سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 نوفمبر 1848وفاة إبراهيم باشا.. وعلامات السرور تبدو على كبار رجال والده محمد على

الأحد، 10 نوفمبر 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 نوفمبر 1848وفاة إبراهيم باشا.. وعلامات السرور تبدو على كبار رجال والده محمد على إبراهيم باشا
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاد إبراهيم باشا حاملا معه فرمان «الولاية لمصر» فى ظل حياة والده محمد على باشا الذى تمكن المرض العقلى منه، حسبما يذكر نوبار باشا، فى مذكراته..كان «نوبار» أرمنى الأصل ومستشارا لمحمد على وإبراهيم، ثم أصبح رئيسا للنظار بعدهما، ورافق إبراهيم فى رحلة الحصول على هذا الفرمان فى نفس الوقت الذى كان يعانى فيه إبراهيم من المرض. ينقل «نوبار» فى مذكراته تفاصيل دقيقة عن الرحلة، وعلاقتها بموت إبراهيم فى حياة والده قبل أن يهنأ بحكم مصر منفردا.. يتحدث بسرد درامى مؤثر عن تناقضات إبراهيم الإنسان..يكشف كيف كان كبار الشخصيات ينتظرون بلهفة لحظة موت هذا القائد العسكرى الفذ، الذى قاد فتوحات أبيه، وأقلق مضاجع الباب العالى لتركيا العثمانية، ويصدمك بشعور والده حين بلغه موت ابنه.
 يذكر نوبار،أن «الباب العالى» تردد فى منحه الولاية التى سافر من أجلها دون علم أبيه بما ينتوى.. طرح «الباب العالى» عليه منصب «الحاكم العام لمصر» دون ولاية لكنه رفض وهدد، وجاء الحل قدريا، حيث أعلن «عراف القصر» أنه بعد استشارة الكواكب كان الرد أن إبراهيم سيموت قبل مرور ستة أشهر، واتفقت هذه النبوءة مع ما أعلنه أيضا طبيب القصر النمساوى المكلف برعايته، فبعد أن فحصه تبين له أن إبراهيم يتقيأ الدم من فمه نتيجة إصابة خطيرة فى الرئة، ومن ثم تقرر منحه الولاية يوم 13 يونية 1848، وفى اليوم التالى شق طريقه عائدا إلى القاهرة من القسطنطينية.
أثناء رحلة العودة كان «نوبار» إلى جواره يوميا حتى ساعات متأخرة من الليل لمساعدته على الجلوس فى سريره والحديث معه..يؤكد: «عندما كان يسمعنى أتحدث معه عن المستقبل بهذه الثقة المطلقة يحس بالاطمئنان، وكانت أفكاره السوداء تتلاشى تدريجيا».. يتذكر أنه فى أحد هذه الأيام.. كان حسن باشا يرقب تحركاتى بنظرة يغلفها القلق والتساؤل، وفى كل مرة كان الرجل المسكين يعود إلى حساباته حيث تفرغ للتنجيم وقراءة الطالع، يسأل القدر عن مصير إبراهيم، وذلك بإلقاء بعض الأحجار الصغيرة على الورق بشكل عشوائى، ثم يقوم بجمعها متبعا بعض القواعد المركبة للكشف عن المستقبل، فأخبره الطالع أن إبراهيم سيموت وهو ينزف دما، وأنه لن يحكم سوى اثنين وسبعين يوما.
وصلت السفينة إلى الإسكندرية يوم 14 سبتمبر 1848.. وفى صباح اليوم التالى سافروا إلى القاهرة، وفى قصر النيل مكث إبراهيم حيث كان يشغل غرفة صغيرة بسبب عودة حالة تقيؤ الدم إليه، وبعد أيام توجه للإقامة فى القلعة حيث شغل سراى الحرملك».. يؤكد نوبار: «مكثت بجواره أخدمه كممرض وحاجب أمين سر وكل شىء، وكان أخى يساعدنى.. سارت الأمور كما كانت فى الأيام العادية، ولكننى كنت ألاحظ قلق كبار الشخصيات وهم يستفسرون عن حقيقة حالة الوالى الصحية».. يؤكد أن علامات السرور كانت تبدو عليهم بشكل واضح كلما ذاع خبر عن تردى صحة إبراهيم.. يذكر السبب أن: «إبراهيم مهيبا يخشاه الجميع وذاعت شهرة قسوته.. شعرنا أنا وأخى بالاشمئزاز لهذا الموقف، والوحيد الذى لم يتركه للحظة هو «قبطان بك» مملوكه».
يضيف: «فى أثناء رحلة مرضه الأخيرة التى لم تتوقف عن النيل منه دون هوادة، استغل عباس «ابن شقيقه» بعض لحظات الهدنة مع المرض، وطلب منه الإذن بالسفر إلى الحجاز.. كان عباس يخشى بوصفه خليفة إبراهيم المنتظر أى مفاجآت غير سارة، وكان الحذر يحتم عليه أن يظل بعيدا عن متناول يدى عمه المريض».
مع تفاقم المرض، انسحب إبراهيم إلى جناح الحريم، وقرر الكتابة إلى الطبيب «لاليمان».. يؤكد نوبار أن «إبراهيم» كان بخيلا، ولهذا كانت مسألة أجر الطبيب تشغله دائما فنبهه بأن يقوم بتذكير «لاليمان» بوعده بالقدوم إلى مصر، حتى يتهرب من دفع الأتعاب.. يؤكد: «لم يسمح لأحد بالدخول إليه سوى أخى وبونفور والطبيب الخاص ديامنتى وقبطان بك وأنا».. يصف طريقة دخولهم إلى قائلا: «كانت تسبقنا تحذيرات الأغاوات «بس.. بس» (أى البسبسة) لتهرول النساء الموجودات فى الطرقات إلى مقارهن، كانت شقيقته نازلى هانم المعروفة بتاريخها الدامى والشهوانى تجلس دائما إلى جواره على حافة الفراش، بينما إبراهيم كعادته نائم على مرتبة على الأرض، وكنا عند دخولنا تقوم نازلى بالتخفى فى منتهى العناية وراء ستارة سوداء كبيرة يحملها اثنان من الأغاوات لتحول بيننا وبينها، ولكنهم نسوا أن المرايا التى تكسو كل حوائط الحجرة، كانت تعكس صورة وجهها ذى الأنف المحدب الذى يشبه منقار الصقر، وعندما كانت ترغب فى الخروج أثناء وجودنا كنا ننبطح على الأرض، وأعيننا تنظر إليها بينما تمر هى وراء الستارة السوداء التى كان الأغاوات يحملونها مفرودة دائما يتحركون معها كلما تقدمت خطوة إلى الخارج».
جاء اليوم الذى أخبر الطبيب فيه نوبار بأن النهاية أوشكت وكانت يوم 10 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1848، فماذا حدث بعدها؟ 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة