"ذكرياتى مع أم كلثوم".. عنوان مقالة نادرة كتبها العندليب الأسمر بخط يده ونشرتها مجلة الموعد بتاريخ 20 فبراير عام 1975، بعد وفاة كوكب الشرق بأيام.
وتناول العندليب الأسمر فى هذه المقالة التى حصلنا على نسخة منها علاقته بكوكب الشرق ومكانتها عنده واحترامه وتقديره لها، قبل أن يقابلها وكيف ازدادت هذه العلاقة والمكانة بعدما تعرف عليها عن قرب، كما تناول فيما كتب قصة الأزمة الشهيرة التى وقعت بينه وبين كوكب الشرق فى إحدى الحفلات وكيف صالحها بعد غضبها منه، كما كشف خلال هذه المقالة عن دوره فى تعاون كوكب الشرق مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب لأول مرة.
وكتب عبد الحليم حافظ فى مقاله "أحببت أم كلثوم وعشقت صوتها قبل أن ألتقى بها من خلال أغانيها التى كنت أسمعها من الراديو، وفى عام 1958 التقيت بـ"ثومة" فى منزل الدكتور زكى سويدان، وشعرت من أول لقاء أننى أمام شخصية من نوع فريد بصرف النظر عن فنها ومكانتها التى لا تعوض، وتأكدت أننى أمام شخصية عظيمة، وإنسانة محترمة، تحترم مكانتها واسمها، بل تجبر الناس على احترامها".
وتابع العندليب: "تعددت لقاءاتى بأم كلثوم بعد ذلك عدة مرات فى منزل الفنان أحمد الحفناوى عازف الكمان الكبير، وفى منزل الموسيقار محمد عبد الوهاب، وفى كل لقاء كنت أكتشف زوايا جديدة فى صاحبة هذه الشخصية الفذة التى لم يجود الزمن بمثلها"
وتحدث عبد الحليم حافظ فى هذه المقالة النادرة عن الحفلة الأزمة قائلا: "عندما أعود بذكرياتى مع فنانة الشعب أم كلثوم أتوقف عند شهر يوليو عام 1964 حيث كنت أشترك معها فى إحياء حفلات أعياد الثورة التى كانت تقام بنادى ضباط القوات المسلحة بالزمالك، وليلتها قررت أم كلثوم أن تغنى وصلتين قبل أن أغنى أنا، وقلت لنفسى رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وذهبت إليها أرجوها أن تسمح لى بالغناء بين الوصلتين الغنائيتين، وقلت لها: لو أن أم كلثوم انتهت من غناء الوصلتين وظهرت أنا على المسرح بعد ذلك فلن يسمعنى أحد".
وأوضح العندليب أن أم كلثوم ردت على طلبه بأنها متعبة وتريد الانتهاء من الوصلتين لتعود إلى منزلها لتستريح، حتى لا يتعبها السهر أكثر من ذلك، مؤكدًا أنه حاول إقناعها ولكنها صممت على رأيها.
وعن عبارته التى أغضبت أم كلثوم قال عبد الحليم حافظ فى مقاله: "عندما ظهرت على المسرح ووقفت أمام الميكرفون لأقول: لقد شرفتنى السيدة أم كلثوم بأن اختتم حفلاً غنت فيه، وفى الحقيقة أن ما حدث يعتبر مقلبًا بالنسبة لى، وغضبت أم كلثوم من هذا الكلام، كان لابد من صلحها".
وأضاف: "ذهبت إليها فى فيلتها بالزمالك لأجدها لا تزال واخدة على خاطرها، وقلت لها :أنا أسف أرجو ألا يكون تصرفى بالكلمة التى قلتها بحسن نية قد أغضبك، وقالت ثومة: أنا غاضبة فعلا، لم يكن من اللائق أن تقول مثل هذه الكلمة أمام ميكرفونات الإذاعة وكاميرات التليفزيون"
وقال العندليب: "عدت أعتذر لست الكل قائلاً: أنا لم أخطئ، بل بالعكس كنت أمجدك وفى النهاية أنا مثل شقيقك الصغير"
وعن ردت كوكب الشرق قال: "اخرس أنت فاكر نفسك صغير، أنت عجوز"، ثم ابتسمت وقبل أن انصرف من فيلتها سألتنى ثومة: ثم أيه حكاية الحلل والطشوت التى تغنى عليها فى فرقتك الموسيقية، وكانت تقصد الآلات النحاسية، وقلت لها: أن هذا توزيع موسيقى كما يحدث فى بقية أنحاء العالم"
وأشار العندليب إلى أن أم كلثوم ردت قائلة: "يا أستاذ إحنا شرقيين ولسنا أوروبيين، لابد من الاحتفاظ لموسيقانا الشرقية بأصالتها ولا نسمح للفن الغربى بالدخول فيها وإخفاء معالمها".
وتحدث عبد الحليم حافظ فى هذه المقالة النادرة عن دوره فى أول تعاون بين كوكب الشرق وموسيقار الأجيال قائلاً: "جاءت احتفالات أعياد الثورة بعد ذلك فى العام الذى يليه، وغنت أم كلثوم وحدها فى نادى الضباط بالزمالك وأنا غنيت للقوات المسلحة فى حفل آخر مساء 26 يوليو بمدينة الاسكندرية وحضره أيضًا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر"
وأضاف العندليب: "قلت للرئيس: ليس من المعقول وفى عصرك ألا تلتقى أم كلثوم مع عبد الوهاب فى عمل فنى واحد، لابد من حدوث ذلك، وقال جمال عبد الناصر: وهل سأجبر أم كلثوم وعبد الوهاب على تقديم عمل فنى واحد يشتركان فيه؟"
عن رده على الرئيس عبد الناصر قال عبدالحليم حافظ: "قلت: ولماذا لا يا سيادة الرئيس!، وقال الزعيم الراحل: إذا كان الأمر يحتاج إلى أمر فقد أصدرت فرمانًا بأن تغنى أم كلثوم من ألحان عبد الوهاب، وردت أم كلثوم قائلة: إحنا متفقين أنا وعبد الوهاب من حيث المبدأ، وقال عبد الوهاب: طبعا يا فندم، وعلق ناصر قائلاً: المهم التنفيذ".
وأضاف حليم: "بعد هذا اللقاء مباشرة بدأ عبد الوهاب فى وضع أول لحن له تغنيه أم كلثوم، وخرجت إلى الوجود أغنية "أنت عمرى" التى ألفها الشاعر الغنائى أحمد شفيق كامل".
ويستكمل العندليب ذكرياته مع كوكب الشرق فى مقاله بمجلة الموعد قائلاً: "فى إحدى الأمسيات اتصلت بأم كلثوم تليفونيا لأسأل عنها وفوجئت بها عصبية وسألت عن السبب فقالت: تصور أمامى الأن رابع تليفزيون بعد أن كسرت ثلاث تليفزيونات قبل ذلك، وفى خلال فترة قصيرة جدًا".
وعن سبب عصبية كوكب الشرق قال حليم: "سألتها وأنا مذهول، فقالت قررت الليلة مشاهدة برامج التلفزيون وفى كل مرة لا أجد ما يعجبنى أو يشدنى، فأسرع إلى الشبشب لأتخلص من البرامج التى يعرضها أمامى فيسارعون بوضع جهاز أخر أمامى وتكرر نفس الموقف ثلاث مرات".
وتابع العندليب: "ضحكت أم كلثوم رغم استمرار غضبها وهى تقول: فى أخر مرة قال لى من حولى سنستبدل الشبشب بآخر قطيفة حتى لا يتسبب فى كسر التليفزيون".
وعلق عبد الحليم على هذا الموقف قائلاً: "لقد كانت أم كلثوم تتمنى دائمًا لكل الفنون فى بلادها أن تكون ناجحة، ولهذا كان يغضبها أن تقدم الإذاعة أو التليفزيون برامج ليست ناجحة وذات مستوى رفيع".
وأكد العندليب أن حبه لكوكب الشرق كان يتزايد وتقديرها لفنها يتضاعف على امتداد معرفته بها إلى حد أنه لم يكن يكتفى بسماعها وهى تغنى من خلال الراديو أو وهو جالس فى القاعة التى تغنى فيها، مؤكدًا أنه كان يسمعها وهو واقف خلف الكواليس، مشيرًا إلى أن أم كلثوم ظاهرة لن تتكرر فى مقوماتها الفنية والشخصية ولذلك أجبرت العالم على احترامها، ولن يظهر مثلها أبدًا.
وأضاف: "كانت ست الكل خيرة بمعنى الكلمة، بارة بأهلها، ولا يوجد فى عائلتها من لم تعلمه على نفقتها، ولا يوجد فى عائلتها من لم تعنه على مواجهة أعباء الحياة".
واختتم العندليب مقاله، قائلاً: "إن أم كلثوم لم تمت فى تصورى إنها فى رحلة بعيدة، رحلة طويلة، ولكن صوت أم كلثوم باقٍ، ومن النادر أن نجد صوتًا خالدًا ولا أعتقد على مر الأجيال أن كتب التاريخ الخلود لصوت غير صوت هذه السيدة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة