استدعى الرئيس جمال عبدالناصر، الملحق العسكرى المصرى فى سوريا عبدالمحسن أبوالنور إلى القاهرة يوم 22 فبراير 1958، بعد انتخاب عبدالناصر رئيسا لدولة الوحدة بين مصر وسوريا، والموافقة على قيام الجمهورية العربية المتحدة، وحسب «أبوالنور» فى مذكراته «الحقيقة عن ثورة يوليو»: «أخبرنى الرئيس عبدالناصر بأنه سيذهب إلى دمشق يوم 24 فبراير، مثل هذا اليوم 1958، وناقش معى ترتيب وصوله وإقامته، وطلب اتخاذ الترتيبات اللازمة مع المسؤولين فى سوريا لإقامته على أن يظل موعد وصوله إلى دمشق سريا، لا يعرفه أحد غيرى».
يتذكر «أبوالنور»: «روى لى أنه حدثت اتصالات مع ضابط مصرى من سلاح الطيران لضرب طائرة عبدالناصر، وأن الضابط اتصل بالمشير عبدالحكيم عامر، وأخطره بهذه المؤامرة، وأنهم أعطوه مبلغا كبيرا لتنفيذها، ولذلك فيجب أن يظل موعد وتاريخ سفره سريا، وأنه يود أن يكون منزل الرئيس السورى شكرى القوتلى أول مكان يذهب إليه بمجرد وصوله إلى دمشق، وطلب منى أن أتفق مع على صبرى ليقوم بإخطارى بموعد وصوله».
يؤكد أبوالنور، أنه اتفق مع على صبرى على أنه سيخطره بمجرد قيام الطائرة التى تقل الرئيس واتفقا على صيغة يقول فيها: «أنا جاى لك النهاردة لعمل ترتيبات زيارة الرئيس لسوريا».. عاد أبوالنور إلى دمشق فى نفس اليوم، ويتذكر: «اتصلت برئاسة الجمهورية السورية لعمل الترتيبات، واتفقنا على تجهيز قصر الضيافة فورا لاستقباله فى أى وقت يصل فيه، كما اتصلت باللواء عفيف البذرى قائد الجيش، والمقدم عبدالحميد السراج لعمل الترتيبات الأمنية اللازمة لاستقباله، وفعلا تمت هذه الترتيبات يوم 23 فبراير 1958، دون أن يعلم أحد بموعد وصوله، كما قمت بزياة القوتلى، وأخطرته بأن الرئيس عبدالناصر حريص على أن يكون منزله أول مكان يذهب إليه بمجرد وصوله إلى دمشق، فكان لها وقع طيب فى نفسه، وطلب منى أن أخطره بموعد وصوله ليكون فى استقباله».
أجرى «صبرى» اتصاله مع أبوالنور، وذكر له الحديث الذى اتفقا عليه معا، ويذكر أبوالنور: «ذهبت إلى عفيف البذرى قائد الجيش، وأخطرته أن الرئيس عبدالناصر سيصل بعد قليل، وسيكون الاستقبال سريا لدواعٍ أمنية، فطلب من عبدالحميد السراج سرعة عمل ترتيبات الاستقبال، وتجهيز السيارات اللازمة، ثم اتفقنا على أن يذهب هو ورؤساء الشعب فى قيادة الجيش إلى المطار قبل وصول الطائرة بنصف ساعة».. يؤكد أبوالنور: «قمت بالاتصال بالرئيس القوتلى، وأخطرته بأن الرئيس فى طريقه إلى دمشق، وسيحضر إليه فى منزله بمجرد وصوله، وفى القيادة تم اجتماع قيادات الجيش السورى، ثم ذهبنا إلى المطار، حيث قام المقدم السراج بالاتصال بالمسؤولين عن المطار لعمل الترتيبات اللازمة لوصول ضيف كبير دون أن يعرف أحد شخصية هذا الضيف».
يتذكر «أبوالنور»: «وصلت طائرة الرئيس قبل ظهر 24 فبراير، مثل هذا اليوم 1958، وقام الحاضرون باستقباله ثم صحبناه إلى استراحة المطار، وبمجرد وصوله عرف مَن بالمطار، فالتفوا حوله هاتفين ومرحبين، ثم ركب الجميع السيارات متجهين إلى منزل الرئيس القوتلى الذى استقبله معانقا.. كان النبأ قد سرى فى دمشق كلها، وفى لمح البصر كان آلاف الجماهير السورية قد ملأت الشارع الذى به منزل القوتلى، وهو نفس الشارع الموصل إلى الاستراحة التى سيقيم فيها عبدالناصر هاتفة ومرحبة بطريقة لم أرها فى حياتى.. وبعد فترة من الراحة اصطحب الرئيس عبدالناصر الرئيس القوتلى بسيارة واحدة متجهين إلى قصر الضيافة الذى لا يبعد عن منزل الرئيس السورى بأكثر من 200 متر، لكن ضغط الجماهير الحاشدة التى جاءت من كل مكان جعلت هذا الركب يقطع هذه المسافة فى أكثر من ساعة، ونحن نحاول جاهدين شق الطريق للسيارة التى حملتها الجماهير على أكتافها».
يتذكر «أبوالنور»: «كان هذا الاستقبال المنقطع النظير مسار تعليق جميع محطات الإذاعة والصحف فى كل أنحاء العالم، وبعد وصول عبدالناصر إلى قصر الضيافة طالبته الجماهير بإلقاء كلمة فخرج إلى الشرفة، ومعه الرئيس القوتلى، وخطب فيهم كما خطب القوتلى، واستمرت الجماهير المحتشدة أمام قصر الضيافة بعشرات الآلاف ليلا ونهارا، حتى إنهم أمضوا الليلة فى الميدان والشوراع المطلة على القصر، وخرج إليهم عبدالناصر محييا وخطب فيهم لعدة مرات»، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»: «بلغ عدد المرات التى خطب فيها 20 مرة».. يؤكد أبوالنور: «فى الأيام التالية زادت الحشود فى الميدان والشوارع المحيطة بقصر الضيافة بوفود قادمة من جميع أنحاء سوريا، بل بدأت الجماهير العربية تعبر الحدود السورية قادمة من لبنان والأردن والعراق، كما بدأ زعماء الأحزاب فى لبنان وسوريا والأردن يتوافدون لمقابلة عبدالناصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة