نقلا عن صوت الأمة
الأمر الثاني أن مصر دولة مؤسسات ودولة قانون، فإذا ما توصلت إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، سيتم عرضه على مجلس النواب، ولن يتم الأمر سراً كما يفعل الآخرون، لأنه لا يوجد شىء تخشى الدولة إعلانه.
دولة المؤسسات أيضاً التي لا يدرك معناها دول إقليمية اعتادت على الصوت الواحد، تقوم على فكرة أن تبدي كل مؤسسات الدولة رأيها دون خوف، وأن توصي بما تراه في صالح الدولة، على أن يؤخذ بهذه الآراء والتوصيات بعين الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار، وهو ما اعتادت عليه الدولة المصرية، ولاتزال تسير وفق هذا النهج في كل القضايا الداخلية والمسائل الخارجية أيضاً.
إذا طبقنا كل ذلك على ما نشرته قناة "الجزيرة" القطرية مساء أمس الثلاثاء، قالت إنها تمتلك تسريباً حصرياً لوثائق سرية، حوت كما يزعمون تجاهلاً من جانب مؤسسة الرئاسة لتوصية وزارة الخارجية برفض الطرح اليوناني لتعيين الحدود البحرية، وأن تمسك اليونان برؤيتها يؤدي لخسارة مصر 7 آلاف كم مربع من مياهها الاقتصادية، إذا سلمنا بصدق هذه الأوراق التي نشرتها الجزيرة، رغم كذبها بكل تأكيد، سنجد أنها من جهة أخرى ودون أن تدري "الجزيرة" أسدت خدمة جليلة للدولة المصرية، لأنها تكشف للجميع أن الدولة المصرية ليست دولة ديكتاتورية، وليست دولة الصوت الواحد مثل الدول الكارتونية الأخرى في الإقليم، وأن دولة المؤسسات في مصر هى من منحت الحق لوزارة الخارجية- إن صحت هذه الأوراق- في أن تشرح موقفها كاملاً لرئاسة الجمهورية، وأن الرئاسة وفق هذه الأوراق التي لا نعلم حقيقتها، أخذت هذه التوصيات في عين الاعتبار ولم ترفضها أو تتجاهلها، كما حاولت الجزيرة أن تزعم، بل أن الخطاب الذي نشرته "الجزيرة" به من لغة الاحترام في التعامل من جانب مؤسسة الرئاسة للخارجية المصرية، ما يكفي للرد على العنوان الجذاب الذي حاولت من خلاله القناة القطرية الادعاء كذباً بأن "صوت الرئاسة من دماغها".
الأمر الآخر المهم في هذه الأوراق التي تدعي القناة القطرية أنها سرية، هو لماذا ظهرت الآن، تحديداً بعد توقيع الاتفاق المشبوه بين رجب طيب أردوغان وزعيم الميليشيات الإرهابية فائز السراج حول الحدود البحرية التركية الليبية، وهو الاتفاق الذي لاقى رفضاً من الليبيين والدول المعنية، كونه موقعا من غير ذى صفة، ويمهد لاحتلال تركي لليبيا، فهل اصطنعت "الجزيرة" هذه الوثائق لمحاولة إبعاد الأنظار مؤقتاً عن الاتفاق المشبوه بين السراج وأردوغان، خاصة أننا حينما ننظر إلى تاريخ الأوراق التي نشرتها الجزيرة سنجد أنها تدور خلال الفترة من مايو إلى أغسطس 2017، أى قبل عامين، فلماذا الآن؟.
الحقيقة المؤكدة لنا جميعاً الآن أننا أمام إفك مبين، لا أساس له من الصحة، ومحاولة بائسة من الجزيرة لصرف الأنظار ولو مؤقتاً عن العربدة التركية فى مياه البحر المتوسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة