- «الوفد» انشغل تارة بالتحالفات وأخرى بالخلافات الداخلية ..الأحزاب الجديدة عجزت عن اجتذاب جمهور إضافى.. واكتفت بالظهور فى المناسبات الانتخابية ولم تقدم كوادر لقيادة المشهد السياسى
لم تكن السنوات التالية لثورة 25 يناير 2011 كالسنوات السابقة عليها فى تاريخ الحياة السياسية فى مصر، فقد جرى فى نهرها مياه كثيرة، وتغيرت خرائط ظلت ثابتة لعقود، وظهرت وجوه فى المشهد السياسى واختفت أخرى، بعضها كان يتصدر المشهد أيضا لعقود، سواء فى الحكم أو فى صفوف المعارضة.
فى جانب من المشهد السياسى كان التغيير فى خارطة الأحزاب السياسية كبيرا بل وجوهريا، ففضلا عن ارتفاع عدد الأحزاب الموجودة على الساحة من 24 حزبا إلى ما يجاوز المائة حزب، اختفت من المشهد، أو انزوت فى جانب منه، أحزاب كانت توصف بالتاريخية قبل ثورة يناير كالحزب الناصرى وحزب التجمع وحزب العمل، وأضاع «الوفد» فرصة تصدر المشهد تارة بانشغاله تارة بأن يكون مجرد عضو فى تحالف هنا أو هناك، وأخرى بخلافات وصراعات داخلية، وكلا الأمرين عطل الاستفادة من تاريخ طويل للحزب العريق وميزات كانت جميعها تصب فى صالحه، دونا عن غيره من الأحزاب، ككونه على سبيل المثال أكثرها تنظيما، وأوفرها فى المقرات والعضوية وأيضا التمويل لأنشطته.
منذ ذلك الوقت وحتى الآن تجاوز عدد الأحزاب على الساحة السياسية الـ104 أحزاب، وعلى عكس ما كان عليه الحال قبل 25 يناير 2011، صار المجال مفتوحا أمام تلك الأحزاب لضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء إليها، بعد أن فرضت السياسة نفسها على اهتمامات قطاعات واسعة من أبناء الشعب المصرى، وصار مجال التواصل بين تلك الأحزاب وجمهورها أكثر اتساعا بالتطور فى وسائل التواصل وفى المجال الإعلامى، لكن المحصلة فى النهاية وبإجماع الخبراء كانت «ضجيجا بلا طحن».
لم تقدم الأحزاب ما يغرى جمهورها على التوافد على صناديق الانتخاب فى مناسبة كمناسبة اختيار أعضاء مجلس النواب، فلا هى صاغت تحالفات مؤثرة فى الشارع المصرى، ولا أوجدت وسائل تواصل قوية مع ناخبيها، وكانت الحصيلة أن مقاعد مجلس النواب البالغة 596 مقعداً، حصلت الأحزاب على 241 مقعداً منها، فيما حصل المستقلون على قرابة 350 مقعداً، وتوزعت مقاعد الأحزاب كالتالى: حزب المصريين الأحرار حصل على 65 مقعدا، يليه مستقبل وطن بـ50 عضواً، وحماة وطن فى المرتبة الثالثة بـ17 عضوا، والشعب الجمهورى بـ13 نائبا، وحصل حزبا المؤتمر والنور على 12 عضوا مقعدا لكل منهما، ليصبح على الأحزاب أن تدرك أنها تقترب من استدعاء المشهد الانتخابى من جديد، وأنها ستجد نفسها أمام اختبار صعب فيه مع حلول العام 2020، باستحقاقاته المقررة دستوريا، وبينها انتخاب مجلس نواب جديد، وانتخاب مجلس الشيوخ، فضلا عن انتخابات المحليات المرتقبة.
يشكو البعض أو يروج للقول بأن الفضاء السياسى مغلق أمام الأحزاب السياسية وأنشطتها وأعضائها، ولا تبدو فى المقابل محاولة جادة من قبل تلك الأحزاب لاختبار تلك المقولة على أرض الواقع، فلا سعى حزب من تلك الأحزاب على سبيل المثال لاستصدار صحيفة تنطق باسمه وتخاطب جمهوره، ولا طلب حزب إنشاء محطة فضائية خاصة به، أو إطلاق أنشطة مجتمعية تجتذب جمهورا جديدا أو تطلق حراكا فى المشهد السياسى.
وحتى فى حالات الاستجابة لقضية قومية لم تأت المبادرة من تلك الأحزاب التى اكتفت بأن تكون مجرد علب لدعوة تطلقها الدولة بالاصطفاف فى مواجهة قضايا كمكافحة الإرهاب والتصدى له، وإطلاق خطط للتنمية فى مختلف مناطق الجمهورية، ولم يبادر حزب بإطلاق مساهمة خاصة به فى هذه القضية أو تلك، بل إن بعضها تعامل بما ينفر الجمهور المتابع باستدعاء وسائل جذب لاقت انتقادات فى أوقات سابقة، كتوزيع الزيت والسكر فى هذه المناسبة أو تلك.
المتابع إذن لنشاط الحياة الحزبية فى مصر يدرك أن هناك قصورا فى فهم الأحزاب لأهمية أن تلعب دورها المهم فى تدعيم الممارسة الديمقراطية، وأنها همزة وصل بين الحكام والمحكومين، كما أن عليها دور فى تعميق المشاركة السياسية للمواطنين.
منذ ظهور البدايات الأولى للحياة الحزبية المصرية مع نهاية القرن التاسع عشر، وتبلورها بعد ذلك خلال القرن العشرين، وتواصل التطور فى أشكالها وأنشطتها واهتماماتها كان للأحزاب اشتباك مع قضايا مجتمعية عدة، تباينت قوته وحدته بتباين الظروف السياسية فى البلاد، لكنها لم تصل إلى حالة الاختفاء الكامل من الشارع كما هى عليه الآن.
غابت الأحزاب منذ نشأتها ولا تزال غائبة عن دورها فى توعية جمهورها، سواء عبر الندوات التثقيفية أو استغلال وسائل التواصل، كما عجزت عن بناء كوادر سياسية، وأن تستغل اهتمام الدولة الكبير بقطاع الشباب فى الدفع بكوادر شبابية من إنتاجها الخاص بها، والتأكيد لجمهورها على قدرتها على القيام بنتائج أية منافسة سياسية ربما تفضى لأن يكون أحدها مسؤولا على سبيل المثال عن تشكيل حكومة، إذا ما حصد أغلبية من مقاعد البرلمان.
يدفع حال الأحزاب السياسية وفتورها إلى ترجيح واحد من الحلول المطروحة وهو الدمج بين أعداد منها وصولا إلى كتل قوية صغيرة العدد، كثيرة التعداد ومتعددة الآليات فى داخلها، لتكون أية منافسة محصورة بين أحزاب قليلة العدد، وليست بين لافتات كثيرة من دون فاعلية. فى رسالة ماجستير ناقشتها الباحثة وفاء براد جلال عبد الصادق بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج، تحت عنوان: «دور المواقع الإخبارية فى تشكيل اتجاهات الشباب نحو الأحزاب السياسية بعد ثورة 25 يناير2011»، جاءت إحدى النتائج لتكشف عن أن نسبة من ينتمون لأحزاب سياسية من بين عينات البحث من الشباب لم تتجاوز الـ20.2% من إجمالى العينة، فى حين أن من لا ينتمون إلى أحزاب وصلت نسبتهم إلى79.8%، بما اعتبره خبراء دليلا على عجز الأحزاب عن تفعيل درجة الانتماء والرغبة فى الانضمام اليها من قبل الشباب. وعلى لسان عدد من الشباب ممن شملتهم عينة البحث حددت الدراسة أسباب «الاختفاء السريع لبعض الأحزاب السياسية التى نشأت بعد ثورة 25 يناير» فى: «ضعفها واحتياجها لإعادة النظر فى برامجها وأساليب التواصل مع المواطنين»، وأن المواطن «لا يشعر بوجود تلك الأحزاب إلا فترة الانتخابات فقط»، فضلا عن «ضعف القيادة داخل الحزب وضعف المشاركة السياسية» ورابع الأسباب تمثل فى «تقييد حرية الممارسة السياسية»، أما آخرها فهو «افتقاد تلك الأحزاب لأى منهج علمى لعرض أفكارها الحزبية».
تحتاج الأحزاب السياسية إلى بذل مجهود ضخم خلال الفترة المقبلة للإبقاء على ما حصلت عليه من جمهور «ضعيف بالتأكيد قياسا على ما هو متاح لها»، أو اجتذاب جمهور جديد، وأن تقدم نفسها بشكل أفضل للشارع المصرى، باعتبارها كيانات قامت لتبقى وتظهر طوال الوقت، وليس فى أوقات أو مناسبات طارئة كالانتخابات، حتى تكتسب مصداقية لدى رجل الشارع، تدفعه لأن يكون داعما لها إذا ما طلبته فى مناسبة انتخابية، وأن يكون عضوا بها إذا ما أقنعته بأفكارها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة