متى تنتج المعارضة النموذج الصالح؟ "2".. السياسة لا تحب أصحاب النزوات.. رموز "يناير"هللوا للتسريبات وتبادلوا الفضائح.. فلماذا لم يحترموا شعاراتهم ويتجنبوا السقوط فى المستنقع؟الفضائح أطاحت بمئات السياسيين بالعالم

السبت، 16 فبراير 2019 10:00 ص
متى تنتج المعارضة النموذج الصالح؟ "2".. السياسة لا تحب أصحاب النزوات.. رموز "يناير"هللوا للتسريبات وتبادلوا الفضائح.. فلماذا لم يحترموا شعاراتهم ويتجنبوا السقوط فى المستنقع؟الفضائح أطاحت بمئات السياسيين بالعالم مظاهرات
كتب: حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ـ الفضائح الأخلاقية والمال الحرام أطاحت بمئات السياسيين حول العالم.. وفى مصر يعتبرها البعض استهدافا للمعارضين!

ـ نائب يصور علاقاته الجنسية وآخر يحصل على أكثر من 50 ألف جنيه شهريا بالمخالفة للقانون.. فهل يمكن الوثوق فى قيم ينتهكها المتاجرون بها؟.. من مكالمة النجار للقرضاوى فى 2011 حتى فيديوهات المخرج فى 2015.. أين ذهب خطاب الفضيلة الثورى؟.

ـ اليسار والليبراليون تاجروا بفضيحتى البلكيمى وعلى ونيس فلماذا يتسترون على فضائح أصدقائهم الآن؟

 
فى العام 1998، وبينما كان بيل كلينتون، الرئيس الثانى والأربعين للولايات المتحدة، يبدأ العام الثانى فى ولايته الرئاسية الثانية، أُثيرت أخبار عن علاقة جنسية تجمعه بالفتاة العشرينية مونيكا لوينسكى، التى كانت مُتدربة فى البيت الأبيض وقتها. فى البداية نفى كلينتون الأمر تماما، قبل أن يضطر للإقرار به فى مؤتمر صحفى خلال العام 1999، ليختتم رئاسته للولايات المتحدة ويغادر البيت الأبيض بفضيحة مدوية، تركت آثارها على حضوره فى المشهد الأمريكى، وربما على مستقبل زوجته «هيلارى» وحظوظها السياسية فيما بعد.
 
 
كانت فضائح الجنس مسمارا ضخما فى نعوش كثير من السياسيين، فأخرجت بعضهم من السلطة سريعا، أو حاصرت آخرين منهم خلال ما تبقى لهم فى مناصبهم، ومنهم الرئيس الثانى والثلاثين للولايات المتحدة، فرانكلين روزفلت، الذى واجه فضيحة انكشاف علاقته بسكرتيرة زوجته فى العام 1918، والرئيس الأخير دونالد ترامب الذى تحيط به شبهات عديدة بشأن الاستغلال الجنسى والعلاقات غير المشروعة، كما واجه رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق سيلفيو بيرلسكونى وقائع شبيهة، ومن المعارضة مرشح الرئاسة الروسية ميخائيل كاسيانوف الذى نشرت قناة NTV مقاطع فاضحة له مع الناشطة البريطانية من أصل روسى ناتاليا بيليفين، ما أدى لخروجه من السباق الرئاسى بصورة سيئة ومشينة، وفضائح عدد من كوادر حزب العدالة والتنمية الإخوانى فى المغرب، وإطاحة أردوغان بمنافسه الأبرز فى تركيا، دينيز بايكال، زعيم حزب الشعب الجمهورى المعارض، الذى استقال عقب نشر شريط فيديو يجمعه بـ«نسرين بايتورك» الناشطة فى الحزب. والأمر نفسه حدث فى إسرائيل مع الرئيس الأسبق موشيه كاتساف ووزير العدل حاييم رامون، وأيضا رئيس صندوق النقد الدولى السابق دومينيك شتراوس على خلفية تحرشه بعاملة نظافة فى أحد الفنادق.
 
 
الفضائح المالية لم تكن بعيدة عن مشهد الإطاحة بالسياسيين، حدث ذلك فى الولايات المتحدة مع أول وزير للخزانة، ألكسندر هاميلتون، ومع «حلقة الويسكى» لجمع أموال لصالح الحملة الانتخابية للرئيس أوليسيوس جرانت فى العام 1871، ووليم لانجر حاكم ولاية نورث داكوتا الذى أجبرته الحكومة الاتحادية على ترك منصبه فى 1934، وسبيرو أجنو نائب الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون الذى استقال من منصبه بعد فضيحة تهرب ضريبى، ورشاوى وزير خزانته جون كونالى من شركة «أمريكان ميلك بروديوسرز» للألبان فى العام 1976، وشبهات الرشاوى المحيطة بـ«ترامب» وإدارته، وفضيحة تلقى مؤسسة هيلارى كلينتون الخيرية رشاوى من شركة روسية حكومية مقابل التوسط لبيع بعض حقول اليورانيوم الأمريكية لها. وفى إسبانيا تورط 3 من العائلة الملكية فى قضية فساد مالى، كما واجه رئيس الحكومة الماليزية السابق نجيب رزاق اتهامات بالتربح، وترك المستشار الألمانى هيلموت كول رئاسة الحزب المسيحى الديمقراطى بعد فضيحة تبرعات مشبوهة، والأمر نفسه فى البرازيل التى يُحاكم رئيسها الأسبق لولا دا سيلفا بتهم فساد مالى، وفى وقائع عديدة بالصين واليابان ولبنان والهند وفرنسا وعشرات الدول حول العالم.
 

ـ الصعود على أكتاف الفضيحة

فى كل تلك الفضائح لم يتحدث أحد عن الاستهداف السياسى، رغم أن بعضها ترافق مع منافسة انتخابية أو استحقاقات دستورية. التفت الجميع إلى الأزمة الحقيقية فى الموضوع، وهى تورط الساسة والمسؤولين وموظفى العموم فى انتهاك حقوق المجتمع والمواطنين والاختراق المباشر للقانون والأعراف، بما يتصادم مع مسؤولياتهم وما يُناط بهم من مهام، وهو ما يُوجب المساءلة الجادة والعاجلة، بعيدا عن أية حسابات، أو التماس التبريرات على أرضية الكيد أو الاستهداف السياسى.
 
حينما اندلعت ثورة 25 يناير فى العام 2011 لم تكن تستهدف انتهاك الحياة فى برّ مصر، أو اختراق خصوصية الناس وغرفهم المغلقة. خرج المتظاهرون بمطالب محددة تتصل بالمناخ السياسى ومساحة الحرية والديمقراطية، تطورت لاحقا حتى طالبت بإسقاط النظام وإنهاء ثلاثين عاما من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك. تحققت المطالب بالفعل، وكان الطبيعى أن تسير الأمور فى إطارها القيمى النزيه، محتفظا بفضيلة الخطاب الثورى التى التحف بها أغلب المتظاهرين، ولم تتجاوز مساحة التجارة لدى متصدرى المشهد للأسف. فسريعا اقتحمت مجموعات من المحسوبين على الثورة مقر أمن الدولة فى مدينة نصر بعد أقل من شهر على سقوط النظام «مارس 2011»، وحصلوا على وثائق ومعلومات وأجهزة كمبيوتر تتضمن أسرارا تخص سياسيين وإعلاميين وشخصيات عامة. يمكن الخلاف بالطبع حول وجود تلك المواد فى مقر الجهاز الأمنى، وممارسات وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى التى اعترف بها فى جلسات محاكمته بشأن التلصص على المواطنين، لكن ما لا يمكن الخلاف حوله هو التوظيف السيئ لتلك المواد من جانب الثوار، وما زال الجميع بالتأكيد يذكرون المكالمة الشهيرة بين مصطفى النجار وعبدالرحمن القرضاوى، التى يقص فيها عليه تفاصيل ما غنموه من داخل مقر أمن الدولة، وطبيعة المعلومات والأشخاص الذين تطالهم، ويُطمئنه فيها على أن معلوماته فى يد أمينة، أو «حاجاته معاه» بحسب تعبيره.
 
فى المرحلة التالية برز منطق الفضيحة وتسيد بصورة أكبر، وأصبحت التسجيلات والتسريبات وسيلة شائعة فى الحرب بين التيارات السياسية المتصارعة، فخرجت تسجيلات لعشرات النشطاء من مكالمات واجتماعات بالغرف المغلقة، وصور مستندات وتعاقدات وتحويلات مالية لعدد من الكيانات والائتلافات السياسية والمنظمات الحقوقية، أنشأ بعضهم كيانات وفق قانون الشركات لتكون خارج رقابة التضامن الاجتماعى على تمويل العمل الأهلى، وفضح آخرون بعض تلك الشركات، سافروا فى فعاليات ولقاءات سياسية مدفوعة الأجر، ونشر زملاؤهم السابقون صورهم وانتقدوا شبهاتهم، تورطوا فى علاقات جنسية وأعلن خصومهم تفاصيلها وسربوا بعض صورها وفيديوهاتها ومكالماتها الهاتفية. كان واضحا أن الجميع يُوظفون كل الأوراق المتاحة لحيازة مزيد من المكاسب السياسية، وتوسيع رقعة حضورهم فى المشهد، وفى سبيل ذلك لا مانع من إحراق المنافسين والتضحية بالغرماء، فالبطل للصعود السريع والمكاسب الأوسع، حتى لو تحققا على أكتاف الفضيحة!
 

ـ حينما تكون المبادئ بالقطعة

فى مارس 2012 أُثيرت فضيحة جنسية للنائب أنور البلكيمى، تلتها واقعة أخرى للنائب على ونيس فى يونيو، «الاثنان كانا برلمانيين عن حزب النور السلفى» وفى الواقعتين انبرت كل التيارات من اليمين واليسار والإخوان والحقوقيين فى انتقاد الرجل وتعريته وانتهاك كرامته ونصبه منصة للسخرية والقدح الأخلاقى، وارتضى الجميع دون استثناء تحويل الأمر إلى ورقة سياسية فى خصومة مفتوحة مع التيار الدينى، لكنهم قالوا إنهم يُدافعون عن المبادئ والقيم والقانون والأعراف الاجتماعية وكرامة ممثلى الشعب تحت قبة البرلمان. الآن يتكرر المشهد مع وجوه من المحسوبين على التيار المدنى، لكن حماة الفضيلة بالأمس تبدلت مواقعهم، فأصبحوا يُدافعون عن انتهاكها للأسف. حدث ذلك فى واقعة تورط أعضاء بحزب العيش والحرية «تحت التأسيس» الذى يتزعمه المحامى والسياسى خالد على فى واقعة اغتصاب إحدى الفتيات داخل مقر الحزب، وخضعت الواقعة للتحقيق قبل أن تصدر توصية بفصل المتورط، وتكرر فى واقعة الدفاع عن الإعلامى يسرى فودة مع تواتر اتهامات عديدة بتحرشه بعدد من الفتيات فى ألمانيا وداخل قناة «دويتش فيله» التى كان يعمل بها قبل أن تنتهى علاقتهما قبل تفجر الفضائح وخروجها للعلن، ويتكرر بالآلية نفسها فى واقعة اتهام مخرج سينمائى شهير بإقامة علاقات جنسية مع عشرات السيدات والفنانات، وتصوير تلك العلاقات وخروجها من مكتبه على يد إحدى عشيقاته.
 
 
 
أما فى الشق المالى، فلم تهدأ موجة الاتهامات منذ اندلاع الثورة. بعضها طال وجوها من نظام مبارك، وجانب كبير منها كان اتهامات متبادلة بين النشطاء والحقوقيين، واستبق الجميع مسيرة التقاضى فى الأمور التى عُرضت على القضاء، وأدانوا بعضهم فى الوقائع التى لم تأخذ مسارها القانونى إلى ساحات المحاكم. ظلت الساحة السياسية تموج بالشبهات والاتهامات والأحاديث الخفية عن تربح حزب أو جمعية أو وجه سياسى، وتبادل الجميع شائعات وأرقاما غير مدققة حول وقائع فساد فى أروقة النظام الساقط، لكن حينما أخذ الأمر مساره إلى العلن، أو بدا أنه حصار لتدفقاتهم المالية ومصالحهم المرجوّة، انقلبوا على مبادئهم، فتجاهلوا إثراء أصدقائهم وتضخم حساباتهم البنكية، وتجاهلوا القفزات الاجتماعية والمادية التى تمثل طفرات فى حياة عشرات من المحيطين، بل إنهم رفضوا الخضوع للقانون بعدما فُتحت تحقيقات وقضايا حول تدفق تمويلات مشبوهة لعدد من المنظمات الحقوقية، وانحازوا إلى نائب كانوا ينتقدونه ويتهمون عائلته بالفساد، بعدما فتح البرلمان ملف علاقاته السياسية والمالية المشبوهة وأسقط عضويته لاحقا. وبالمنطق نفسه تجاهلوا الشبهات المحيطة بنائب حالى تحايل على القانون واستغل علاقاته للانتقال من الشركة التى يعمل بها ولا ينطبق عليها قانون مجلس النواب، إلى جهة حكومية أخرى، حتى يحصل على راتبين يقارب مجموعهما 50 ألف جنيه شهريا بدون وجه حق، وبمخالفة واضحة وصريحة للقانون، واعتداء مباشر وغير مبرر على المال العام.
 
 
وضع الثوار قواعد لعبة الفضيحة، ومارسوها برضا وإيمان عميقين، وللأسف صعدوا من خلالها وحققوا مكاسب واسعة، لكنهم تجاهلوا أن لعبة الفضيحة نفسها قد تدور دورتها كاملة فتطالهم، خاصة إذا كان أحدهم مريضا نفسيا يُدمن تصوير علاقاته الجنسية، ويتفنن فى الإيقاع بالنساء وكأنه يتنافس على مراكمة الحسناوات فى بطاقة نجاحاته، كما يتنافس آخرون على مراكمة الأموال فى حساباتهم، ومنهم زميله تحت القبة وفى التكتل السياسى، الذى يحصل على راتبين أحدهما تغلفه الشبهات. هكذا توارى خطاب الفضيلة الثورى دون مبرر إلا الغاية الشخصية، وتسيد خطاب الفضيحة بدون مبرر إلا الكسب بأسهل الطرق وأقل المشاق، والمؤسف أنهم يحاولون فى الحالتين ادعاء أنهم ينطلقون من أرضية القيمة والمبدأ، متجاهلين تماما أن المبادئ لا تُؤخذ بالقطعة!
 
 

ـ ثقافة الكيل بمكيالين

بين مكالمة مصطفى النجار وعبدالرحمن القرضاوى فى ربيع العام 2011، وفيديوهات المخرج الشهير، التى بدأ تسريبها فى 2015 وانتشرت على نطاق واسع خلال الأسابيع الأخيرة، يبرز التناقض الأكبر الذى تعانيه بعض التيارات السياسية، بين قبول اختراق الخصوصية وانتهاك الدوائر الشخصية للآخرين، خاصة لو ارتبط الأمر بمصالح سياسية أو مالية، واستهجان الممارسة نفسها إذا طالت أحدا من الأصدقاء والزملاء ورفاق الأيديولوجيا، ليس لأنها ممارسة تخترق القانون وحرمة الحياة الشخصية المصونة بنص الدستور، لا سيما أنهم تورطوا فى الأمر نفسه من قبل، ولكن لأنها خنجر قاس يهدد خيوطهم الواهية.
 
 
فى الوجه المنطقى والبراجماتى يعى كل السياسيين بالتأكيد أنهم أهداف مشروعة لخصومهم، وربما يرى البعض أن الممارسة السياسية تحتمل توظيف كل الأدوات المتاحة، حتى لو اختلفنا مع ذلك المنطق فالثابت أن المنادين بالقيم الآن اعتمدوه وعملوا من خلاله سابقا، وهنا يكون الأولى من انتقاد التعامل مع موضوعات الحياة الشخصية غير النظيفة، أن يجتهد الساسة والمشتغلون بالعمل العام لتأسيس حياة شخصية نظيفة قدر الإمكان، أو على الأقل ملتزمة بما يرفعونه من شعارات وينادون به من قيم، وتلك الغاية أدناها ألا يقولوا ما لا يفعلون، وألا يفعلوا ما يُطالبون غيرهم بعدم التورط فيه. وباختصار شديد فإن من قبيل التضليل والميوعة والالتفاف غير البرىء على الوقائع والقضايا، أن تنتقد اقتحام غرفة اللص، وتتجاهل عملية السرقة نفسها!
 
 
إذا تخيلنا أن وزيرا أو مسؤولا أو نائبا من الأغلبية البرلمانية تورط فى فضائح مالية أو جنسية، وتوفرت مواد موثقة تدين ذلك المسؤول، فإن الحصة الغالبة من المعارضة الحالية، وهم الأبناء الشرعيون لثوار يناير وثقافة الفضيحة، لن يتورعوا عن توظيف تلك المواد فى النيل من خصمهم، وتعريته فى محيطه، ومصادرة واقعه الهادئ، والقضاء على مستقبله السياسى الذى لا يعلمه هو ولا غيره. ووقتها إذا عجزت المنظومة القانونية القائمة عن مساءلة ذلك المسؤول فيما يواجهه من شبهات، وحسابه عليها بالطريقة التى يرتضيها أعداؤه، فإن الرد المباشر من هؤلاء الأعداء سينحاز بالضرورة إلى خطاب الحماية الرسمية، وسيقولون إن القانون ومؤسسات الدولة تنحاز وتُحابى وتتجاهل تجاوزات المحسوبين عليها، وسيتشددون فى المطالبة بإخضاع الأمر للمسار القانونى المجرد من المواءمة وحسابات السياسة. فلماذا لا نصوغ الأمر فى قاعدة واحدة تسرى على الجميع ونتعامل مع تجاوزاتنا وسقطات أصدقائنا بالمنطق نفسه؟!
 
 

ـ تعليق الجرس فى رقاب أصحابه

بعيدا عن كل ما فات، فإن المشكلة الأكبر تتمثل فى التضليل ومفارقة الحقائق والمنطق، إلا ادعاء مظلومية لا أساس لها. ليست الأزمة فى سقوط بعض السياسيين أو تورطهم فى تجاوزات، يبدو الأمر طبيعيا ويحدث فى كل الدنيا، ولكن الأزمة الحقيقية فى أن يستميت شخص فى تعليق الجرس الذى يخصه وحده فى رقاب الآخرين.
 
 
لا تحتاج الأغلبية ولا الدولة لمن ينحازون إليها، ولعل المعارضة أكثر احتياجا لهذا، لكننا بالتأكيد نحتاج جميعا للمنطق فى مناقشة الأمور وفهمها وتقليبها على وجوهها المختلفة. وبالمنطق ربما لا يستقيم القول إن الدولة تعاقب سياسيا أو معارضا بانتهاك حياته الشخصية أو تدبير فضيحة أخلاقية له، إذ إنها تملك المؤسسات والسلطة وأغلبية من الموالين فى المؤسسة التشريعية، ويمكنها فرض رؤاها واستبعاد الخطابات الأخرى إن هى أرادت هذا. أما إذا تجاوزنا المنطق إلى الوقائع، فالحقيقة القاطعة أن الدولة لم تذهب إلى النائب الشاب صاحب الراتبين وتطلب منه أن تتحايل على القانون بدلا عنه وتمنحه راتبين كبيرين حتى يُصبح متربحا بدون وجه حق وبالمخالفة للقانون، والمؤكد أنها لم تدخل غرفة نوم المخرج الشهير لتصور علاقاته الجنسية، التى تولى هو نفسه تصويرها وأرشفتها والاحتفاظ بها على أجهزته الشخصية حتى طالتها يد واحدة من صديقاته فى واقعة كيد متبادل. فعل النائبان وغيرهما ما فعلوا بإرادة شخصية حرة، بعيدا عن عيون الدولة والقانون، ولا أعتقد أن عاقلا وموضوعيا ينادى بسيادة دولة القانون، يمكن أن يدعو الدولة ومؤسساتها القضائية لغض بصرها عن التجاوزات حتى تتجنب شبهة استهداف المعارضة والنيل منها، فالأولى فى الحقيقة أن تتجنب المعارضة شبهة النيل من القانون!
 
السؤال الملح الذى تتجاهله المعارضة للأسف، فى زحام الدفاع عمن سقطوا منها فى المستنقع، هو: كيف يمكن العودة إلى الطريق بأقل خسائر ممكنة؟ كيف يمكن إنتاج ممارسة سياسية متسقة مع ما تنادى به من قيم وشعارات؟ وهل يمكن أن يثق الناس فى سياسى رأوه فى سرير مشبوه أو سمعوه فى مكالمة تحرض على الخيانة أو اطلعوا على وثائق تثبت تربحه واستحلاله للمال العام بدون وجه حق؟.. المأزق الذى تواجهه المعارضة هو تبرير السقوط لا تجاهله، والاعتراف بالخطأ بدلا من إدانة الكشف عنه، والأهم الوعى بأن التصدى للعمل العام له فاتورة يتوجب دفعها، أبرز بنودها أن نضع المصالح العليا فوق الشخصية، ونُهذب نزواتنا بما يتوافق مع خطاباتنا، فالسياسة للأسف لا تحب المتناقضين ولا أصحاب النزوات!.
 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة