الأزهر يرد ردا تفصيليا على المخاوف من قانون الأحوال الشخصية.. توضيح المغزى من مواد تعدد الزوجات وتزويج الصغيرة.. ويكشف سبب جعل الأب فى المرتبة السادسة للحضانة وملاحقته قضائيا حال امتناعه عن النفقة على أولاده

الخميس، 05 ديسمبر 2019 07:00 ص
الأزهر يرد ردا تفصيليا على المخاوف من قانون الأحوال الشخصية.. توضيح المغزى من مواد تعدد الزوجات وتزويج الصغيرة.. ويكشف سبب جعل الأب فى المرتبة السادسة للحضانة وملاحقته قضائيا حال امتناعه عن النفقة على أولاده مشيخة الأزهر
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رد الأزهر الشريف على عدد من المواد بقانون الأحوال الشخصية والذى انتهى منه، وقدمه لمجلس النواب، حيث تصدى الدكتور عباس شومان، وكيل الازهر السابق، لتفنيد والرد على مخاوف البعض من  بنود هذا القانون .

الاعتراض

يرى البعض أن المشروع يفتح الباب لتزويج القاصرات، حيث أعطى الحق للقاضى فى الإذن بتزويج الصغير.

الرد

 القول بأن مقترح القانون يفتح الباب لتزويج القاصرات حيث أعطى الحق للقاضى فى الإذن بتزويج من لم تبلغ الثامنة عشرة، حيث جاء نص المادة (18) : ( أهلية الرجل والمرأة للزواج بتمام ثمانى عشرة سنة ميلادية ،والزواج قبل بلوغ هذه السن لا يكون إلا بإذن القاضى للولى أو الوصى فى حالات الضرورة تحقيقا لمصلحة الصغير والصغيرة).

والنظرة الظاهرية للمادة دون الوقوف على فلسفتها يعطى بعض العذر للقائلين بأنها تفتح الباب لتزويج الصغار والصغيرات، ولكن الوقوف على فلسفتها قد يجعلها مقبولة عند رافضيها، حيث راعت المادة بعدا إنسانيا مجتمعيا واقعيا خفى على منتقديها، حيث صيغت المادة بهذا الشكل لبيان أن سن التزويج هو الثامنة عشرة إذ به ينتهى سن الطفولة، ومعنى هذا أن الزواج قبل هذه السن يكون مخالفا للقانون ويعرض عاقده للمساءلة القانونية، ولكن بالنظر إلى الواقع العملى فماذا لو وجدنا  فتاة بلغت السابعة عشرة أو أكثر ولكنها لم تبلغ الثامنة عشرة ،وقد  فقدت أسرتها بالكامل فى حادث سير أو أى كارثة جماعية وأصبحت بلا عائل ولا مأوى أو مع عائل يحتاج لعائل يعوله ،ووجدت شابا على استعداد أن يتزوجها ويحفظها من الضياع والتشرد، وحيث إنها لم تبلغ سن التزويج قانونا ،  وحيث تريد هذا الزواج لتحمى نفسها شر الضياع والانحراف ألا يكون من المناسب رفع أمرها إلى القاضي،  فإن رأى الزواج هو الحل الوحيد لحفظ هذه الفتاة من الضياع أذن فى تزويجها إن كان لها ولى فإن لم يكن زوجها هو أو جهة تحددها الدولة ،وحالة أخرى لفتاة اقتضت ضرورة الستر لجريمة وقعت فيها وربما ترتب عليها حمل أن تتزوج من شريكها فى الجريمة ،وإلا فلربما تعرضت ليس للفضيحة وفقط بل وربما للقتل من قبل أهلها ،فإذا كان تزويجها سيدمجها فى الحياة من جديد ألا يكون من المناسب تمكين القاضى من الإذن فى تزويجها؟ ولا يقال إن هذا ربما يشجع على فساد الأخلاق ، لأن الجريمة كبيرة موجبة للعقاب بذاتها ، ولا علاقة لهذا العقاب بمسألة التزويج ،فطريق الخلاص من الإثم إما العقاب وإما التوبة المقبولة ، فقد علمنا من شرعنا الفصل بين الأحكام ، وأن مساعدة من وقع فى جريمة على الخروج منها وتخفيف آثارها ورعاية البعد الإنسانى موافق لمقاصد شريعتنا ، ولذا شرعت الدية إنقاذا للقاتل من القصاص متى رضى بها أولياء الدم مع أنه مرتكب لجريمة متناهية فى القبح والاستنكار من شريعتنا توجب قتله قصاصا مالم تقبل الدية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِى لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، ووجب معاملة من ارتكبوا جرائم عقوباتها القتل معاملة إنسانية فحرم منعهم الطعام أو الشراب أو تعذيبهم حتى يحين وقت تنفيذ الحكم فيهم ، ومما لاشك فيه أن التوبة من كافة الذنوب مقبولة إن كانت حقوقا خالصة لله ومنها جريمة الزنا، ولا يختلف أحد حول مشروعية بل واستحباب الستر على الفاعلين ومساعدتهم لتخفيف آثار جريمتهم وعودتهم أسوياء فى مجتمعهم، وبكل تأكيد تمكين هذه الفتاة من الزواج باب لذلك ، ولذا مكنت المادة منه ، مع جعله للقاضى حتى لا يتوسع فيه فى  غير ضرورة أو حاجة شديدة. وبهذا يظهر أن المادة راعت بعدا إنسانيا مهما لا يختلف عليه إلا إذا كان يرى هذا البعض إهدار هذا البعد تقديسا لقوالب قانونية هى من اجتهاد البشر وليست معصومة ، ولقد علمنا من شرعنا أن الأحكام الثابتة بالنصوص الشرعية القطعية يمكن أن تعطل إذا عارضها عارض إنسانى قوى، ومن ذلك ما فعله – رسولنا الأعظم- حين آخر إقامة الحد على الغامدية التى زنت حتى تضع حملها ويستغنى عنها وعن لبنها فقد روى  أن الغامدية جاءته – صلى الله عليه وسلم: "فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكِ ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ ». فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ « وَمَا ذَاكِ ». قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالَ « آنْتِ ». قَالَتْ نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا « حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ ». قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ « إِذًا لاَ نَرْجُمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا" ( )مع أن النص القرآن نص على العقوبة فقط {  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين}( ) والنص النبوى الذى بين عقوبة الزنا للمحصن ولغيره اكتفى بذكر العقوبة دون تعرض لمسألة التأجيل:"  خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .

عنى خذوا عنى فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالذكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "( ) ثم نسخ الجلد عن المحصن وبقى الرجم ، ومعلوم أن سيدنا عمر – أوقف قطع السارق فى عام الرمادة لشبهة الجوع الذى حل بالناس مع أن النص أوجب القطع للسارق { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ...} ( )وبكل تأكيد رفض رسولنا رجم الغامدية حتى تلد ويستغنى عنها ولدها، وتعطيل أمير المؤمنين قطع السارق فى عام الرمادة هو بعد إنسانى يفصل بين العقاب لمستحقه وحق الحياة وسلامة الأعضاء لمستحقها حتى ولو لشبهة. فما بالنا إذا كنا بصدد مادة تحفظ حق الحياة  ودرء العار المطلوبين شرعا ولو كان على حساب مادة قانونية من وضع البشر جعلت سن الزواج محددا بهذه السن الاجتهادية غير الثابتة أو المقطوع بها بدليل رفع سن الطفولة إليها بعد أن كان أقل منها ، أم أن قدسية النصوص البشرية أكثر تقديسا من نصوص الكتاب والسنة القطعية؟!

الاعتراض الثانى

وهناك اعتراض على ما ورد بالمادة (16) التى تقول: «للقاضى أن يأذن بزواج المجنون والمعتوه ذكرًا كان أو أنثى إذا ثبت بتقرير طبى رسمى صلاحيته للزواج، ورضى الطرف الآخر بحاله»، ومحل الاعتراض هنا أن العقود - ومنها عقد الزواج - يشترط فيها العقل، فكيف يعقده المجنون أو المجنونة؟!

وللإجابة عن هذا الاعتراض أقول:

أولًا: الجنون أنواع، منها الجنون الدائم، والجنون المتقطع، فإذا كان الجنون متقطعًا وكان من يجن يفيق أيامًا ويجن أخرى، وأثبت أهل الخبرة أنه مدرك عاقل وقت العقد، فلا مانع شرعًا من إنشائه للعقد حال إفاقته، وإن كان جنونه دائمًا فلا يكون أهلًا لإنشاء العقد، وإنما يتولاه عنه وليه كالصغير، كما يبيع له ويشترى ويطالب بحقوقه أمام المحاكم وغيرها، فلا مشكلة فى إنشاء العقد.

ثانيًا: المجنون أو المجنونة من البشر، ولهما حاجتهما الجسدية والنفسية كالعقلاء، فإذا وجد أحدهما شريكًا يرضى بحاله ويعلم أنه قادر على العيش معه دون خوف مضرة، وأثبت التقرير الطبى الرسمى أن هذا الشخص صالح للزواج ولا خوف من سلوكه على شريكه، أليس من المناسب عندئذ إعطاء القاضى الحق فى تزويجه، أم أننا ينبغى أن نعاقبه بالحرمان لجنونه ونهدر حقوقه كإنسان؟! ثم أيهما أولى: تزويج هذا المجنون وجعله فى كنف من ترعاه ورضيت به أو يرعاها ورضى بها، أم تركه يعيش مع حرمانه أو يلبى حاجاته البشرية بطريق غير مشروع متى وجد له سبيلًا، ولا سيما أنه لا سبيل لعقابه وردعه شرعًا لجنونه؟!

إن هذه المادة كسابقتها قد راعت بعدًا إنسانيًّا موافقًا لمقاصد شرعنا الحنيف، وقد كان الأولى الثناء عليها لعدم إغفالها حاجة فريق من البشر فقدوا نعمة العقل، ولكنهم لم يفقدوا إنسانيتهم، ولو أصابنا نحن العقلاء مصيبتهم لكان من الجميل إحساس إخواننا العقلاء بمعاناتنا وتحقيق احتياجاتنا متى كانت ممكنة.

الرد على الاعتراض الثالث

ومن الاعتراضات على مشروع القانون كذلك، أنه جعل الأب فى المرتبة السادسة، وهى مرتبة متأخرة وفيها ظلم للأب، وكان من الأولى أن يكون بعد الأم مباشرة فى مسألة الحضانة.

وأقول إن الفقهاء قد اتفقوا على أن الأم تأتى فى الترتيب الأول بين الحاضنين([3])، وذلك لما روى أنَّ امرأةً قالَت: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ ابنى هذا كانَ بطنى لَه وعاءً، وثَديى لَه سِقاءً، وحجرى لَه حِواءً، وإنَّ أباهُ طلَّقنى وأرادَ أن ينتزِعَه منِّي. فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «أنتِ أحقُّ بِه ما لم تَنكِحي»([4])، ولكنهم اختلفوا فى ترتيب الحاضنين بعد الأم؛ فهى مسألة اجتهادية، وفيها آراء كثيرة، منها ما يجعل الأب بعد الأم فى الترتيب، وهو ما ذهب إليه الحنابلة فى رواية ليس عليها العمل عندهم([5])، ومنها ما يجعل الأب فى مرتبة بعيدة جدًّا؛ حيث لا تصل إليه الحضانة إلا إذا لم توجد حاضنة من النساء كأم الأم، وأم الأب، وأخواته بأنواعهن الثلاثة... إلخ؛ وذلك لأن المحضون فى حاجة إلى رعاية خاصة لا يقوى عليها الرجال، ولا سيما فى السن الصغيرة، كما أنه يحتاج إلى تدليل وزيادة حنان، والنساء أكثر قدرة عليهما من الرجال، وما ذهب إليه مشروع الأزهر هو رأى وسط بين هذه الآراء. وما يتفق عليه غالب الناس من خلال بحث المشكلات من قبل جهات الاختصاص، وأهمها محاكم الأسرة، والمجالس والجمعيات المهتمة بالأسرة، وعلماء النفس والاجتماع، لا مانع من صياغة المادة على أساسه متى كانت تحقق مصلحة المحضون، والمشكلة الأساسية ليست فى ترتيب الحاضنين، ولا تقديم الأب أو تأخيره، ولكن فى الأطراف نفسها، فغالبًا لا تكون المطالبة بقصد تحقيق مصلحة المحضون بقدر ما تكون تنفيذًا لأغراض وسعيًا لتحقيق انتصار من طرف على الآخر ولو على حساب المحضون! فكثير من الأمهات لا تناسبها الحضانة لسبب أو لآخر كالعمل مثلًا، ومع ذلك تتمسك بالحضانة مستغلة اتفاق الفقهاء على أحقيتها بالحضانة فى المرتبة الأولى، مع أن حقها فى الحضانة مشروط بصلاحيتها وقدرتها على رعاية المحضون، ولذا تملك الأم هذه الأحقية ما لم تتزوج زواجًا يؤثر على رعايتها للمحضون، وإنما ضرب الزواج كمثال يبين أن العارض الذى يعرض للحاضنة ويؤثر على رعايتها للمحضون يسقط هذا الحق ومن ثم تنتقل الحضانة لمن يليها، وليس المسقط للحضانة الزواج لذاته، فلو تزوجت عم المحضون مثلًا، أو رجلًا كريمًا ولا يمانع فى رعايتها لولدها المحضون، فإنه ينبغى أن يستمر هذا الحق لها لعدم الخوف على المحضون من هذا الزواج، وقد ورد فى كتاب الله عز وجل ما يدل على أن الأم يمكن أن تحتفظ بالحضانة بعد زواجها من غير والد المحضون، وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ...} [النساء: من الآية 23]، فمع كون الآية واردة فى بيان تحريم بنت الزوجة على زوج أمها، لكنها أفادت بطريق آخر أنها قد تكون مع أمها فى بيت زوج الأم، وذلك فى التعبير بالحِجر.

ومن ثم، فإن جعل الزواج لذاته مسقطًا لحضانة الأم على إطلاقه هكذا، فيه تشدد، وهذا التشدد جعل كثيرًا من الأمهات يتزوجن سرًّا، كما أن إثبات الحضانة للأم ما لم تتزوج على إطلاقه لا يوافق مقاصد الشرع، فالعبرة بقدرة الأم على الحضانة من عدمها، فإن قدرت فهى أولى الخلق، وإن لم تقدر فينبغى أن يسقط حقها وتنتقل الحضانة لغيرها ممن لهم حق الحضانة، وهو صالح لها، سواء أكان الأب أم غيره. ومن وجهة نظرى الشخصية، ينبغى إعطاء القاضى صلاحيات أوسع لاختيار الحاضن الأصلح للمحضون من بين الحاضنين، أو حتى من غيرهم إذا لم يجد بين من لهم الحق من يصلح لحضانة الطفل، ولقد كررت هذا الرأى ونشرته أكثر من مرة، ولا سيما بعد مقتل الطفلة جنة على يد جدتها الحاضنة. وعلى أى حال، فإن ما اختاره الأزهر ليس من عنده، بل هو من بين الآراء القوية المسطرة فى كتب الفقه، وهو رأى وسط كما سبقت الإشارة إليه، فإن ناسب أكثر الناس فليأخذوا به، وإلا فليختاروا غيره، وسيجدون له تأييدًا فى كتب فقهنا أيضًا.

الملاحظتان الرابعة والخامسة

ومن الملاحظات التى يتحدث البعض عنها، أن المواد (95 – 97) تلزم الزوج بالإنفاق على أولاده، وفى حال امتناعه يلاحق قضائيًّا، وهو ما يترتب عليه احتمال الحكم بحبس الممتنع، مع أنه لو حُبس فلن يكون قادرًا على الكسب، ولذا يرى المنتقدون لهذه المواد أنه كان من الأولى النص على خصم النفقة من راتبه بدلًا من الحبس.

ويلاحظ أن من ذكروا هذا قد افترضوا أن جميع الرجال من الموظفين الذين يملكون دخلًا ثابتًا يمكن أخذ النفقة منه، والواقع ليس كذلك، وفى رأيهم هذا إغفال لمصلحة الأولاد؛ فهم يراعون مصلحة من وجبت عليه النفقة فقط، وكان على المنتقدين أن يفكروا تفكيرًا يوازن بين المصلحتين معًا ما لم يكن تقديم مصلحة الأولاد هو الأولى؛ لأنهم الجانب الأضعف، كما أن مبدأ الحبس فى الديون مبدأ مطبق فى الديون بصفة عامة، وليس خاصًّا بدين النفقة، ولذا كان عليهم أن يطالبوا بهدم المبدأ من أساسه بعدم الحبس فى الديون بصفة عامة، وهو أمر لا يمكن أن يقره عاقل؛ لما فيه من ضياع الحقوق ومساعدة المماطلين مع قدرتهم على الوفاء.

ومن اعتراضاتهم كذلك أن القانون تضمن مادة نزلت بسن الحضانة فجعلت نهايتها للولد سبع سنوات وللبنت تسع سنوات، وهى - فى نظرهم - لا تناسب تغيرات العصر وواقع حياة الناس، وكان من الأولى رفع السن للبنت والولد على السواء إلى خمس عشرة سنة.

وفى الحقيقة هذا اعتراض فى غير محله، ومشروع القانون لم يخفض سن الحضانة، بل يقترح رفعها لأكثر مما يطلبه المعترضون؛ حيث تنص المادة (100/ب) على أن «تنتهى الحضانة بزواج البنت، وبلوغ الصغير خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، ويخير بعدها.

الرد على الملاحظتين السادسة والسابعة

ومن اعتراضاتهم تجاهل مشروع القانون لما يتعلق بالرؤية والاستضافة.

وأقول إن مشروع القانون لم يتجاهل الرؤية؛ فالمادة (102) تنص على:

«أ- لغير الحاضن من الأبوين الأجداد رؤية المحضون مجتمعين فى وقت واحد.

ب- إذا لم يتم الاتفاق على تنظيم الرؤية بين الطرفين، نظمها القاضى فى مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيًّا.

ج- لا ينفذ حكم الرؤية قهرًا، فإن امتنع الحاضن عن الرؤية بغير عذر أنذره القاضي، فإن تكرر منه ذلك، جاز للقاضى بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتًا إلى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها».

أما مسألة الاستضافة أو الاصطحاب، فلا مانع - إن رأى نواب الشعب بعد أخذ رأى الجهات المعنية بالطفل - من صياغة مادة لها. ومن وجهة نظرى الشخصية، فإن الرؤية بشكلها الحالى مهما وُضع لها من ضوابط، لا تشبع حاجة الأب فى الوقوف على حال ولده وإحساسه ببنوته إشباعًا لغريزة الأبوة، ولا سيما أنها تنفذ غالبًا بطريقة وفى أماكن غير مناسبة، ومهما كان سبب الطلاق ومن تسبب فيه، فلا ينبغى الإجحاف بحق غير الحاضن فى ابنه، وليس فى شرعنا ما يمنعها، بل نص السابقون على ما يدل عليها؛ ففى (المقنع) وغيره من كتب الحنابلة: «وإذا بلغ الغلام سبع سنين خُيِّرَ بين أبويه، فكان مع من اختار منهما، فإن اختار أباه كان عنده ليلًا ونهارًا، ولا يُمنع من زيارة أمه، ولا تُمنع هى من تمريضه، وإن اختار أمه كان عندها ليلًا وعند أبيه نهارًا ليعلمه الصنعة والكتابة ويؤدبه...»([6]). ومع أن مسألة تخيير الطفل عند بلوغ السابعة غير مناسبة لزماننا وواقعنا ولا تحقق مصلحة الطفل؛ لأنه سيختار من يراه أكثر لينًا معه وتدليلًا له، ولكن النص دل على شيء مهم يجيز الاصطحاب، وهذا النص التراثى الفقهى يجعل مسألة اصطحاب المحضون التى يتحدث البعض عنها مسألة جائزة شرعًا متى رأى أهل الاختصاص ملاءمتها وتحقيقها لمصلحة المحضون، وما يطالب به أولياء المحضون أقل مما حملته العبارة بكثير؛ فهم يطالبون به يومًا فى الأسبوع مثلًا، وليس نهار كل يوم كما نصت العبارة، ومن المهم استطلاع الرأى المجتمعى حول هذه المسألة تحديدًا، مع وضع الضوابط الكفيلة بعدم استغلال ولى المحضون لمسألة الاصطحاب بما يضر بحق الحاضن، وإلا تعرض للحرمان منها مؤقتًا أو كليًّا إن تكرر منه مثلًا تأخير رد المحضون أو محاولة الاحتفاظ به.

ومن اعتراضاتهم جعل الولاية التعليمية للأب وسلبها من الأم، وهو ما يضر بالمحضون ويترتب عليه كثير من المشكلات.

وهذا اعتراض غير صحيح؛ فالولاية التعليمية فى المشروع مشتركة بين الأب والأم؛ حيث يتفقان على نوع التعليم، ويكون على والده جميع تكاليفه، ثم يكون للأم وحدها ما بقى من هذه الولاية، فإن اختلفا فهى للأب، بشرط ألا تقل عن درجة التعليم المناسب لأقرانه، كما جاء فى نص المادة (103): «تكون الولاية التعليمية المتمثلة فى اختيار نوعية التعليم للأب والأم بالتراضي، فإن تنازعا فتكون للأب، بشرط ألا تقل نوعية مستوى التعليم عن مستوى نظائر المحضون، وعلى الأب أداء تكاليفه... وتكون الولاية للحاضن فيما عدا ذلك، فإن رغب الحاضن فى نوعية تعليم تزيد تكاليفه عما اختاره الأب، تحمل الحاضن فرق التكاليف».

وإنما صيغت المادة على هذا النحو حتى لا يتعنت الحاضن فيختار نوعًا من التعليم لا يستطيع والد المحضون تلبية نفقاته؛ لأن نفقة التعليم كاملة تكون على الوالد، وأعتقد أنه لو جُعل اختيار نوع التعليم بيد الحاضنة لندر أن تختار حاضنة لولدها التعليم العام مثلًا، ولا تخفى تكاليف التعليم الخاص وتعدد مستوياته التى منها ما يرهق الأغنياء، فضلًا عن الفقراء! وقد تختار الحاضنة أعلاه نكاية فى والده، ومع ذلك فقد أعطت المادة الحق للحاضن فى إلحاق المحضون بنوع التعليم الذى يختاره، ويتحمل هو الفرق بين تكلفة التعليم المناسب لأقرانه - التى يتحملها والد المحضون كاملة - ونفقات التعليم الذى اختاره الحاضن.

الاعتراض السابع

ومن الاعتراضات كذلك أن المشروع جعل الطلاق بكلمة من الزوج دون اعتبار للزوجة، كما فى المادة(51) وهذا - فى نظرهم - يترتب عليه ظلم للزوجة.

وهذا الاعتراض لا يوجه لمشروع القانون؛ لأنه ليس هو من جعل الطلاق بكلمة من الزوج، بل الشرع هو الذى نص على هذا، وذلك فى قوله – تعالى- فجميع آيات كتاب الله – عز وجل – التى تحدثت عن الطلاق وجهت الخطاب للرجال وليس النساء مثل قوله – تعالى- :{ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( ) وهو أمر مجمع عليه بين الفقهاء.كما أن الشرع أعطى فى المقابل للزوجة حق الخلع، والشرع لم يعطِ حق التطليق للرجال دون النساء من باب التفضيل، ولكن حفاظًا على الأسر؛ لأن الرجال أكثر تحكمًا فى عواطفهم من النساء، فلا تدفعهم العاطفة إلى التعجل فى إيقاع الطلاق، ومع ذلك فهذا الحق الذى أعطاه الشرع للرجال دون النساء ليس للهوى والتشهى فمن يقدم عليه فى زوجية مسقرة بلا سبب فطلاقه مبغض من قبل الشرع، فهو أبغض الحلال إلى الله، فالطلاق شرع لرفع الحرج عن تعثر ابحار سفينة الزواج وتغلب الأمواج العاتية عليها، وليس للتلاعب بالنساء وإفساد حياتهن بهدم  زوجيتها ، ولذا جعله بعض الفقهاء حراما متى كان لغير سبب وهو ما تطمئن النفس إليه ويوافق مقاصد شريعتنا الغراء. قال ابن قدامة:( الطلاق من غير حاجة إليه مكروه. وقال القاضي: فيه روايتان

إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».

والثانية: أنه مباح؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». وفى لفظ: «ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق». رواه أبو داود. وإنما يكون مبغضًا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم حلالًا، ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها. ) ( ). وبدلا عن السعى لاشتراط موافقة المرأة على الطلاق وهو مالا تحتمله نصوص الشريعة و فيه من إضرار بها لكونها تتعجل بطلبه خلافا للرجل، يكون التركيز على تحذير الرجال من إيقاعه بلا سبب ،وحث الطرفين على اتباع تعاليم شرعنا الحنيف بالعشرة بالمعروف، وتنفيذ وصايا رسولنا الكريم بالنساء حيث قال: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"( ).

الاعتراض الثامن

ومن اعتراضاتهم جعل الولاية التعليمية للأب وسلبها من الأم، وهو ما يضر بالمحضون ويترتب عليه كثير من المشكلات.

وهذا اعتراض غير صحيح؛ فالولاية التعليمية فى المشروع مشتركة بين الأب والأم؛ حيث يتفقان على نوع التعليم، ويكون على والده جميع تكاليفه، ثم يكون للأم وحدها ما بقى من هذه الولاية، فإن اختلفا فهى للأب، بشرط ألا تقل عن درجة التعليم المناسب لأقرانه، كما جاء فى نص المادة (103): «تكون الولاية التعليمية المتمثلة فى اختيار نوعية التعليم للأب والأم بالتراضي، فإن تنازعا فتكون للأب، بشرط ألا تقل نوعية مستوى التعليم عن مستوى نظائر المحضون، وعلى الأب أداء تكاليفه... وتكون الولاية للحاضن فيما عدا ذلك، فإن رغب الحاضن فى نوعية تعليم تزيد تكاليفه عما اختاره الأب، تحمل الحاضن فرق التكاليف».

وإنما صيغت المادة على هذا النحو حتى لا يتعنت الحاضن فيختار نوعًا من التعليم لا يستطيع والد المحضون تلبية نفقاته؛ لأن نفقة التعليم كاملة تكون على الوالد، وأعتقد أنه لو جُعل اختيار نوع التعليم بيد الحاضنة لندر أن تختار حاضنة لولدها التعليم العام مثلًا، ولا تخفى تكاليف التعليم الخاص وتعدد مستوياته التى منها ما يرهق الأغنياء، فضلًا عن الفقراء! وقد تختار الحاضنة أعلاه نكاية فى والده، ومع ذلك فقد أعطت المادة الحق للحاضن فى إلحاق المحضون بنوع التعليم الذى يختاره، ويتحمل هو الفرق بين تكلفة التعليم المناسب لأقرانه - التى يتحملها والد المحضون كاملة - ونفقات التعليم الذى اختاره الحاضن.

الرد على الاعتراض التاسع: تعدد  الزوجات.

ومن اعتراضاتهم عدم وضع قيود على تعدد الزوجات، مما يجعل الرجال يعدِّدون من غير اعتبار للضرر الواقع على الزوجة.

وفى الحقيقة مسألة تعدد الزوجات لا يمكن التنازع حول مشروعيتها؛ لثبوتها بالقرآن والسنة والإجماع، ولكنها ليست حقًّا مطلقًا للرجال بلا ضوابط؛ فهى مقيدة من قبل النصوص التى أجازتها، وفى مقدمتها القرآن الكريم؛ حيث يقول الله تعالى: {وإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء: 3]، فالآية ربطت التعدد بضمان العدل بين الزوجات، وهذا يعنى أنه إن لم يكن الزوج قادرًا على تحقيقه، فلا يجوز له أن يعدِّد، وإن عدَّد وفهو آثم شرعًا. وقد ألزم مشروع القانون الزوج بإبلاغ الزوجة الأولى بزواجه، وأعطاها الحق فى طلب الطلاق إن تضررت من زواجه، وذلك فى المادة (61/ب، ج)؛ حيث تقول:

ب- على الزوج أن يقر فى وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإن كان متزوجًا، فعليه أن يبين فى الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتى فى عصمته، ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بإرشاد الزوج، وبخطاب مسجل مقرون بعلم الوصول.

ج- للزوجة التى تزوج زوجها عليها بأخرى وتضررت من ذلك، أن تطلب الطلاق.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة