء". فجأة قال لي: كيف أستطيع الاتصال بك؟ قلت له بأنني لا أحمل هاتفاً جوالاً، لكنني أعطيته رقم الضابط المرافق معي. وسألته: وأنت كيف أتصل بك مباشرة؟ قال هناك شخص أثق فيه ثقة تامة، هو محمد سليمان. وهذا رقم هاتفه - العميد محمد سليمان هو من كان له علاقة بكوريا الشمالية بشأن المفاعلات النووية وهو أيضاً حلقة الوصل بين بشار وبين أجهزة الدولة، والعميد سليمان قتل على يد قناص من البحرية الإسرائيلية أثناء استقباله لضيوف في منزله الكائن على الشاطئ الذهبي في طرطوس، وكان الرئيس بشار الأسد في حينها بزيارة إلى طهران- عدت إلى السعودية وأخبرت الملك، فقال "نحن نريد مساعدته".
في الطريق إلى لبنان بالسيارة، في ذلك التوقيت، تعرض الأمير نواف بن عبدالعزيز لجلطة، ولهذا استعجل الملك ولم يقض وقتاً طويلاً في بيروت أو دمشق بعد القمة، لكنه تحدث مع بشار الأسد بشكل شخصي وقال له: إسمع يا بشار أنت ورفيق الحريري واحد، وأنتما مثل أولادي، وأحمّلك مسؤولية أي شيء يحدث له، وقد أعذر من أنذر، وبعد مرور سنة ونصف استقال رفيق الحريري من منصبه.
تدريجياً بدأ بشار يقوم بتصرفات غريبة، بدأ يزور إيران وبدأت تحصل تحركات غريبة لسوريا في لبنان، شعرنا أن هناك شيئاً ما، لكن الملك قال "أهل مكة أدرى بشعابها"، إذا كانت هذه العلاقات والتحركات تخدم بلاده فهو أدرى.
يبدو أن تجاهل الحريري قديماً لطلبات بشار الأسد واشتراطه وجود موافقة من والده حافظ الأسد، حملها بشار في صدره بعد وصوله لسدة الحكم. يقول الأمير بندر إن الرئيس رفيق الحريري بدأ يشتكي من تصرفات بشار، ويضيف الأمير: "جاءت قصة الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود والتمديد له. نجح الحريري في إقناع النائب - في حينها - وليد جنبلاط ونبيه بري وبعض المسيحيين بأنه لا ينبغي التمديد لإميل لحود. فذهب مدير الأمن العام اللبناني جميل السيد إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري (بإيعاز من بشار) ، ويبدو أن الزيارة كانت للتهديد، وبعد اللقاء بين جميل السيد ونبيه بري، أعيد التصويت ووافقوا على التمديد للحود. رفيق الحريري غضب واستقال، وعيّن سليم الحص رئيساً للوزراء، وجرت انتخابات بعد فترة، عمل فيها رفيق الحريري الغاضب، بجهد مع المسيحيين والدروز والسنة، وخرجت النتيجة بأغلبية لصالحه. الأحداث معروفة، جن جنون السوريين، ونقلوا رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان، وأصبح وزير داخلية، وتم تعيين اللواء رستم غزالي كبديلٍ عنه. وتلقى رفيق الحريري تهديداً بالقتل، فاستقل طائرته وجاء إلى السعودية وأخبر الملك عبدالله بما حدث".
يقفز الأمير بندر أثناء الحوار إلى معلومة ثم يعود لأخرى، ويقول : "في العام 2002 عقدت القمة العربية في بيروت، ووصلتنا معلومات حول إمكانية تنفيذ عمل إرهابي يستهدف طائرة الملك عبدالله ولي العهد آنذاك، خاصة أن الضاحية الجنوبية، منطقة حزب الله تمتد حدودها حتى سور مطار رفيق الحريري الدولي. اقترحنا على الملك عبدالله - ولي العهد في ذلك الوقت- الذهاب إلى دمشق، والتوجه بالسيارة إلى بيروت من هناك. سُعد بشار الأسد بهذه الخطوة، وتوجّه رفيق الحريري وإميل لحود إلى الحدود اللبنانية السورية لاستقبال الملك عبدالله.
خلال تلك القمة كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سيلقي كلمة، ولم أعد أذكر هل كانت من رام الله أو من تونس، ومن منعه من حضور القمة في لبنان هم السوريون، وحين عرفوا أنه قد يلقي خطاباً عبر الأقمار الصناعية، أبلغوا إميل لحود بأن يقطع الإرسال عليه لمنع بث كلمته".
ويواصل الأمير سرد القصة : "في الطريق إلى لبنان بالسيارة، في ذلك التوقيت، تعرض الأمير نواف بن عبدالعزيز لجلطة، ولهذا استعجل الملك ولم يقض وقتاً طويلاً في بيروت أو دمشق بعد القمة، لكنه تحدث مع بشار الأسد بشكل شخصي وقال له: إسمع يا بشار أنت ورفيق الحريري واحد، وأنتما مثل أولادي، وأحمّلك مسؤولية أي شيء يحدث له، وقد أعذر من أنذر، وبعد مرور سنة ونصف استقال رفيق الحريري من منصبه".
ويكمل الأمير سرد القصة : "كان رفيق الحريري في إجازة، وأصيب في يده، جاءه رستم غزالي وقال له الرئيس بشار الأسد يريدك فوراً، فتشاور مع أكثر من شخص، وليد جنبلاط قال له لا تذهب للأسد، عد إلى السعودية لفترة، وقال له نبيه بري إن ذهبت وحدث لك شيئ فهم المسؤولون. واستقال الحريري وقرر الذهاب لدمشق، وقبل أن يذهب التقى بعبدالحليم خدام الذي طلب منه عدم التعليق على ما يقوله له الأسد وقال له بعد أن تلتقيه عد إلى بيروت ثم اذهب إلى المملكة، لأنني أرى تحركات واجتماعات مريبة. وكان خدام يقصد اجتماع بين بشار والأجهزة الأمنية وأطراف أخرى".
ويسرد بندر بن سلطان تفاصيل إضافية نشر بعضها سابقاً عن لقاء الحريري ببشار : "عند دخوله على بشار الأسد، لم يجد الحريري وزير الخارجية فاروق الشرع أو عبدالحليم خدام، بل وجد غازي كنعان - الذي انتحر بثلاث طلقات في رأسه لاحقاً ولأول مرة نعرف أن شخصاً ينتحر ثم يضع المسدس على المكتب . مات جميع الضباط لاحقاً، وتم إخفاء كل دليل مادي يوصلك إلى من قتل الحريري- قصة الأسد مع الحريري معروفة، بدأ الأسد بالشتم والهجوم وقال له نفّذ كل ما يطلبه منك لحود واذا كنت تعتقد بأن علاقتك مع الملك عبدالله والسعودية، وجاك شيراك ستحميك "والله لأطبق لبنان على رأسك أنت ووليد جنبلاط". ومن كثرة الشتم والتهجّم عليه نزف الحريري دماً من أنفه نتيجة للشحن والضغط الذي تعرض لهما بعد ما سمعه من كلام وتهديد. مر خدام بالحريري وقال له: ألم أقل لك؟ فرد الحريري، سأستقيل ولن أتحدث مع أحد، لكنني لن أخرج من لبنان. توجه الحريري إلى جنبلاط وأخبره بما حدث، وبعد هذه الحادثة بأسابيع وقع تفجير واغتيل الحريري، واتصل الملك عبدالله ببشار وأسمعه كلاماً قاسياً، وكان بشار يقسم بالله بأن لا دخل له، فجاء رد الملك: إن لم يكن لك علاقة بالموضوع إذاً سلّم من لهم علاقة، نعرف جميعاً أنه لا يمكن أن يحدث شيء في لبنان دون تدخل منك. وطلب الملك تسليم المطلوبين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة