يبقى المناخ الاستثمارى واحدا من أهم المكاسب التى شهدتها فترة الإصلاح الاقتصادى منذ بدء التطبيق وحتى الآن، نظرا لأهمية هذا المناخ لجذب الاستثمارات وتشجيع أصحاب الأعمال على ضخ استثمارات جديدة، ورفع معدلات التشغيل وتوفير فرص العمل، وبالتالى تحقيق معدلات النمو المستهدفة.
وبالنظر إلى جهود تهيئة المناخ الاستثمارى، كانت البيئة التشريعية من أبرز العلامات الفارقة فى جهود تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة، وفتح الباب أمام القطاع الخاص المصرى والأجنبى للمساهمة فى زيادة معدلات التشغيل والنمو وتوفير فرص العمل للشباب.
ومنذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى ومرت البيئة التشريعية بمراحل ومحطات مختلفة تصب فى مصلحة الاستثمار فى مصر، ومن أبرزها قانون الاستثمار الجديد الذى يسعى إلى توفير الحوافز، وتحقيق الحوكمة وتسهيل التجارة عبر الحدود، وتوفير الضمانات التى تحمى من القرارات التعسفية، ويأتى بأدوات وإجراءات تنظيمية لتسهيل عملية الاستثمار وبدء مزاولة النشاط.
ومن مميزات قانون الاستثمار الجديد الحد من البيروقراطية والسماح بالحوافز الجديدة، وخلق أدوات لتسوية المنازعات لتوفير بيئة أعمال متطورة وعصرية، ولأول مرة، يمكن للمستثمرين التقديم على الخدمات ودفع الرسوم المتعلقة بالاستثمار من خلال شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى تحديد الجداول الزمنية للخدمات الاستثمارية، ويتعين على السلطات الحكومية أن تستجيب إلى المستثمرين خلال تلك الفترة، وتفعيل الشباك الواحد لأول مرة بعد التنفيذ الناجح للإصلاح الإدارى الذى يسمح لممثلى الجهات الحكومية المختلفة والممثلة فى مركز خدمات الاستثمار بالبت فى المستندات والطلبات المقدمة، فلا يحتاج المستثمر إلى جمع الموافقات المتعددة من عشرات السلطات الحكومية، مما يوفر الوقت والتكلفة ويسهل من طريقة القيام بأعمال تجارية واستثمارية فى مصر.
وفى نفس السياق، صدرت اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2310 لسنة 2017 بتاريخ 28 أكتوبر 2017، وتتكون هذه اللائحة من 133 مادة مقسمة على 5 أبواب وهى الأحكام العامة، والتيسيرات والحوافز المتعلقة بالمستثمر، ومركز خدمة المستثمرين، والمناطق الاستثمارية والتكنولوجية والحرة، وتنظيم بيئة الاستثمار.
ومن أهم بنود اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد، تنظيم إقامة المستثمرين الأجانب فى مصر، حيث اشترطت اللائحة التنفيذية لمنح الإقامة أن يكون المستثمر الأجنبى مؤسساً أو مساهماً أو شريكاً فى شركة أو صاحب منشأة، وألا تقل مدة الإقامة عن عام ولا تزيد عن مدة المشروع.
كما أجازت اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إضافة شروط أخرى بعد موافقة وزارة الداخلية، كما تُلغى هذه الإقامة فى حال تخارج المستثمر من الشركة أو محو قيد الشركة بناءً على التصفية أو محو المنشأة من القيد فى السجل التجارى.
وأعطت اللائحة التنفيذية للمشروع الاستثمارى حق استخدام عمالة أجنبية تمثل %10 من إجمالى عدد العاملين فى المشروع، ويجوز زيادة هذه النسبة إلى %20 من إجمالى عدد العاملين بالمشروع، وذلك فى حال عدم توافر عمالة وطنية تملك المؤهلات اللازمة، وذلك بعد موافقة الهيئة العامة للاستثمار.
وحظرت اللائحة التنفيذية على الجهات الإدارية المختصة إلغاء التراخيص الصادرة للمشروع الاستثمارى أو وقفها أو سحب العقارات، التى تم تخصيصها للمشروع إلا بعد إنذار المستثمر بموجب خطاب مسجل بعلم الوصول بالمخالفات المنسوبة إليه، وسماع وجهة نظره، وإعطائه مهلة لا تتجاوز 60 يوماً من تاريخ إنذاره لإزالتها، وإذا انقضت هذه المهلة دون قيام المستثمر بإزالتها وجب على الجهات الإدارية المختصة قبل إصدار قرارها فى هذا الشأن أخذ رأى الهيئة العامة للاستثمار، وللمستثمر الحق فى التظلم من قرار إلغاء التراخيص أو سحب العقارات أو وقفها أمام لجنة التظلمات المنصوص عليها فى القانون.
وأعطت الحق للمستثمر تحويل رأس ماله فى مشروعات بمصر أو أرباحه إلى الخارج إذا ما كان النقد الأجنبى محولا عن طريق أحد البنوك المسجلة لدى البنك المركزى، كما يحق للعاملين الأجانب تحويل رواتبهم المدفوعة بالدولار إلى الخارج.
وشهدت فترة الإصلاح التشريعى تعديلات على قانون الشركات تصنف بأنها الأكبر منذ تدشين هذا القانون عام 1981، وتهدف إلى تعزيز حوكمة الشركات والإفصاحات المرتبطة بها، وتحسين مركز مصر فى التقارير الدولية ذات الارتباط بمناخ الاستثمار، ومن بينها تقرير ممارسة الأعمال الذى يصدر عن البنك الدولى، بالإضافة إلى تقرير التنافسية الذى يصدر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، وهو ما كان يتطلب تعديلات بقانون الشركات الحالى لمواكبة التطورات فى العملية الاستثمارية عالميا.
وفعّلت التعديلات آليات عمل شركات الشخص الواحد والشركات ذات المسؤولية المحدودة وتنظيم عمليات إصدار أسهم الشركات وقيدها بالحفظ المركزى مع إضافة جواز استخدام الأسهم إصدار الممتازة- ولو لم ينص على ذلك ابتداء بنظام الشركة- مع وضع ضوابط إصدارها حماية لباقى المساهمين.
وكان إقرار قانون إعادة الهيكلة والصلح الواقى من الإفلاس لعام 2018، كفيلا بإحداث تغيير جذرى فى الصورة الذهنية المأخوذة عن المناخ الاستثمارى فى مصر، لكل من يرغب فى تأمين وسائل خروج آمنة من السوق حال التعثر، ويهدف القانون إلى إنقاذ الشركات المتعثرة دون خروجها من الأسواق، وتوفير آلية سهلة دون تعقيد لخروج المستثمرين من السوق، إلى جانب تجنيب المستثمرين المتعثرين العقوبات البدنية، وهو ما يصب فى جذب الاستثمار.
وتكمن أهمية القانون أيضا بأنه جزء لا يتجزأ من المنظومة التى تشجع الاستثمار، ومنها قانون الشركات الذى يسمح بإنشاء شركة الشخص الواحد، بالإضافة إلى قانون العمل الذى يأتى على رأس هذه الحزمة من القوانين، كما أنه يعد ضمانة لعدم اتخاذ إجراءات تعسفية ضد المستثمر، الذى كان يتعرض للحبس عند تعثره فى فترات سابقة، فالصلح الواقى أى «الواقى من اتخاذ إجراءات أكثر من الإفلاس نفسه، عبر الإفلاس واتخاذ إجراءات معينة لتصفية الشركة دون المزيد من الإجراءات».
وتشمل فلسفة القانون مجموعة من الأفكار المستحدثة التى تهدف إلى تمهيد الطريق لتوفير الظروف التى تحفز الاستثمار وتجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، ويحاول مشروع القانون تنظيم عملية إعادة الهيكلة المالية والإدارية للمشروعات، سواء المتعثرة أو المتوقفة عن سداد ديونها، فى محاولة لإقالتها من عثرتها وإدخالها سوق العمل مرة أخرى.
واستحدث القانون إنشاء نظام الوساطة بهدف تقليل حالات اللجوء إلى إقامة دعاوى قضائية وتشجيع المشروع المتعثر أو المتوقف عن الدفع بما يضمن عدم الزج بصاحب المشروع فى دعاوى تؤثر على سمعته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة