فى حكم بطلان قانون نقابة المهن الموسيقية

حيثيات الدستورية: الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها

السبت، 02 نوفمبر 2019 03:38 م
حيثيات الدستورية: الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها المحكمة الدستوريه،ارشيفية
كتب إبراهيم قاسم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار سعيد مرعى، اليوم السبت، بعدم دستورية ما تضمنه نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978، فى شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، من اشتراط أن يكون الطعن فى قرارات أو صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، بتقرير موقع عليه من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، وموثقًا على الإمضاءات الموقع بها عليه من الشهر العقارى.

وقال المستشار الدكتور حمدان فهمى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس المكتب الفنى، أن حيثيات المحكمة تضمنت أن البيّن من نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978المشار إليه، أن ثمة شرطيـن يتعين توافرهـــــما معًا لجواز الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو فى تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من مائة عضو على الأقل من الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، موثقًا عليها جميعًا من الشهر العقارى.

وأوضح "فهمى"، إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضى، ويعصفان بجوهــــــــره، وعلى الأخص من زاويتين. أولهمــــــــــا: أن الدســــــــتور كفل للنـــاس جميعًا – وبنص المــــــادة 97 – حقهم فى اللــــجوء إلى قاضيهم الطبيعى، لا يتمايــــــــزون فى ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض فى مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التى يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التى يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون فى استنهاض الأسس الموضوعية التى نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق فى الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون، ونمطًا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التى كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التى تنظمها.

ثانيهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون فى الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التى أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التى فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التى تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها فى إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التى تحتضنها. وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها – منظورًا إليها فى مجموعها – لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم فى أن يستقل عنها بدعواه التى يكفل بها حقوقًا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانونى الخاص فى مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده – ولو بنص تشريعى – قيد تقرر دون مسوغ.

وقالت المحكمة إن الطعـــــن علـــى قــــــــرار معيـــن – وكلما توافـــر أصـــــل الحــــق فيه – لا يجــــــوز تقييده فيمـــا وراء الأســـس الموضوعيـــة التى يقتضيها تنظيــم هذا الحـــــق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، وكان حق النقابة ذاتها فى تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادتين (76، 77) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًّا أو متمحضًا عملاً ماديًّا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.

وتابعت إن نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، قد نقض هذا الأصل، حين جعل الطعن على صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، أو فى القرارات الصادرة منها، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من مائة عضو على الأقل من عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع تلك الجمعية، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، والتى لا يقــــــــــــوم العمل النقابى سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهــــــــــــم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن فى قراراتها – متحدون فيما بينهم فى موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًا يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق فى الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون  أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً.

وأشارت المحكمة إن النص التشريعى المحال لم يقف، فى مجال تقييده لحق الطعن، عند حد إيجابه، أن يكون الطعن مقدمًا، من عدد لا يقل عن مائة عضو من أعضاء النقابة العامة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، وإنما جاوز ذلك، إلى فرض شرط آخر، يتعين، بمقتضاه، أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، موثقًا عليها، من الشهر العقارى؛ وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التوثيق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون من أعضاء النقابة، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية. وكان التوثيق وإن تم فى هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضى، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن فى مجال تثبتها من الشروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل فى اختصاصها، ولا يجوز بالتالى أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.

وأنه في ضوء ذلك، فإن النص التشريعى المحال يغدو مصادمًا لنصوص المواد (76، 77، 94، 97) من الدستور الحالى، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة