صفقة روسية.. كيف تحاول موسكو فرض الواقع الدولى الجديد على واشنطن؟.. بوتين يقبل بمشاركة الصين فى المعاهدة النووية المحتملة مع أمريكا مقابل انضمام أوروبا.. والقبول الأمريكى يعنى نهاية الهيمنة الأمريكية الأحادية

الجمعة، 15 نوفمبر 2019 02:00 م
صفقة روسية.. كيف تحاول موسكو فرض الواقع الدولى الجديد على واشنطن؟.. بوتين يقبل بمشاركة الصين فى المعاهدة النووية المحتملة مع أمريكا مقابل انضمام أوروبا.. والقبول الأمريكى يعنى نهاية الهيمنة الأمريكية الأحادية صفقة روسية
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"لماذا ندعو الصين فقط؟.. دعونا نشرك فرنسا وبريطانيا ودول أخرى التى لم يتم الاعتراف بها رسمياً كقوى نووية".. هكذا قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مقترحا إشراك دولا أوروبية فى معاهدة الأسلحة النووية، والتى انسحبت منها الولايات المتحدة منذ عدة أشهر، وذلك بعدما دعا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى توسيع المعاهدة، بإشراك الصين بها، فى إطار المحاولات الأمريكية لتضييق الخناق على الصين فى المرحلة الراهنة، والتى بدأت عبر الإجراءات التجارية التى فرضتها واشنطن، على بكين، والتى تحولت إلى حرب تجارية، ربما تأكل الأخضر واليابس، حال استمرارها، فى انعكاس صريح لمخاوف الإدارة مما يمكننا تسميته بحالة "التوحش الصينى" فى ظل النمو الاقتصادى المتواصل بالإضافة إلى قدراتها العسكرية الجبارة، والتى تضاهى وربما أصبحت تتفوق على نظيرتها الأمريكية.

التصريحات التى أدلى بها بها بوتين حول توسيع دائرة المشاركة فى الاتفاقية المرتقبة، والتى تمثل بديلا لمعاهدة القوى النووية المتوسطة والقصيرة المدى التى سبق وأن وقعتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى عام 1987، تمثل موافقة ضمنية على المطلب الأمريكى حول إبرام اتفاقية جديدة، وهو ما يمثل انسجاما مع استراتيجية ترامب، والتى تقوم فى الأساس على إعادة هيكلة الاتفاقات الدولية التى سبق وأن وقعتها واشنطن مع محيطها الدولى فى العقود الماضية، باعتبارها عاف عليها الزمن، كما أنها لم تعد مناسبة لتحقيق المصالح الأمريكية فى الوقت الراهن، وهو ما بدا واضحا فى تقويض الإدارة الأمريكية ليس فقط للعديد من الاتفاقات الدولية، ولكن أيضا للقواعد الأساسية التى طالما تبنتها الدبلوماسية الأمريكية، سواء مع الحلفاء أو الخصوم، وهو ما يتجلى بوضوح فى توتر العلاقات مع دول أوروبا الغربية تارة، والتأرجح الكبير الذى تشهده علاقة واشنطن بخصومها، وعلى رأسهم روسيا والصين تارة أخرى.

صفقة روسية.. موسكو تسعى لإثبات نفسها كخصم واشنطن القوى

يبدو أن التصريح الروسى يحمل فى طياته صفقة محتملة، أراد بها بوتين ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، خاصة وأنه يعكس قبولا ضمنيا لفكرة توسيع المشاركة فى الاتفاقية الجديدة، بالإضافة إلى إشراك الصين، والتى يعد صعودها المتسارع بمثابة "كابوس" لإدارة ترامب، مقابل تجريد حلفاء أمريكا الغربيين، والذين يمثلون خصوما تاريخيين لموسكو، من قوتهم النووية، والتى طالما مثلت تهديدا كبيرا للأمن الروسى لسنوات طويلة، وبالتالى تفريغ الساحة الدولية من القوى النووية، لتصبح قاصرة على الولايات المتحدة وروسيا، وهو الأمر الذى يضع الأخيرة على قدم المساواة مع واشنطن فيما يتعلق بامتلاك الأسلحة النووية.

ترامب وبوتين

الصفقة الروسية تهدف فى الأساس إلى الحصول على اعتراف أمريكى بقوة موسكو، وقدرتها على المناورة باعتبارها منافسا لأمريكا على قمة النظام الدولى، خاصة وأن الصين، التى تسعى واشنطن إلى احتواء قدراتها النووية، تمثل حليفا استراتيجيا مهما للرئيس بوتين، وبالتالى فإن القبول بوجودها فى مثل هذه الاتفاقية، لابد أن يقابله وجود حلفاء واشنطن، وهو الأمر الذى يمثل، حال قبوله من قبل إدارة ترامب، اعترافا ضمنيا بعودة روسيا إلى صدارة المشهد الدولى، نهاية عصر الأحادية القطبية، خاصة وأن قوة أوروبا الغربية، فى السنوات الماضية تمثل نقطة قوة إضافية للويات المتحدة، على حساب خصومها الدوليين، وهو ما بدا واضحا فى التحرك الغربى الجماعى تجاه الخصوم، فى العديد من القضايا الدولية، وعلى رأسها الملف الإيرانى، والقضية الكورية الشمالية، فى حقبة ما قبل ترامب.

توافق ضمنى.. ترامب لا يرغب فى منافسة أوروبية

ولعل المفارقة الملفتة للانتباه هى أن العرض الروسى بإشراك دولا أوروبية ربما يروق إلى حد كبير للرئيس ترامب، خاصة وأن رؤيته تقوم فى الأساس على أهمية احتواء، ليس فقط الخصوم، ولكن أيضا الحلفاء الأوروبيين، وهو ما بدا واضحا منذ بداية حقبته، عبر تقويض الصفقة القديمة التى كانت أساسا للعلاقة بين واشنطن وحلفائها فى أوروبا، والتى تقدم فيها الولايات المتحدة المزايا الاقتصادية والحماية الأمنية لهم، مقابل دورانهم فى الفلك الأمريكى فى مختلف القضايا والمواقف الدولية، بما يضمن بقاء أمريكا على قمة النظام الدولى بمفردها دون منافسة، إلا أن النفوذ السياسى للاتحاد الأوروبى وقوته الاقتصادية، ربما خلقت منه منافسا قويا لواشنطن، مما دفع ترامب إلى الإنقلاب على النهج التقليدى فى العلاقة بين الجانبين.

أوروبا والصين محلا للاستهداف الأمريكى والروسى

فلو نظرنا إلى السياسات الأمريكية منذ تنصيب ترامب بالبيت الأبيض فى يناير 2017، نجد أنها تحمل استهدافا صريحا لدول أوروبا الغربية، سواء عبر مناوئة الوحدة الأوروبية، أو فيما يتعلق برؤيته للملفات الاقتصادية والأمنية، مما أسفر عن حالة من التوتر غير المسبوق بين الجانبين، وبالتالى فإن احتواء الترسانة النووية لدول القارة العجوز، لا يبدو بعيدا عن رؤية صانعى القرار فى البيت الأبيض، فى ضوء المحاولات المتواترة لإضعاف الحلفاء، للخروج من دائرة المنافسة على قمة النظام الدولى.

ويمثل الموقف الأمريكى من الطموح الفرنسى للقيام بدور دولى أكبر يمثل دليلا دامغا على السعى الأمريكى لتقويض أوروبا بأسرها، وهو ما يبدو واضحا فى الموقف الأمريكى السلبى من عرض باريس للقيام بدور الوسيط بين واشنطن وطهران، وتفضيلها للوساطة اليابانية، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا للموقف الأمريكى المناوئ للحلفاء التقليديين.

شهادة ميلاد.. كيف تمثل الاتفاقية المرتقبة بداية عصر دولى جديد؟

وهنا يمكننا القول بأن المعاهدة النووية المرتقبة، والتى يسعى ترامب إلى إبرامها، تمثل شهادة ميلاد نظام دولى جديد، كما كانت من قبل معاهدة القوى النووية القصيرة والمتوسطة المدى، التى وقعها إدارة رونالد ريجان، مع نظام جورباتشوف السوفيتى، إيذانا بنهاية عصر الثنائية القطبية، حيث انتهت الحرب الباردة بعدها بسنوات قليلة، لتعلن نهاية الاتحاد السوفيتى، بينما أصبحت الولايات المتحدة هى القوى الوحيدة المهيمنة على العالم، فى ظل غياب المنافسة على صدارة المشهد الدولى تماما.

يبدو أن عرض موسكو حول الاتفاقية الجديدة المحتملة، سوف يلقى قبولا أمريكيا، فى ظل مواقف واشنطن السابقة، كما أنه يمثل نقطة تحول مهمة فى طريق عودة موسكو من جديد إلى مكانتها باعتبارها قوى دولية فاعلة فى العالم، بعد ما يقرب من 3 عقود من اندثار الاتحاد السوفيتى.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة