لا يعجبنى تناول وسائل الإعلام لرئاسة مصر للاتحاد الأفريقى وكأنها كانت هدفاً فى حد ذاتها، يترتب على تحقيقه تقييم مصر الأفريقية!، فمصر فى حقيقة الأمر أكبر من ذلك بكثير، وطموحاتنا ينبغى أن تأخذنا إلى ما هو أبعد جداً من ذلك.
فليس من شك أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى تلقى بمسؤولية ضخمة علينا؛ إذ يتطلع الأشقاء الأفارقة إلى أداء متفرد من أكبر دولة أفريقية، خاصة وقد قطعنا خطوات واسعة للغاية على طريق التنمية الاقتصادية، واتخذنا إجراءات ترى فيها المؤسسات الدولية نموذج نجاح ينبغى أن يتكرر فى الكثير من الدول النامية.
فى هذا السياق، أتوقع أن تكون الدولة المصرية قد وضعت خطة متكاملة، تشارك فيها كل مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية، بغرض دعم وتعزيز العلاقات المصرية / الأفريقية، وفق صحيح أسس العلاقات الدولية المعاصرة، المرتكزة على المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، والاعتماد المتبادل.
بقى أن نتفهم ما مرت به العلاقات المصرية/ الأفريقية من منعطفات لم تكن فى صالحنا، ولأسباب أراها من جانبنا، قبل أن تكون من جانب أعداء الدولة المصرية، وتصب فى مجملها فى شعور أفريقى، قبل رئاسة السيسى، بالتعالى من جانب مصر إلى حد مستفز للأفارقة. وأذكر هنا الملاحظات التالية بإيجاز:
• الزيارات المتكررة للقيادة السياسية المصرية إلى الدول الأفريقية، عوضت جانباً مهماً لطالما عانى منه النفوذ المصرى فى أفريقيا، فى عقود حكم مبارك، خاصة بعد أن قلص الرجل زياراته الأفريقية فى أعقاب محاولة اغتياله الشهيرة.
• البرلمان مدعو إلى التأكيد على فعالية ما يقوم به من دبلوماسية برلمانية، أتمنى أن تنتهج أسلوباً علمياً، وفق أجندة مدروسة، تُلقى فيها مصر بخبراتها البرلمانية العتيقة على أرض القارة السمراء، إلى جانب مساندة دبلوماسية شعبية واعية بدورها فى توطيد الروابط المصرية/ الأفريقية.
• العلاقات الاقتصادية المصرية/ الأفريقية، ما زالت فى حدود لا تحقق الطموحات التى من أجلها نشأ الاتحاد الأفريقى، وعلينا أن ندرك عن يقين أن التعاون الاقتصادى يمثل رأس الحربة لتقوية النفوذ المصرى فى القارة السمراء البكر، ولنا فى التنين الصينى أُسوة حسنة؛ إذ يولى أفريقيا اهتماماً خاصاً سبق به التواجد الغربى التاريخى فى دول القارة الواعدة.
• القوة الناعمة المصرية عليها أن تلعب دوراً مميزاً فى دعم العلاقات المصرية/ الأفريقية، مع ملاحظة أن الأشقاء الأفارقة يشكون من غيابهم عن الثقافة المصرية المهتمة بالثقافة الغربية على حساب غيرها من الثقافات، حتى الآسيوية، ولا سبيل إلى نسيان أهمية الدور الذى لعبته القوة الناعمة المصرية فى ريادة مصر عربياً.
• المجتمع المدنى فى حاجة إلى أجندة عمل أفريقية، أرى أن تساعدها فيها المؤسسات الرسمية، ولا يقتصر ذلك على وزارة التضامن الاجتماعى، بل يمتد إلى كل الوزارات والمؤسسات الرسمية الزاخرة بخبرات تحتاجها أفريقيا بشدة.
• وسائل إعلامنا، أتمنى أن تعطى مساحات أكبر، فى توقيتات زمنية كثيفة المتابعة من الجمهور، لنشر الوعى بقضايا القارة، وما يدور فيها من أحداث وصراعات وتنمية. وفى ذلك يمكن وضع خطة تعاون مع وسائل إعلام أفريقية، حتى لا نتحدث عنهم فى غيابهم، وبالتالى تكون نظرتنا من جانب واحد.
• ولو أن الأحزاب المصرية، عافاها الله، مُقصرة فى وظائفها على الساحة الداخلية، إلا أن الزخم الذى أفرزته رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى ربما يدفع بأحزابنا إلى المساهمة فى تنشيط العلاقات المصرية/ الأفريقية. لا بشعارات وخُطب، ما عادت حتى «رنانة»، جراء سطحيتها واهتمامها بصغائر الأمور الحزبية، فليس أقل من أن تنهض أحزابنا بدور ما، على الساحتين الإقليمية والدولية، وتتبادل الزيارات الموضوعية مع أحزاب القارة، فيما يبلور رؤية أفريقية مشتركة تجاه القضايا الأفريقية المهمة، التى تمس بالقطع أمننا القومى، نظراً لتشابك العلاقات إلى حد كبير.
لو تحقق ذلك لأصبحت رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى مكسباً كبيراً، لمصر، ولأفريقيا على حد سواء، وغير ذلك ستمر مدة الرئاسة، دون قفزة حقيقية للنفوذ المصرى فى القارة السمراء التى تنتظر منا ما هو أكثر من الاحتفال برئاسة الاتحاد الأفريقى!. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة