محمد مختار جمعة

مصر الجديدة.. المسؤول الابتكارى والموظف التقليدى

الجمعة، 20 ديسمبر 2019 09:44 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإدارة علم وفن وخبرات متراكمة، وتحتاج إلى إبداع مستمر وأفكار خلاقة، ورؤية ثاقبة، ونظرة غير تقليدية ولا نمطية، ولا سيما العليا منها.
 
لم تعد الإدارة فى مصر تحتمل النمط التقليدى، ولا مجرد التوقيع على الأوراق أو بعبارة أخرى «تستيفها».
 
ولم يعد واقعنا يحتمل أدنى درجات غض الطرف عن الهنات الصغيرة، لأن التفريط فى الصغير أقرب الطرق للتفريط فى الكبير.
 
المؤسسات الناهضة لا يمكن أن تغض طرفها عن صغير ولا كبير، إنما تحاسب على النقير والقطمير، على الصغير قبل الكبير، حتى لا تسول لأحد نفسه الإهمال أو التقصير، فلم يعد أمر المحاسبة مقصورًا على تعمد الخطأ، إنما تجاوزها إلى المحاسبة على الإهمال، فالموت إهمالاً كالموت إرهابًا، وضياع المال إهمالاً كضياعه نهبًا أو إفسادًا.
 
نحن فى حاجة إلى جيل من الإداريين المبتكرين أصحاب الأفكار الخلاقة، فلم تعد الإدارة العليا ولا حتى الوسطى فى أى مؤسسة من المؤسسات تحتمل الموظف النمطى التقليدى، وليست مجالاً للأبهة، إنما هى تكليف بكل ما تعنيه كلمة التكليف من معان.
 
ولم تعد الشهادة وحدها سبيل التفاضل، إنما هى الشهادة والكفاءة معًا، ولم يعد الحصول على درجة الدكتوراه بل حتى الأستاذية نهاية المطاف فى العلم، بل كل ذلك مجرد مفاتيح للتعلم المستمر ذاتيًّا كان أو غير ذاتى.
 
انتهى زمن القفز إلى الدرجات العليا بمجرد الأقدمية المطلقة، فإلى جانب الأقدمية والخبرة لا بد من توفر عناصر الكفاءة والتحديث والتطوير والقدرة على الإبداع والحلول الخلاقة، ومواكبة تطورات العصر، والأخذ بأحدث علومه ونظرياته وتقنياته كل فى مجال اختصاصه وما يتصل به، إضافة إلى مشتركات الثقافة العامة والوعى بالواقع والتحديات، ومفاهيم الأمن القومى للبلاد، ولا بد كذلك من الإلمام بالقانون ولا سيما ما يتصل بطبيعة عمل كل مسؤول حتى لا يكون رهينة من يحاولون توجيهه من أصحاب المصالح أو المغرضين.
 
ولا بد كذلك من توقد الذهن طوال الوقت، والحذر البالغ من لحظات الغفلة أو الإجهاد التى يحاول أن يستغلها بعض المعاونين أو المتربصين.
 
ولا شك أن الدفع بمزيد من الشباب المؤهل علميًّا وفنيًّا وتقنيًّا وثقافيًّا ووطنيًّا بعد إعداده وتأهيله يسهم فى ضخ دماء جديدة، ويبعث كثيرا من الطاقة والحيوية فى العمل القيادى، ويقضى على كثير من الرتابة والنمطية، ويخلق جوا من المنافسة الإيجابية البناءة فى المؤسسات الوطنية.
 
ويمكن أن نقول انتهى زمن التوقف عن التحديث والتطوير والتعلم المستمر، فحيث يتوقف الإنسان عن تطوير ذاته يتوقف نموه أو تقدمه إلى الأمام، إن لم يكن قاب قوسين أو أدنى من فقد ما وصل إليه، ولا ينبغى لبرامج التأهيل أن تتوقف مادام فى مجال العلم بقية، ومادامت الوقائع والمستجدات والمستحدثات تلاحقنا، ولا شك أن أيا من ذلك لم ينفد ولن ينفد، وهو ما فهمه علماؤنا الأوائل حين قالوا: العلم من المهد إلى اللحد، والمحبرة إلى المقبرة، وقدر كل امرئ ما كان يحسنه، وقيمة المرء على قدر ما يجيده ويتقنه، ولم يعد بإمكان أحد أن يشق طريقه بغير العلم والوطنية والإخلاص والتفانى، ونستطيع أن نقول وداعا لعصور الفهلوة وغيرها من الطرق غير المشروعة، ولا عزاء للمتسلقين.
 
وعندما ننظر فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نجد أنهما يؤكدان على ضرورة توفر الكفاءة والكفاية والأمانة، حيث يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) لعزيز مصر: «اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (يوسف: 55)، ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب لأبيها فى شأن سيدنا موسى (عليه السلام): «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» (القصص: 26)، ولما طلب سيدنا أبوذر من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يستعمله، قال له (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها» (صحيح مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» (صحيح البخاري)، وأهل الأمر هم أهل الكفاءة والأمانة معا.
 
ونلاحظ أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) فى رحلة الهجرة استأجر دليلا غير مسلم معروفًا بكفاءته وأمانته، ولم يعتمد على أحد من الصحابة الكرام رغم شدة أمانتهم جميعًا, ولا شك أن بعضهم كان على دراية بدروب الصحراء ومسالكها، على أن فارق الكفاءة هو الذى قدم الدليل غير المسلم عليهم، وهو- أيضا- ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) فى استخدام بعض كُتَّاب بيت المال وكُتَّاب الدواوين.
 
لقد سقط الهواة والمشتاقون فى أول تجربة ولم يستطيعوا أن يتجاوزوا المحطة الأولى، بل كادوا يأخذوننا لطريق جد مسدود، ويدمرون الوطن، لولا أن الله (عز وجل) قيض لمصرنا العزيزة قائدًا حكيمًا صاحب خبرات كبيرة أخذ مع المخلصين من أبناء مصر البلاد والعباد إلى بر الأمان.








الموضوعات المتعلقة

مفهوم الصحوة بين الحقيقة والتزييف

الإثنين، 02 ديسمبر 2019 10:00 ص

إدارة الدول بين الخبرة والهواية

السبت، 09 فبراير 2019 12:00 م

حسن الخاتمة

السبت، 24 يونيو 2017 06:00 م

المنتج الوطنى

الجمعة، 23 يونيو 2017 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة