طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (6).. السيد فنى تسن

الإثنين، 16 ديسمبر 2019 02:00 م
طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (6).. السيد فنى تسن مترو الأنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يستخدم الركاب السلالم المتحركة فى الخط الأول من مترو الأنفاق، لسبب بسيط جدا، هو أنه لم تكن هناك سلالم متحركة، وكان عدد المحطات تحت الأرض هزيل.. 5 محطات فقط مقارنة بإجمالى عددها الذى يتجاوز الثلاثين، كما كانت أعماق المحطات الخمسة النفقية صغيرة، لذلك انتفت الحاجة إلى السلالم المتحركة من وجهة نظر من خططوا وكلفوا المشروع.

فى الخط الثانى اختلف الأمر كليا، إذ كان هذا الخط مترو أنفاق بجد لأن الغالبية من المحطات تحت الأرض، وبعضها على أعماق كبيرة جدا، لذلك كانت السلالم المتحركة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، ومنذ افتتاح هذا الخط نشأت ثقافة جديدة فى الصعود والنزول داخل المحطات وبدأت تظهر فى فضاء المترو لغة لم تكن مسموعة من قبل تبثها الإذاعة الداخلية، من حين لآخر:

- السيد فنى تسن التوجه إلى سلم رقم (كذا) وإعادة تشغيله

أو

- السيد فنى السلالم المتحركة التوجه إلى سلم رقم (كذا) وإعادة تشغيله

وعند تأخر تلبية النداء من الفنى يغير الكنترول الصيغة مناشدا، بإضافة كلمتين هما (برجاء سرعة) التوجه، ونادرا ما يكون النداء مختص بالمصاعد، سواء كان مصعد الشارع أو مصعد الرصيف، علما أن للمصاعد فنى آخر مختلف عن فنى السلالم المتحركة.. دائما ماكان يبدأ النداء بلفظة السيد التى تضفى على أصحابها الاحترام والهيبة، وإن كانت السيد قد بدأت تختفى أخيرا بعد كثرة إهمال الفنيين من شركة تسن وربما لتدهور أعمال صيانة الشركة.

نزلت إلى محطة المترو ذات مرة وكانت النداءات من لحظة نزولى من السلم الخارجى للشارع غير المتحرك تتكرر للسيد فنى تيسن، وصادفنى سوء حظ بسبب الاشتراك، "لولاه ما أتاح لى رؤية مشهد بطله فنى تسن".. فيما مضى كان اشتراك المترو عباره عن تذكرة قبل التحول إلى البطاقات المغناطيسية، وحدث أن ماكينة المرور ابتلعت تذكرة الاشتراك الذى يخصنى، فذهبت إلى مكتب الإدارة لإحضار الموظف المسؤول عن ماكينات المرور كى استعيد التذكرة، مع دخولى حضر ناظر المحطة وتساءل هو فيه إيه.. الراجل بتاع تسن ده ابتلعه حوت ولا إيه، نادى عليه تانى ياكنترول.. رد موظف الكنترول ياريس باين عليه مصدر لنا الطرشة، واديك شايف تلت سلالم على حظه الأسود عطلانة، والناس متكومة قدام السلالم لا عارفة تطلع ولاتنزل، وبدأ الموظف فى النداء (بدون السيد) فنى السلالم المتحركة التوجه إلى سلم رقم تلاتة وأربعه وتمانية وإعادة تشغيلهم على وجه السرعه، شاور ناظر المحطة للموظف وهو يتابع الكاميرات أن يستمر فى تكرار النداء بلا توقف، ويبدو أنه كان يريد أن يبرأ ساحته أمام جمهور الركاب.. الله يلعن تسن وسنين تسن قالها الموظف والميكرفون مفتوح سهوا، فى نفس الوقت الذى ظهر فيه الفنى المختفى بعفريتة الشغل، مكتوب على ظهرها باللغة الألمانية "تسن كروب" وزعق من على باب المكتب مين اللى بيشتم الشركة بتاعتى، وهنا تدخل الناظر بالتأكيد حتى لايشبك الفنى مع الموظفين:

- إنت جاى تلهينا بالكلمتين بتوعك دول ولا وإيه.

- ماهو ماحدش يشتم الشركه بتاعتى.

- ليه هو الخواجه فى ألمانيا كتبها ليك فى الميراث.. اتفضل شغل السلالم المتعطله وبعدها نشوف كنت مختفى فين.

- وبعدها ليه من دلوقتى أقولك.. كنت باشترى علبة دخان وشربتلى سيجاره فوق.. ما انت محبكها على الموظفين ما حدش يدخن جوه المحطة.

- طب يابنى اتفضل صلح السلالم.

- ما تقولشى يابنى.. هو انت كنت أبويا عشان تقولى يابنى.

- اتفضل يافنى السلالم المتحركه إنزل شغلها.

- قبل مانزل أشغل السلالم اللى شتم الشركة يعتذرلى الأول.

- كظم الناظر غيظه.. أنا باعتذر لك.. اتفضل خلصنا من المصيبة اللى احنا فيها.

- ركب فنى تسن رأسه مصمما على اعتذار اللى شتم الشركة فى الميكرفون.. وصاح بانفعال مفتعل مش حاصلح سلالم.

بدأ الركاب الغاضبون يتجمعون أمام المكتب، وخاصة كبار السن وبعض الحوامل لاستنكار تعطل السلالم، لاسيما بعد التحاق سلم رابع بقافلة الأعطال، ومع اشتعال الموقف حضر ضابط شرطة المحطة وسأل الناظر هو فيه إيه ياحضرة الناظر

- البيه بيتخانق معانا ومش عايز يشغل السلالم العطلانة.

- ماسمهاش مش عايز يشغل السلالم ده اسمه امتناع عن العمل.

- الخيبة إنه مش عارف عواقب اللى بيعمله.

- ماهواش صغير هو حر.. ماحدش ضربه على أيده عشان يمتنع.

- خلاص أنا حاتصل بالإدارة المركزية يتصلوا بالشركه ويبعتوا فنى من الاحتياطى.

- كده تمام وانت يابنى يابتاع تسن تعالى معايا المكتب نفتح محضر وآخد أقوالك.

- شركتى هى اللى تحقق معايا.

- لا يافندى ياجاهل دى شغلتى لأنك بتعطل مرفق عام فى دايرة اختصاصى.

تدخل واحد من الجمهور قائلا يابنى أنا محامى.. إخذى الشيطان وانزل شغل السلالم لإن تعطيل مرفق عام جناية الحبس فيها وجوبى.. ومنظرها ثابته عليك وانا شخصيا لو اتعنت حاروح أشهد عليك فى المحضر اللى حضرة الظابط حيعمله.. والنيابة حتحولك للقضاء حتحولك مافيهاش كلام.. وانت ونصيبك بقى فى المحكمه.

ران الصمت.

نخ الفنى الفتوة.

حانزل أشغلها ما انتم عملتولى كمين.. رد الناظر انت اللى حفرت الحفرة.. المهم بعد ماتشغل السلالم تعاللى أعملك تحقيق داخلى وارفع تقرير بالإهمال أرفق بيه تسجيل الكاميرات وأقوال الزملا.. ومافيش خروج من المحطة أثناء الوردية إلا بإذن منى شخصيا.

بدأ الناس فى الانصراف من أمام المكتب حتى خلا المكان.. غمغم الناظر عيل زباله.. وبينما هو يهم بالعودة إلى مكتبه لاحظ وجودى.. سألنى أيو يا أستاذ فيه حاجه.. أجبته أيوه تذكرة الاشتراك ماخرجتش من الماكينة.. نادى على أحد الموظفين.. يا سلامة.. انزل مع الأستاذ طلع له تذكرة الاشتراك.

استعدت التذكرة، وبدأت السلالم كلها فى الدوران، ونشاط المحطة يعود إلى حركته الطبيعية.

 

 

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة