التونسى عبد الدائم السلامى يشاكس الجميع: أغلب ما يكتبه النقاد يحول الأدب لعمل "نكدى".. النقد الأكاديمى يمجد عزلته بجيوش من الافتراءات ومصطلح القراءات العلمية "كهنوت".. والناقد أصبح عبئا ولا يعى أمورا كثيرة

الأحد، 10 فبراير 2019 12:22 م
التونسى عبد الدائم السلامى يشاكس الجميع: أغلب ما يكتبه النقاد يحول الأدب لعمل "نكدى".. النقد الأكاديمى يمجد عزلته بجيوش من الافتراءات ومصطلح القراءات العلمية "كهنوت".. والناقد أصبح عبئا ولا يعى أمورا كثيرة الناقد التونسى الدكتور عبد الدايم السلامى ومحرر "اليوم السابع"
حاوره: محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- بعض النقاد يستعرضون عضلاتهم على النص فيجرون جمالياته

- معظم ما يكتب اليوم كتابة جافة وتقريرية

- النقد الأكاديمى العربى يمجد عزلته بجيوش من الافتراءات

- أغلب ما يكتبه النقاد يجعل الأدب عمل "نكدى"

- الناقد الأكاديمى صار عبئا على الأدب العرب ولا يعى أمورا كثيرة

- الكتاب الأكثر مبِيعا لا يشترط أنه الأكثر إبداعا

 

هو واحد من بين النقاد العرب، الذين يتركز جهدهم على تطوير قراءة السرد العربى الحديث، من خلال تبين حدود المناهج النقدية الغربية فى مقاربته والمحاولة إلى جعل قراءة النص بعضًا من كتابته، وهدم المألوف فى النقد العربى، محاولة لإشعال ثورة فى التفكير النقدى، بعيدًا عن معابد المناهج النقدية التقليدية، هو الناقد التونسى الدكتور عبد الدائم السلامى.

التقينا الرجل الذى حل كأحد ضيوف اليوبيل الذهبى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وعلى عكس كتاباته، بدى الناقد التونسى الدكتور عبد الدائم السلامى، كشخص هادئ، يرفض الألقاب كما يرفض سطوة المصطلحات الجافة فى النقد، ويشاكس الجميع إيمانا بأن الكتابة هدم قبل أن تكون بناء.. وإلى نص الحوار

 
الناقد التونسى عبد الدايم السلامى والزميل محمد عبد الرحمن
الناقد التونسى عبد الدايم السلامى والزميل محمد عبد الرحمن
 
 

تحدثت فى كتابك "كنائس النقد" عن سلطة الناقد وطرحت مفهوم ولاية الناقد الفقيه.. كيف تتجلى كهنوتية النقد الراهن لدى بعض النقاد؟
 

يبدو لى أن النقد العربى يعيش الآن قلقا وحيرة مبعثهما تردده بين نوعين غالبين على ممارسته دون قدرته على الحسم فى الانتصار لأحدهما: النوع الأول، يتكئ فيه أصحابه على صفاتهم الأكاديمية، أو هم يتحصنون بها، ليروجوا بين الناس قراءات يصفونها بهتانًا بـ"العلمية" (من هنا تأتى سلطتهم، ومن هنا أيضا ينتهى اجتهادهم النقدى ويبدأ كهنوتهم)، وهى قراءات يكرهون فيها الأعمال الأدبيةَ على الخضوع لشروط ما يستدعون لها من مناهج ومقولات نظرية ذات سياقات وثقافات تختلف عن ثقافة نصوصنا الإبداعية، وغاية أمرهم ليست النظر فى أدبية النصوص وقيمها، وإنما هى اهتمامهم بعرض عضلاتهم فى فهم هذا المنهج أو ذاك، ومن ثم هم يعتدون على معانى النصوص التى يدعون قراءتها، بل هم يعنفونها، لأنهم لا يرون فيها إلا كتابة مارقة تحتاج إلى أن تدخل إلى معابِد المناهج الغربية لتعترف بآثامها وتتطهر منها.

أما النوع الثانى من النقد، فينجزه نقاد جدد اطلعوا على النظريات النقدية الغربية ولكنهم لا يقدسونها، وإنما هم يستفيدون من بعض ما فيها ويحاولون تجاوزها إلى تأصيل رؤى نقدية تناسب النص الأدبى العربى فى أحواله وتجرى فيه مجرى الإبداع. وبالتلخيص أقول إن الأكاديمية قتل للاجتهاد وتقديس للثابت وحراسة له، إنها شكل من أشكال الوثنية، أما معانى النصوص فمتحركة وحالمة، فكيف لثابت سجين أن يعرف أحوال متحرك حالم؟

حاولت فى كتابك أن تحرر النص من المعانى المفروضة عليه من قبل النقاد.. فكيف يمكن التعامل مع النصوص دون انحياز مسبقة؟
 

إن تحرير النص الأدبى العربى من قيوده لا يكون إلا بالانحياز القرائى إليه؛ أن أقرأَه وأحبه معا، أعنى أن أنتصر لحقوقِه الأدبية جميعِها: حقه فى مروقه الفنى، وحقه فى التواصل الحر مع واقعه، وحقه فى الإيحاء بمعانيه دون إكراه نظرى مسقط عليه، وأن أنتصر فى الآن نفسه لحقوقى القرائية جميعها: حقى فى قراءة نص باذخ المعنى والمبنى، وحقى فى طبيعة تلقيه، وحقى فى كيفية كتابة ذاك التلقى وعليه، فلا أكتب النقدَ الروائى مثلا إلا وأنا حال بالروايات محل كاتبيها، وهو حلول يحفِز كل رواية منها كى تذيبنى فيها، وتكتبى، وتخبِر العالم بشيء من أحوالى أنا المسمى عبد الدائم السلامى، وما يأتى بعد ذلك إنما هو تدوين لمراقى ذاك الحلول أدبيا، وما يسميه الأكاديميون "قراءة منهجية" هى أفسد قراءات الأدب، لأنها تعزلُنى عن النص، وتمنعنى من مخالطته بعقلى وبجسدى معا، وتتوسل فى معرفة معانيه عدة مصنوعة لكل النصوصِ فى الأرض، غير أن ما يصلح لكل النصوص إنما هو لا يصلح لنص بعينه منها.

وفى رأيى أن كل قراءة هى بالأساس منهج تفرضه حالة القراءة ذاتها لنص ما بذاته: هى منهج عماده تقاطع حقوق ذاك النص مع حقوق قارئه: القراءة هى تقاطع حريات وتقاطع أمزجة، إنها الفعل الذى يحررنى مما حولى، ويجعل جسدى جميعه روحيا: جسدا، كالنص ذاته، حيا بلا جسد.

الناقد التونسى عبد الدايم السلامى
الناقد التونسى عبد الدائم السلامى
 

قلت "إن النقد العربى الراهن هو العجز.. العجز عن كتابة أدبية توازى أدبية كتابة المبدعين".. فماذا تقصد؟
 

ما أعنيه بعجز النص النقدى، هو عدم قدرته على التكون الأدبى، أى عجزه عن أن يصير نصا إبداعيا يرغب الناس فى قراءته والتلذذ بها. ما يكتب اليوم من نقد إنما هو كتابة جافة وتقريرية، ولا يقرؤها إلا المختصون: أصحابها وأصحاب أصحابها. هل رأيت قارئًا عاديًّا يشترى كتابًا نقديًّا؟ وإنى أزعم أن للنص النقدى كل الأسباب التى ترتقى به من مرقى الخطاب الجاف إلى مراقى الخطاب الإبداعى، فهو نص ينبنى على روافد تفوق ما يتوفر منها للمبدع: فالمبدع يتكئ فى خلق نصه على نص الواقع وعلى خياله هو، أما الناقد "القارئ" فيتكئ على نص الواقع وعلى نص المبدع، وعلى خياله هو فى تلقى ذيْنك النصين.

إذا هل تتفق مع من يقول بأن النقد الأكاديمى أصبح محصورا على النخبة كالفلسفة؟
 

ما يزال النقد الأكاديمى العربى يمجد عزلته، ويحميها بجيوش من الافتراءات على غرار مقولتى "العلمية" و"الموضوعية"، وهى افتراءات حولته إلى عمل "نكدى"، يفسد على النصوص توهجها الفنى والمضمونى، ويفسد على القراء لذاذة المعانى، لا بل ويفسد على المبدعين صفاء علاقتهم بحدث الخلق الإبداعى.

الناقد الأكاديمى صار عبئا على الشأن الأدبى العربى، ناهيك عن كونه لم يعِ بعد أنه يعيش فى دول وهمية خارجة عن جغرافيات دول نصوصنا، ولم يعِ أيضا أن الفنون والآداب والعلوم راحت تنفتح على ميادين العامة، وتحتك بها. يوجد الآن "البوب آرت" و"البوب فيلوسوفى" و"البوب كرِيتِيك"...، وهى إبداعات طلقت أطرها الرسمية وذهبت إلى حيث يعيش الناس لتحيا معهم: تتكلم لغتهم وتحلم أحلامهم.

 

 

 

 
عبد الدايم السلامى
عبد الدائم السلامى
 

يرى البعض أن الحركة الأدبية العربية مرتبطة بالخطاب السياسى منذ عشرينيات القرن الماضى على الأقل.. هل ازداد حجم هذه التبعية فى السنوات الأخيرة؟
 

الحق هو أن تبعية الإبداع للسياسة ظاهرة قديمة جدا، ويمكن مثلا أن نؤرخ لأحدِ تجليها فى تاريخنا العربى بما كان يفعله حسان بن ثابت (أُهجُهُمْ يا حسّانُ وروح القدس معك)، وهى ظاهرة تكاد تكون عربيةً محضةً، خاصة مع ظهور السياسات الشمولية وحلول الحاكم الفردِ محل الوطن منذ تجارب الاستقلال فى مدار خمسينات القرن الماضى، حيث جندت السلطة العربية فيالق من الكتاب ليكونوا يدها الطولى فى تأليه الحكام والتنكيل بمعارضيهم مقابل ما تمنحهم من امتيازات مادية ورمزية.

ويمكن أن نجد مدونة ضخمة من الكتابات العربية التى يجوز تصنيفها فى خانة "أدب عبيد السلطة". وأعتقد أن السلطة العربية ذكية فى أمر واحد هو إيمانها بأن أكثر ما يؤثر فى الرأى العام العربى هو الأدب والفن، ولذلك تراها حريصة على السيطرة على الفضاءات الثقافية، ومراقبة المنشورات، وكسر شوكة كل كاتب لا يسبح فى فلكها ولا ينقاد لمشيئة رياحِها.

السلطة العربية تخاف من الأدب، ولذلك عمدت إلى تعذيب الكتاب الذين لا يخافون منها: فقد أمر سفيان بن معاوية بقتل ابن المقفع قائلاً: «والله لأقطعنَّه إرْباً إرْباً وعينُه تنظر»، وضرب المهدى بشار بن برد «سبعين سوطاً فمات، وقيل: ضَرَب عنقَه». ونحن واجدون فى كتاب «صورة الحاكم فى التراث الشعبى» القول إن الحكام قد اهتموا بالحكاية سلاحا ذا حدين، فإن هى [كانت] فى صالحهم شجعوها، وإن خالفت ذلك قمعوها، ونكلوا برواتها ومبدعيها. وكانت الحكاية فى التراث العربى الإسلامى أداة من أدوات الصراع بين الشعب والأحزاب، وبينها وبين الحكام، ففى سنة 284هـ منع الخليفة المعتضد العباسى الوراقين من نسخ كتب الفلاسفة وبيعها، وأمر القصاص بعدم الجلوس فى المساجد والطرقات لرواية الحكايات، وفى سنة 367هـ، منع عضد الدولة البويهى القصاص من الظهور فى المساجد وغيرها من الأماكن العامة واعتبرهم آفةَ المجتمع، لأن أحاديثهم كانت سببا فى إثارة غضب الناس، كما أمر الخليفة القادر بالله العباسى فى سنة 408هـ بضرب القُصّاص، وعمل على مناهضتهم بسبب إثارتهم الفتن الداخلية.

وكيف تنظر لأعمال الـ"بيست سيلر" وتأثيرها على المشهد الأدبى العربى؟
 

الكتاب الأكثر مبِيعا لا يشترط أنه الأكثر إبداعا. علينا أن نعى أن البيست سيلر هى ظاهرة إشهارية، بل ظاهرة تجارية ذات نوايا سيئة، تهتم بصناعة أسماء الكتاب ولا تعنيها مضامين أدبهم، يعنيها الربح المادى ولا تعنيها القراءة، إنها تقر ضمنيا بعجز القارئ عن بلوغ معانى النصوص الكبرى، وتقترح عليه كتابات خفيفة تناسب ما ترى فيه من ضعفٍ قرائى.

أنا مع تقديم محتوى أدبى مناسبٍ للقارئ العادى، وهو المعنِى الأول بفعل القراءة ذاته، أعنى محتوى يحترم مفهوم الإبداع نفسه، ويكون خفيفا دونما وقوعٍ فى حيز الرداءة، وهادفًا دونما بلوغ حيز الوعظِ، ويخاطب قراءه بلا قفازات، شرطَ ألا يتحول ذلك إلى تشجيع على نشر الضحالة الأدبية.

هناك روايات عربية ضعيفة فنيا ومضمونيا، ويتم التسويق لها الآن على كونها مناسبة للقارئ العربى، وهذا أمر أدى إلى استفحال أزمة القراءة ذاتها، ومنع الكتابات الجيدة من حقها فى صناعة قارئها الذى تشتهى.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة