كلما توفى نجم، أو شخص مشهور، أو مرت ذكرى لوفاة أحد الفنانين أو المشاهير، تحولت مقبرته وحارسها "التربى" إلى مادة تبحث عنها كل وسائل الإعلام، وتصدرت تصريحاته عن زوار المقبرة والمترددين عليها كافة المواقع والصحف، رغم أن علاقة الإعلام بمقابر هؤلاء النجوم والعاملين بها تقتصر فقط على ذكريات الوفاة، إلا أن هؤلاء "التُربية" يظلون طيلة الوقت جالسون أمام تلك المقابر حتى ولو لم يزورها الزائرون، أو تبحث عنها الكاميرات والأقلام، ولو مر عليها عشرات السنوات.
تلك العلاقة بين "التربى" والمقبرة، تملؤها الكثير من الحكايات والأسرار، خاصة لو كانت تلك المقبرة، لأحد المشاهير، وخاصة لو كانت ذلك التربى محبا لهذا الفقيد، أو من جمهوره، لذلك كانت رحلة البحث داخل قلوب وعقول "تُربية المشاهير" مليئة بالتفاصيل الإنسانية، منها ما يمكن وصفه بالوفاء والصداقة والجمال، ومنها ما يمكن وصفه بالامتنان والحب، ومنها ما تلخصه كلمة أحدهم "في الموت مفيش مشاهير".
تربى مقبرة "أحمد وهيثم زكى": بحس إنى أهم تربى في مصر.. ومقبرة الراحل في عنيا طول العمر
على بعد 30 كيلو من مدخل مدينة السادس من أكتوبر، وداخل عمق طريق الفيوم، توجد مقبرة الفنان الراحل أحمد زكى، والتي يؤنسه فيها نجله هيثم بعد وفاته الصادمة.
قبل وفاة هيثم كان "حسين" تربى تلك المقبرة ينتظر كل ذكرى وفاة للفنان أحمد زكى، متوقعا زيارات واهتمام أكبر من المقربين للراحل، ومن نجله هيثم، ومن الصحافة ووسائل الإعلام، لكن صباح 7 نوفمبر هذا العام كان مختلفا، ويحكى عنه: "صحيت على تليفون واحد من زمايلى في المقابر بيقول هيثم أحمد زكى مات، افتكرته بيهزر وقفلت معاه وكملت يومى عادى ورحت على المقبرة مش على بالى حاجة، أول ما وصلت، لقيت الدنيا كلها بتقولى هيثم مات، دخلت على النت لقيت الخبر صح، في الأول قالولى مش هيتدفن هنا، بس قلبىمكنشممطمن، لميت زمايلى، وجهزنا المقبرة والشارع وفرشنا وفضلنا قاعدين منتظرين لحد ما دخلوا علينا".
يحكى "حسين" أن كونه عاملا بمقبرة "أحمد زكى" يشعره أنه "أهم تربى في مصر"، ليس لشىء قدر حبه وحب المصريين لهذا الشخص، مضيفا أن كثيرين من زملائه والزائرين للمقابر المجاورة يحبون المرور على مقبرة الراحل أحمد زكى لقراءة الفاتحة، وأنه يسعد كثيرا بذلك لأنه يحب أحمد زكى وينتظر دعوة كل زائر لعلها تكتب له الرحمة.
يستكمل التربى حكايته عن يوم وفاة هيثم: "مشكلتى الوحيدة إنك تبقى تربى في مقبرة نجم، هو إن كل الناس ساعة الدفنةبيبقوا متخيلين إنهم فاهمين في كل حاجة، وبيتدخلوا في شغلى، بس أنا الحمد لله عندى صبر وببقى مقدر الظرف وبحتويهم وفى الأخر بعمل شغلىمظبوط، ومثلا يوم هيثم ده أنا كنت زعلان أوى وموجوع عليه لأنى بحبه، وكل زياراته لينا قبل وفاته كان بيبقى هادئ ومتواضع زى والده بالظبط، كأنى شايف أحمد زكى قدامى".
.jpeg "مقبرة هيثم وأحمد زكى (2)")
مقبرة هيثم وأحمد زكى (2)
يقول الحاج حسن مقاول المقبرة وبانيها، ووالد التربى حسين أن تلك المقبرة كانت ملك الصحفىسيد فرغلى نائب رئيس تحرير روز اليوسف، وأنه باعها عام 2002 للراحل أحمد زكى، وكان تكلفة بنائها وقتها 8.5 ألاف جنيها فقط، ويروى: "أحمد زكى مطلبش أي تعديلات غير البورجيلة والواجهة الحجرية، وقتها أنا اقترحت نعملها زى مقبرة الماكيير الكبير محمد عشوب، ووافق أحمد زكى واشتغلت فيها على طول، وكان نصيبه إنه يدخلها متوفى بعد 3 سنوات من شرائها".
مقبرة احمد زكى
أما ابنه التربى فيؤكد أن فكرة البعض عن أن النجوم ينفقون بشكل مبالغ فيه على مقابرهم ليس صحيحا: "في الأخر كلنا واحد والموات مفيهوش تباهى ولاتفاخر".
ويروى عن علاقته بمقبرة أحمد زكى: "أنا بحب أحمد زكى وبحب ابنه عشان كده هتفضل تربتهم في عنيا طول العمر، سواء حد سأل عنهم أو لا، هفضل أسقى الزرع والورد اللى حواليها، وأفضل أنضف الحوش لحبايبه اللىبييجوا يقروا ليه الفاتحة، وهحافظ على برواز صورة أحمد زكى جمب برواز ابنه هيثم، مش عشان أن تربى أو شغال، لأنى في الأخر مش هاخد مقابل ده فلوس، لكن أنا هعمل كده حبا في أحمد زكى الل يرحمه، لأنى لو أنا حاسسبأى أهمية في شغلانتىدى، فالسبب في ده إنى تربى مقبرة أحمد زكى، مش حد تانى".
.jpeg "مقبرة احمد زويل (3)")
مقبرة احمد زويل (3)
تربى مقبرة أحمد زويل: زمايلى بيحسدونى والونس بالدكتور بالدنيا كلها
فى مقابر منطقة عثمان فى 6 أكتوبر توجد العديد من المقابر ذات الطابع الفخم، لكن مقبرة عالم نوبل الدكتور أحمد زويل لايمكن أن تخطأها عين، حتى لو لم تعرف مكانها، ستدرك أنها مقبرة مميزة من أول نظرة.
وستدرك أيضا أن ذلك الرجل الذى يجلس بجوارها هو التربى الخاص بها، الحاج حسين، فنظراته على كافة المارين من أمام المقبرة، تشبه من يتباهى ببضاعته، "أنا محسود على مكانى"، بتلك الجملة وصف الحاج حسين علاقته بمقبرة الراحل الدكتور أحمد زويل الذى يعتبره صاحب فضل عليه رغم أنه لم يقابله، فهو الراقد فى الضريح الأهم فى حياته، وهو الرجل الذى ارتبط اسمه بمهنة الحاج حسين "تربى أحمد زويل".
.jpeg "مقبرة احمد زويل (2)")
مقبرة احمد زويل (2)
يقول الحاج حسين أن كثير من زملائه فى المقابر المجاورة يتركون أماكنهم ويجيئون للجلوس معه بجوار مقبرة الراحل أحمد زويل، لأن بها ونس ودائما ما يتردد عليها الناس، سواء قاصدين قراءة الفاتحة للدكتور زويل، أو بحكم مرورهم عليها وفضولهم لرؤيتها، مؤكدا أن طلابه وأحبائه دائمى الزيارة له، وأن لا يستطيع ان يتخلف عن الحضور يوم الجمعة بالتحديد لأن الزائرين له وللمقابر بشكل عام يكون عددهم أكبر، وكثير منهم يطلب زيارة ضريح الدكتور زويل.
وعن فكرة عمله كتربى لمقبرة أحد الشخصيات المشهورة يقول: "الفكرة مش فى إنه مشهور، الفكرة فى إنه شخص الناس كلها بتحبه وبتحترمه، فده بيخلينى مبسوط وأنا موجود، وبصراحة الراجل ده صاحب فضل عليا رغم إنى مشفتوش ولا شافنى، لكن حتى وهو ميت خيره واصلنى، كفاية بس إن اسمى تربى مقبرة زويل".
مقبرة عبد الحليم حافظ
فى مقابر البساتين يرقد العديد من الشخصيات العامة والنجوم فى مجالات مختلفة، لكن أولهم عندما تسأل عن مقابر المشاهير، ستجد مقبرة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ.
على يمين الطريق أمام المقابر يجلس الحاج سيد "صاحب الكشك"، رجل يعرف عناوين كل المقابر وأصحابها، هناك ترقد أم كلثوم، وهنا يرقد عبد الحليم، وهنا يرقد حسين رياض، وهناك ترقد شادية، قدم لنا وصفا دقيقا لعناوين المقابر وأماكنها وكأنه يقدم تلك الخدمة بشكل مستمر، لكن فاجئنا قائلا: "أنا بوصفهم يمكن كل يوم".
وعلى ناصية شارع مقبرة الراحل عبد الحليم حافظ، يقف مجموعة من عمال المقابر، يحاولون مساعدة زوار المقابر، وبمجرد معرفتهم أننا نبحث عم مقبرة العندليب، هم أحدهم واقفا واصطحبا وظل يحكى طوال الطريق: "الله يرحمه عاملنا حس فى المنطقة، صحيح تحس إننا فى مولد مش فى مآتم لكن حول على قلبى، دعوة الناس حلوة".
وتابع أحمد "عامل المقابر"، تربة عبد الحليم أشهر تربة هنا، وأنا بحب أرعاها وأقف مع الناس اللى جاية تزورها، ومع كل ذكرى وفاة أو ميلاد ليه بنعلق يافطة على أول الشارع عشان الناس بتبقى بتسأل وبتلف عليها وبيبقوا جايين من كل حتة عشانه".
وعن فكرة العمل فى مقابر المشاهير قال أحمد: "الموت مفيهوش مشهور ومش مشهور، بس الحقيقة عبد الحليم فعلا عاملنا حس، أبقى بسمعه فى الراديو فى البيت، وأجى أقف أدام المقبرة وأفضل أدعليه، الراجل ده حسه عايش حى وميت"، وأضاف أحمد أن أغلب زوار العندليب ينبهرون من جمال المقبرة وهيبتها، وعادة ما يكونوا أكثر كرما من غيرهم من زوار المقابر الأخرى، لأنهم ليسوا أهل أو أقارب يزورن تقضية واجب، بل جاءوا حبا، لكنه أكد أن العمل فى مقبرة نجم بالتأكيد أكثر مشقة وتعب من أى مقبرة أخرى.
حليم
تربى مقبرة شادية: مرتاح من الزيارات لأن المقبرة محدش يعرف مكانها
وبخلاف المعتاد ترك أهل الراحلة شادية مقبرتها دون أى علامة مميزة، ويقول "عبد النبى" أحد العمال فى المقابر المجاورة لها، "أسرتها مش عايزين حد يبقى عارف شكل المقبرة، ومش كاتبين عليها أى علامة إلا الاسم المحفور بالطوب ".
مضيفا: "المقبرة مقفولة على طول وفين وفين لم حد بييجى، وحتى الناس اللى بتزول مقابر تانية مش بتسأل عنها لأن المقبرة مفيهاش أى علامة مميزة".
تحرك عبد النبى دقائق ثم عاد يشرح: "بصراحة الناس المشاهير دول صعبين شوية، الواحد مبيبقاش عارف يتعامل معاهم، ورغم يعنى إننا فى مقابر وكله زى بعضه، بس تحس برضه إنهم بيعيشوك فى قلق، بلاش تتكلم، بلاش تقول، بلاش تعيد"، وتابع منزعجا: "طب أنا جايلى إيه من الدوشة دى، والواحد أصلا بيبقى قصده خير وفجأة نتكلم لصحفى من غير مانقصد فيحصل مشكلة، لكن ده كان أيام وفاتها، أما دلوقتى فمفيش حركة كتير خاصة إن المقبرة زى ما انت شايف معالما مخفية ومفيش أى علامة مميزة، فاحنا مرتاحين شوية".
مقبرة الفنانة شادية
تربى الشيخ عبد الباسط: ممنوع الكلام للإعلام
وأمام مقبرة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وقف أحد عمال المقابر –رفض ذكر اسمه- يقول: "بصوا إحنا ممكن نفتح الضريح عادى وتدخلوا تقروا الفاتحة، لكن كلام أو تصوير ممنوع، عشان أهل الشيخ بيزعلوا، والكلام بيضايقهم".
وتابع: "بصراحة هما ناس طيبة ومش بيتأخروا عننا فى حاجة، وبييجوا يمكن كل أسبوع يقروا قرأن ويدعوا للشيخ ويمشوا، بس هما مأكدين على اللى شغالين هنا إن محدش يتكلم مع حد ويفضل يحكى عشان الناس بتنقل الكلام غلط".
.jpeg "مقبرة عبد الباسط عبد الصمد (2)")
مقبرة عبد الباسط عبد الصمد (2)
وأكد أن مقبرة الشيخ عبد الباسط من أجمل المقابر بالمنطقة، وأن الكثير من زوار المقابر يحرصون على قراءة الفاتحة له، وحكى أن أحد أصدقائه من حفظة القرآن عندما علم أنه يعمل بجوار مقبرة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، حضر معه لمكان عمله بالمقبر، وظل لمدة 10 ساعات جالس داخل الضريح يقرأ القرأن للشيخ بنفس طريقته، ويدعو له الله، ثم قال لصديقه أن هذا الرجل صاحب فضل عليه لأن صوته هو الذى حببه فى القرآن وجعله يحفظ أجزاء كبيرة منه.
مقبرة عبد الباسط عبد الصمد
حكاية الرجل الذى بكى أمام مقبرة العندليب
وعن أغرب المواقف التى حدثت معه أيضا يقول عامل المقابر: "فى يوم جيت الصبح لقيت واحد عمال يلف بعربيته بيدور على حاجة، فوقفته وسألته عايز إيه، فلقيته بيعيط وهو سايق العربية، وقالى عايز مقبرة عبد الحليم حافظ، فشاورت له عليها، وسبته يروح لوحده، افتكرته حد قريبه من بعيد مثلا، لكن لما اتأخر رحلته وسألته مالك فقالى إن زوجته قبل ماتموت كانت موصياه ييجى بدالها يقرأ الفاتحة لعبد الحليم، وهو بقاله فترة مشغول ونسى، فزوجته جاتله فى المنام زعلانه منه، فقرر إنه ييجى لمقبرته بنفسه يقرأ الفاتحة له".
مقبرة حسين رياض
مقبرة حسين رياض "بلا تربى"
وفى منطقة مقابر البساتين أيضا توجد مقبرة الفنان الراحل حسين رياض، لكنها ورغم مايبدو عليها من نظافة، إلا أنها بدون تربى يعمل بها، أو حتى يتابعها من حين لأخر، هكذا قال لنا أحد العمال بالمنطقة.
مؤكدا أنه لا يتذكر أنه رأى هذه المقبرة مفتوحة ذات يوم أو يزورها أحد، وقد يكون هذا هو سر عدم حضور التربى الخاص بها وانشغاله بأعمال أخرى عنها، وأثناء وقوفنا أمام المقبرة، مر شخص بسيارة حديثة، ويضحك فى التليفون بصوت عالى، ويرتدى ملابس شبابية، وسلسلة، ويفتح الزرار الأول والثانى من قميصه، وسألنا ماذا نفعل هنا، فسألنا ماذا تعمل أنت هنا، فأجاب: "أنا تربى"، ثم رأى الدهشة علينا وتابع "أنا تربى بس مودرن شوية، هو لازم يعنى أبقى بجلابية وفأس، ثم استكمل مكالمته الهاتفية ومشى بسيارته الحديثة وسط المقابر".
مقابر البساتين
مقابر 6 اكتوبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة