سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 ديسمبر 1960.. أم كلثوم تغنى «هوا صحيح الهوى غلاب» وملحنها الشيخ زكريا أحمد يستمع إليها فى «درب المسمط»

الأحد، 01 ديسمبر 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 ديسمبر 1960.. أم كلثوم تغنى «هوا صحيح الهوى غلاب» وملحنها الشيخ زكريا أحمد يستمع إليها فى «درب المسمط» ام كلثوم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ناقش المستشار عبدالغفار حسنى، سيدة الغناء العربى أم كلثوم، والموسيقار زكريا أحمد، خمس ساعات كاملة، لإنهاء نزاعهما القضائى، وبدأ عام 1948 برفع «زكريا» دعوى قضائية يطالب بزيادة حقوقه فى الأداء العلنى لأغنيات أم كلثوم، وترتب على الدعوى خصامهما، حتى جلسة  25 يناير 1960، ووفقا للدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية» : «بذل القاضى عبد الغفار جهدا كبيرا انتهى باتفاق خاص بينهما على التعاون المشترك.. يقوم زكريا بتلحين ثلاث أغنيات لأم كلثوم خلال عام 1960 بسبعمائة جنيه عن كل لحن، وعلى هذا تنازل زكريا عن دعواه ضدها..وفى مساء يوم 1 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1960 حدث اللقاء فى أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» كلمات بيرم التونسى.
 
يذكر «حنفى محمود»، أن الشيخ زكريا صاغ هذا اللحن من مقام «الصبا»، وينقل عن الناقد والمؤرخ كمال النجمى فى كتابه «الغناء المصرى، مطربون ومستمعون» أن غالبية الملحنين يتجنبون التلحين من هذا المقام، وأن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والملحن الكبير محمد القصبجى، وكثير من ملحنى العصر الذهبى للغناء المصرى فى القرن العشرين كانوا يتجنبون التلحين من هذا المقام، وحده زكريا أحمد وقلة من ملحنى ذلك العصر مثل فريد الأطرش وأحمد صدقى نجحوا فى صياغة أغنيات كاملة من ذلك المقام».
 
نجحت «هو صحيح الهوى غلاب» نجاحا مدويا، لكن ملحنها العظيم زكريا أحمد ذاق طعم النجاح أسابيع قليلة، حيث  توفى يوم 14 فبراير 1961.
 
كان «زكريا» بوصف الراوئى نجيب محفوظ، من أظرف الشخصيات التى قابلها فى حياته، مضيفا لرجاء النقاش فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»: «ابن بلد لطيف «حبوب»  و«ابن نكتة»، بالإضافة إلى صفة طريفة كانت تجمع بينه وبين صديقه توفيق الحكيم، فكلاهما إذا جلس فى مجلس فإنه يظل ممسكا بناصية الكلام منذ حضوره حتى نهاية الجلسة، والفارق الوحيد بينهما أن «الحكيم» يتحدث عن نفسه فقط، وعن ذكريات مر بها أو حوادث وقعت له، أما الشيخ «زكريا» فإنه يقوم بدور الراوى، ويتحدث ربما طوال الليل دون أن يذكر كلمة عن نفسه،  حتى يبدو للسامعين أن مؤلف «ألف ليلة وليلة» والشيخ زكريا من نسيج واحد، وتجمعهما العقلية نفسها.. كانت حكايات الشيخ زكريا لا تنتهى، حكاية تجرك إلى حكاية أخرى فى تسلسل عجيب وترابط مذهل، ويبدأ فى سرد حكايته الأولى فى «التاسعة مساء»، ويعود إلى نقطة معينة من نفس الحكاية فى الثالثة صباحا، وما بينهما عبارة عن استدراك وملاحظات وتنويعات، وكان من الأسباب التى تجعل أصدقاء الشيخ زكريا يتحملون سطوته وسيطرته على الجلسة، إلى جانب حبهم له، أنه يمثل الحكاية التى يرويها بخفة دم ليس لها مثيل».
 
فى ليلة «هوا صحيح الهوى غلاب»، كانت أم كلثوم تشدو بعذوبة وشجن، وكان زكريا يمارس طقوس حياته التى تتطابق مع سماته التى ذكرها «محفوظ».. ذهب زكريا إلى «درب المسمط» يسمع لحنه الجديد منه، وفقا للكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد فى كتابه «زكريا أحمد».. ينقل أبوالمجد وصف الفنان كمال الجويلى، صديق زكريا، كيف مضت ساعاته مع الأغنية.. يقول: «استمع زكريا إلى أغنيته الجديدة وهو فى فرح الفرح.. كان فى درب المسمط.. كان فرح «نبوية قطة» بنت صديق عمره عبد العزيز قطة، أشهر كاتب دوبيا فى بلادنا.. كانت الساعة 12، وكان معنى ذلك أن الوصلة الأولى لأم كلثوم انتهت.. لم يهتم أحد فى الفرح بسماعها.. كانوا مشغولين بفرحهم.. وعرفوا كلهم أن الأغنية قديمة: «هجرتك يمكن أنسى هواك».. وكان موعد الأغنية الثانية «حب إيه اللى انت جى تقول عليه»..كانت أول أغنية يلحنها بليغ حمدى لأم كلثوم، وبدأ الشيخ زكريا يهتم..كان يضع الكوفيه التقليدية حول رقبته، وفى عنقه بيبيون أنيق.. ويجلس على «كنبة استامبولى».. يسمع بكل حواسه، عبر عن رأيه فى بساطة، قال: «الأوركسترا كانت تأكل كل شىء.. طغت على كل شىء».
انتهت الوصلة الثانية فى الواحدة، وكان قلق زكريا طاغيا.. يتذكر الجويلى: «أصابع يده تتحرك، يمسك بعلبة الكبريت ليشعل أعوادها واحدا وراء الآخر دون مناسبة، ولا سيجارة واحدة عرفت طريقها إلى شفتيه فى لحظة الانتظار.. باختصار كان زكريا صاحب التجارب الطويلة والألحان الناجحة كالزوج الذى يقف خارج غرفة الولادة فى انتظار مولوده.. بدأت الإذاعة الخارجية مرة ثالثة، وانتهت علبة الكبريت، فى هذه اللحظة اعتدل زكريا فوق الكنبة، وفى حركة لا شعورية مد يده إلى جيبه ليخرج سيجارة، لم يجدها فطلبها من العريس».
 
يتذكر «الجويلى»: «بدأ اللحن ينساب فى سكون الليل:  هوا صحيح الهوى غلاب..ماأعرفش أنا والهجر قالوا مرار وعذاب».. رأيت زكريا سعيدا.. على وجهه ابتسامات متواضعة بلا غرور.. تتحمس الجماهير، وتتحمس أم كلثوم، وتعيد مرة ومرة: «إزاى يا ترى.. أهو ده اللى جرى.. ما اعرفش أنا».. فى هذه اللحظة، قام العريس والعروس من الكوشة، وقام زكريا فى هدوء وخجل من فوق الكنبة، وذهب إلى الكوشة، جلس عليها فعلا، كان كأنه يمشى وهو نائم، وأصبح العريس والعروس والأهل مدعوين وزكريا هو العريس.. وتنتهى حفلة أم كلثوم، ويخرج زكريا ليشق طريقه خارج درب المسمط».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة