هند أبو سليم

أيام الفساتين القصيرة وبنطلونات الشارلستون

الخميس، 17 أكتوبر 2019 02:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كبرت ورأيت صور أمي و أبي في السبعينات ( فساتين قصيرة و بنطلونات شارلستون) ورأيتهما يتسامران ويسهران لكن ربيانا على الاحترام و الأدب و الإحساس بالآخر و العطاء و الحب و ..... ربيانا على الحب و الخوف من الله دوماً و أبداً.

 

وكبرت ورأيت أمي تصلي الفجر حاضر في حديقة منزلنا أو على الشرفة صيفاً وشتاءً وحين كنت أسألها لماذا لا تصلين في الداخل، كانت تجيب أنها لا تريد ساتراً بينها وبين السماء.

 

كبرت و رأيت أبي يطلب من المطبخ تجهيز غداء رجاله قبل غداء العائلة.. كبرنا معهم حتى أصبحوا جزءا لا يتجزأ من العائلة وذكرياتها ( آل لحام، . آل بخيت، آل السلقاوي، آل أبو ميري....وأدهم الطواشي) جيرة وأخوة.

 

كبرت و رأيت أمي وأخواتها لا يضعن يوماً دون أن يشربن قهوة الصباح .... ليست جلسة نساء عادية.... بل كم الحب والتواصل والتسامح.. فحين تتعب إحداهن ( و كلهن أمهات رجال و نساء) إلا أن وجود أختها أو أخواتها يعني رائحة أمها بجوارها ... لا يشعرن بالأمان يكتمل إلا بوجود إحداهن.

كبرت ورأيت التزام والديَّ بالمجاملات الاجتماعية، وسعيهما في الحضور في الحزن أكثر من سعيهما في الفرح.

كنتُ لم أكن أعرف كيف أوفق بين ما أسمعه من ترهيب معلمة الدين المتشددة في المدرسة وبين مبادئ أهلي السمحة في منزلنا..  كيف أن صلاة أمي لله تعالى أجمل وأطهر وأنقى في سعيها لله من متشددين العالم أجمع.. أمي دوماً تقول: علاقتي بالله لا شأن لعبد  بها.. وحين تناجيه، تناجيه حباً.. عرفت أمي بفطرتها حب الله الذي ما زال متشددو العالم تائهين عنه.

كنت أتململ وأنا صغيرة  ولا يعجبني أن يحضر غدائي بعد أحد.. لماذا على أن أكل بعدهم؟.. كبرت وعلمت أنهم نعمة من نعم الله.. وجودهم في بيتنا خير.. رزق علينا أن نحمد الله عليه.. فهم هناك الآن بجوار أمي وأبي، يعاملوهم معاملة الأبوين.

كنت أريد أن أجلس مع أمي في الصباح.. لنكون وحدنا بعيداً عن ضجيج اخوتي.. و لكن خالاتي كن دائما حاضرات.. فهمت الآن وأنا كل صباح أتمنى لو أختيَ بجواري لأشرب كوب شاي معهن وأبدأ صباحي بهن... أمي وأخواتها جسدن معنى أخت بمعنى الكلمة.

كنت انسانة معزولة.. لا أحضر أفراح وكنت صغيرة على حضور الأحزان.. كانت أمي تحاول دوماً أن تشركني في محافلنا الاجتماعية، لكني كنت أفضل كتاباً وشريط كاسيت جديد في غرفتي ( عندي بالدنيا ) لكني عرفت الآن.. أن نكونَ جزءا من كل.. هي فطرة بشرية... وأن المثل القائل ( جنة من غير ناس ما بتنداس) صحيحٌ مئة بالمئة.

كبرت ورأيت على كم الكذب .. على كم الصدق، على كم النفاق.. على كم النزاهة، وعلى كم الأوجاع .. على كم الراحة.. وعلى كم الحزن.. هناك دائماً فرح.

آخر الكلام:

أحدهم قال لي وهو يرحل: ربما منعك ليعطيك.. قالها محاولاً إن يجمل رحيله.. أن يضفي عليه لمحة قدرية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة